الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: أزمتنا اليوم.. أزمة ضمير

عبد الجليل أبوالمجد: أزمتنا اليوم.. أزمة ضمير عبد الجليل أبوالمجد
ما دفعني لاختيار هذا الموضوع، هو الجدل الواسع الذي أعقب مباراة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، وما تلاها من ردود فعل ونقاش حول مصداقية ونزاهة امتحان ولوج هذه المهنة. فما المقصود بالضمير؟ وما علاقته بالموضوع؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى أزمة الضمير المغربي؟
تعني كلمة "ضمير" وفقا لـ(معجم المعاني الجامع): "استعدادا نفسيا لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأقوال والأفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحسن واستقباح القبيح منها.
وثمة اختلاف بين الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع في تعريف الضمير. وعموما يعرف "الضمير" بأنه قدرة الإنسان على التمييز بين الخطأ والصواب، بين الباطل والحق، وهو يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية. وبتعبير الكاتب فيكتور هوغو: "الضمير هو حضور الله في الإنسان" La conscience, c'est Dieu présent dans l'homme.
مغربيا أصبح الضمير أكبر مشكل يعاني منها الشعب والحكومات معا، إذ مشكلتنا اليوم ليست في القوانين والتشريعات، وإنما تكمن في أزمة ضمير، ومن الأمثلة على ذلك، والتي لا تعد ولا تحصى: عدم احترام حقوق الغير وعدم أداء الواجب في الإدارات والمجالس والهيئات والجامعات والمستشفيات والمهن...الخ.
في هذا الصدد، تطرح قضية مباراة ولوج مهنة المحاماة، والتي تعد من القضايا التي تعبر عن أزمة الضمير، إذ في خضم الجدل الحاد والشكوك حول امتحان الأهلية خرج الوزير المسؤول بتصريحات أثارت انتقادات واسعة، بدل أن يتصدر بمبادرة لرأب الصدع وتلطيف الأجواء من خلال الاستجابة جزئيا لمطالب المحتجين.
وهذا محزن في المشهد السياسي المغربي الراهن، إذ منذ دستور سنة 2011 والسياسيون المغاربة يتحدثون عن الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ناسين أن من يعيق تحقيق هذه الأهداف هم أنفسهم، من خلال تضارب المصالح واستخدام المنصب والنفوذ للمصالح الضيقة. وهذه سلوكيات تنخر جميع النخب السياسية المغربية والتي لا تعرف في خطابها غير لغة الأنا.
ومن الأمور الغريبة التي تثير الريبة أن النخب السياسية المغربية سرعان ما تغير مواقفها وتتخلى القيم والمبادئ العليا في فترة قصيرة عندما تنجح مساعيها في تولي المناصب العامة. وللآسف هذه حقيقة مرة، لكن لا أحد يبالي أو يكترث أو حتى يسأل لماذا التخلي عن القيم والمبادئ؟ وإلى أين نحن ذاهبون ؟! هي أسئلة تطرح بإلحاح، ولكن هذا التغافل وعدم المبالاة من العامة والمغلوبين جعل هذه النخب تتباري وتتمادي في استغلال نفوذها.
وهكذا يغيب الضمير السياسي داخل منظومتنا السياسية، أمر جعل من الأحزاب حلبات للمصارعة الفارغة، تتجاذب في جنباتها المصالح الضيقة. ولتحقيق أغراضها تستخدم أساليب ملتوية تمس مصلحة المؤسسات والوطن.
لكن ينبغي ألا ننسى أن هناك من الشرفاء وأصحاب الضمير من المسؤولين الإداريين والسياسيين المغاربة الذين لا يمكن لهم أن يبيعوا ضمائرهم ولو بملء الأرض ذهبا، ويفضلون الفقر مع العفة، لأنهم يشعرون براحة الضمير، وإن ضاقت نفوسهم ومعيشتهم بسبب الحياة المادية الصعبة. فما أحوجنا حاليا لهذه الضمائر الحية حتى تستمر عجلة الحياة بالدوران الصحيح للمضي نحو التغيير الإصلاحي وإن اختلفت صور وأشكال أساليب هذا التغيير.
وختاما يمكن القول إنه مهما كانت المبادرات والتشريعات والقرارات، فلا حل جذري لمشكالنا الداخلية إلا بالعودة إلى إعمال الضمير في حياتنا من جديد، والتمسك بقيمنا وضمائرنا، حيث الأمانة والصدق والاستقامة والنزاهة، والتخلي عن الأنانية المفرطة والخداع، وأن نفرق بين الحق والباطل والكسب والسلب، وأن نتذكر دائما، إذا ضاع الضمير، هلك المصير.
المهم اليوم، أن تبقى الضمائر الحية تنتهج وتهدف إلى تجسيد القيم النبيلة كالنزاهة والصدق والتضامن، وإحياء الضمائر في الوضع الحالي عمل صعب، لكنه ليس مستحيلا، وهو بلا شك عمل شريف يستحق أن تبذل من أجله كل الجهود وقد تستلزم وقتا طويلا، لكن الأمل يبقى قائما بعودة الضمائر الحية والمواطنة المتساوية. وهذا هو المغرب الذي نريد.