الجمعة 22 نوفمبر 2024
مجتمع

شبهة السرقة العلمية تهدد بالإطاحة بعميد كلية الآداب بمكناس

شبهة السرقة العلمية تهدد بالإطاحة بعميد كلية الآداب بمكناس

صيف حارق تعيش على إيقاعه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، إذ ما زال تعيين أحمد المحمودي عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية يثير ردود فعل ناقمة. فالبعض يرى أن هذا التعيين لم ينبن على معايير الكفاءة والشفافية والموضوعية، خاصة أن أطروحته لنيل دكتوراة الدولة في التاريخ كانت محل جدل وصخب إعلامي واسع.

ويرى بعض الأساتذة أن أطروحة العميد الحالي بعنوان "عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي" تعد سرقة علمية مكشوفة لكل من رسالة أستاذ علم الإجتماع حماني أقفلي بعنوان "التراتبات والحركة الاجتماعية في منطقة والماس بإقليم الخميسات" والتي أشرف عليها محمد جسوس، وقرصنة واضحة لرسالة أستاذ التاريخ محمد العمراني لنيل دبلوم الدراسات العليا بعنوان "الفتن والتمردات بالمغرب الأقصى والأندلس خلال القرن السادس الهجري".

فكيف يعقل، يتساءل البعض، تعيين عميد لا يحظى بالثقة والمصداقية، ومطعون في كفاءته ونزاهته العلمية؟ "ألم يكن في علم اللجنة المكلفة بدراسة طلبات الترشيح، يتساءل آخرون، الضجة الواسعة التي صاحبت صدور كتاب المحمودي الذي هو جزء من أطروحته محل "الشبهة"؟ وأين هي اللجان الوزارية ورئيس الجامعة من تعيين المحمودي المتورط في السرقة العلمية؟ ألا يمكن اعتبار تعيين المحمودي مؤشرا واضحا على الانحطاط الذي تعيشه الجامعة المغربية؟".

مصادر مطلعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية كشفت لـ "أنفاس بريس" أن أطروحة العميد الحالي بعنوان "عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي" سبق لها أن أحيلت على لجنة علمية، والتي عينت خبراء متخصصين، حيث وردت تقارير على اللجنة تتبث أن الأمر يتعلق ب "سرقة علمية حقيقية". ونظرا لإنعكاس الأمر على الوضعية المادية لصاحب الأطروحة، تضيف المصادر نفسها، سلكت اللجنة أسلوب المساعي الحميدة بعد الوساطة التي قادها الرئيس السابق لجامعة مولاي اسماعيل محمد زهير بن عبد الله وبعض أساتذة كلية الآداب، وتم الاتفاق مع صاحب الأطروحة على سحب كتابه من السوق وإعادة صياغته مع توثيق كل ما أخذه عن الأستاذ حماني أقفلي والإحالة على رسالته. وهو الأمر الذي لم يتم، حسب المهتمين، بل إن صاحب الأطروحة (يضيف هؤلاء) أصر على إصدار طبعة ثانية من الكتاب ("عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي") دون ان يلتزم بتضمينه الإحالات على الرسائل الجامعية التي اعتمد عليها في كتابه.

وتشير مصادر أخرى لـ "أنفاس بريس" أن ملف السرقة العلمية ترك على مكتب العميد السابق محمد الرفاس، الذي تم في عهده سحب أطروحة المحمودي من مكتبة الكلية ووضعها بمكتب العميد السابق الرفاس لتهدئة أجواء التوتر بالكلية، وهو المعطى الذي أكده لـ "أنفاس بريس" محافظ مكتبة الكلية، مشيرا إلى أن الأطروحة موضوع هذا الجدل الصاخب سحبت من المكتبة بطلب من العميد السابق وظلت منذ ذلك الحين في مكتبه.

 لكن لماذا لم تتم إعادة أطروحة المحمودي إلى رفوف مكتبة كلية الآداب بمكناس؟ وما مصير الملف المتعلق بالسرقة العلمية الذي تركه العميد السابق في مكتب العمادة؟

بعض المصادر تشير بأن عدم إعادة الأطروحة إلى رفوف مكتبة الكلية في عهد العميد السابق دليل إدانة بالسرقة العلمية. من جانب آخر ذكرت، المصادر نفسها، أن إشاعات تروج في أوساط الأساتذة مفادها أن الأطروحة تعرضت للإحراق بعد حادث احتراق أرشيف كلية الآداب والعلوم الإنسانية في غشت 2013 الذي يصادف تولي المحمودي منصب عمادة الكلية، لتبرير عدم وجودها ضمن الأطروحات المسجلة بمكتبة كلية الآداب بمكناس. كما انتقدت المصادر ذاتها تعيين السعيدي المولودي كنائب لعميد كلية الآداب، مشيرين إلى أن تعيينه تم بناء على "صفقة غامضة"، علما أن المولودي المنافس القوي للمحمودي على منصب العمادة كتب عن جانب كبير من هذه السرقة العلمية، مما يؤشر على رغبة المحمودي (تقول المصادر ذاتها) في إقبار ملف السرقة العلمية وضمان عدم خروجه للواجهة من جديد.

موضوع السرقة العلمية، قادنا إلى مكتب العميد أحمد المحمودي، في محاولة لاستجلاء الحقيقة، حيث أشار المحمودي في حديث لـ "أنفاس بريس" أن الطبعة الثانية من كتابه بعنوان "عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي" هي بمثابة تصحيح للطبعة الأولى، كما يتضمن الإحالات اللازمة (وهو ما يعد بمثابة اعتراف ضمني بأن الطبعة الأولى التي نسخت حرفيا من رسالته لنيل دكتوراة الدولة في التاريخ لاتستجيب لمعايير الأمانة العلمية).

المحمودي أنكر في حديثه لـ "أنفاس بريس" أن تكون أطروحته لنيل دكتوراة الدولة قد سبق لها أن كانت محل نظر اللجنة العلمية، نافيا صدور أي تقارير للجنة الخبراء بخصوصها. ودون أن يفسح المجال لطرح مزيد من التساؤلات التي ظلت عالقة، طلب على عجل الاطلاع على بطاقتنا المهنية، حيث قام من أريكته الأنيقة متقدما نحو آلة النسخ للحصول على نسخ متعددة، وأصر العميد على تمكيننا من التقاط صورته، مشيرا إلى أن "الاستقبال " الذي حظيت به "أنفاس بريس" في مكتبه يعد كافيا في نظره.

انقطع الاتصال بالعميد المحمودي، لكن بين ثنايا الوثائق التي حصلت عليها "أنفاس بريس" تنكشف العديد من الحقائق. حيث ورد في بيان صادر عن أساتذة شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس "أن أساتذة شعبة التاريخ، وحرصا منهم على المصداقية العلمية والتربوية التي تتمتع بها شعبتنا، وعلى مصداقية كلية الآداب، وعلى مصداقية جامعة مولاي اسماعيل ومصداقية هياكلها الجامعية والشواهد العلمية التي تمنحها الجامعة المغربية، فإنهم يريدون أن يبادر المحمودي إلى التخلي من تلقاء نفسه عن رئاسة الشعبة حتى يتسنى له الرد على ما نشر (في إشارة إلى ما نشر في يومية "صوت الناس" العدد 91، 28 مارس 2006) فيما يخص موضوع سرقة الرسالة الجامعية لأقفلي حماني "كما دعا بيان أساتذة شعبة التاريخ حينها الجهات الوصية إلى تحمل كامل مسؤولياتها في حماية سمعة البحث العلمي بالمغرب وسمعة الأساتذة الباحثين.

بيان الأستاذ حماني أقفلي زكى هو الآخر ما ذهب إليه أساتذة شعبة التاريخ حيث جاء فيه: "لقد أخذ الدكتور المحمودي من رسالتي حول التراتبات والحركية الاجتماعية في منطقة والماس ما أخذ، بالحرف والنقطة والفاصلة، وضمنه كتابه "عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي"، دون أن  يشير إلى المرجع الذي أخذ منه ولو في هامش صغير من هوامشه. وهذا واقع ثابت ثبوتا ماديا، وما على الراغب في التأكد منه إلا العودة إلى رسالتي وكتابه..".

وفي انتظار تحرك الجهات المعنية لتصحيح الوضع وإصلاح الأعطاب التي أصابت كلية الآداب بمكناس، يظل موضوع تملص الجهات المعنية من التصدي للقرصنة العلمية هو العنوان الأبرز، فيما يخص الإشكالات التي تواجه البحث العلمي في المغرب.

 

غلاف الأطروحة ومؤلفها أحمد المحمودي