الثلاثاء 23 إبريل 2024
سياسة

يا ولاة محمد السادس: بنكيران يخاطبكم

يا ولاة محمد السادس: بنكيران يخاطبكم

"... نعم، سيدي ومولاي عبد الإلاه بنكيران، أدام الله لكم النصر والتمكين"

هذا ما يطمح له رئيس الحكومة الملتحية عبد الإلاه بنكيران، أي أن يصبح "الحاكم" بالبلاد بالمعنى الشعبي وليس بالمعنى القانوني المقيد بضوابط الدستور والصلاحيات الممنوحة لكل سلطة. إذ عكس رؤساء حكومات أوروبا الذين "يتقاتلون" لتخفيض نسب البطالة وخلق الثروة الوطنية وغزو الأسواق الدولية، نجد رئيس حكومتنا بنكيران منشغلا بالدرجة الأولى بضرب أوتاد الإدارة المغربية من مدراء مؤسسات عمومية وولاة وعمال وأطر سامون حتى يخلو الجو للحكومة الملتحية لزرع عناصرها المتشعبة بالثقافة الطالبانية والوهابية، أو على الأقل المصبوغة بالخنوع للمشرق حتى يتحول المغرب إلى مقاطعة أو إقليم تابع لشيوخ المتزمتين.

فبعد غزوة "بوانو" القيادي في حزب العدالة والتنمية الذي اتهم الولاة والعمال بالفساد، رغم أن زميله رئيس الحكومة هو الذي يقترحهم، جاءت غزوة القيادي الإسلاماوي الآخر محمد بلعربي بلقايد الذي اتهم الولاة بالمخدرات، لتليها غزوة الشاوية التي تميزت بالإحراج الذي واجهه والي جهة سطات بوشعيب المتوكل حين قال له نواب "البيجيدي" أن تعيينه تم بفضل بنكيران، وهو ما يعني أن الوالي عليه أن ينبطح و"يسد فمو" حتى يفعل نواب المصباح ما يحلو لهم.

كل هذه "الغزوات" الإسلاماوية التي "تجاهد" ضد الإدارة الترابية لا يمكن للمراقب أن يمنحها سوى تأويل واحد، ألا وهو أن الحرب العلنية والسرية التي يقودها عبد الإلاه بنكيران وحزبه ضد الولاة والعمال والإدعاء أنه يملك الملفات والتقارير ضدهم، الغاية منها زرع الإرهاب في صفوف رجال السلطة وتحويلهم من أطر يمثلون الحكومة والملك في الإقليم المعني إلى "خدام" يمثلون حزب العدالة والتنمية. بل حتى القول إن حزب بنكيران بإمكانه تعيين ولاة وعمال "بيجيديين" على غرار ما قام به حزب الاتحاد، أو الحركة الشعبية أو الاستقلال حينما اقترحوا أطرا حزبية لمنصب والي وعامل، والتي كانت تجربة مشرفة، يبقى قولا مردودا. على اعتبار أن حزب رئيس الحكومة الملتحية يربح حاليا من وضعية الإرهاب الممارس على الولاة والعمال أكثر مما كان سيربحه إذا ما اقترح على الملك لائحة تضم بعض "الخوانجية" من العدالة والتنمية. لأن بنكيران وحزبه يجنون حاليا ثمار التخويف الممارس على الولاة والعمال، وبإمكانه (أي التخويف) أن يحول رجال السلطة إلى دمية في يد رئيس الحكومة بنكيران ليوجههم كيفما شاء وحزبه على حساب المصلحة العامة للبلاد. لأن التجربة (حالة سيدي بنور مثلا) أو تقاعس مكونات الحكومة الأخرى (الشيوعيون والحركيون والتجمعيون) في الدفاع عن مقومات دولة القانون والمؤسسات وعن حرمة الإدارة وأطرها سيقود حتما كل والي وكل عامل إلى أن يخاف "على بلاصتو" ويفضل الحفاظ على منصبه، أن يساير هذيان الحكومة الملتحية، وبالتالي الوقوع في المحظور، أي تحويل رجال السلطة إلى "بيادق" بيد حزب العدالة والتنمية للدفاع عن مصالح ضد الحزب أو التستر عن فضائحه. وهذه الخطة هي الأخطر لأنها أقل كلفة بالنسبة لعبد الإلاه بنكيران مقارنة مع مبادرته باقتراح تعيين أنصار حزبه في الإدارة الترابية، لأنهم "سيتورقون" كما "تورق" وزراؤه في الفشل في تحسين جودة عيش المغاربة وفي الرفع من الناتج الداخلي الخام.

المثير في هذه الخطة أنها تخلق الانطباع لدى الرأي العام بأن أطر الدولة مجرد "بزناسة" ولا هم لذاك الوالي أو ذاك المدير المركزي بوزارة ما سوى نهب المغرب. وهذا ما لا يمكن أن يقبله أي إنسان سوي، فالأحرى أن يصدر عن وزير أو برلماني أو قيادي في حزب. فهاهو رئيس الحكومة الفرنسية "جون مارك أبرو" كان قد أعطى الدليل على أنه من عيار ثقيل، إذ ما أن استتب الحكم للاشتراكيين في فرنسا (رئاسة وحكومة وبرلمانا) حتى بادر رئيس الحكومة، آنذاك، إلى اقتراح تغيير ثلاثة أسماء لا غير، ويتعلق الأمر بمدير الأمن ووالي أمن باريز والمدير المركزي للاستعلامات. وهذا التغيير كان واردا في حالة فوز الاشتراكيين، إذ في الحملة الانتخابية التزمت مارتين أوبري، زعيمة الاشتراكيين، وفرانسوا هولاند مرشح الوردة للرئاسيات، وقتها، بأن حزبهما إذا فاز سيقوم بتغيير ذاك الثلاثي فقط. ليس لأن هذا الثلاثي "شفار" و"قمار" و"بزناس"، بل لأن هؤلاء المسؤولين الثلاثة بالغوا جدا في الانحياز وإعلان الوفاء التام لساركوزي. أما ما عدا هؤلاء الثلاثة فإن أي تغيير يخضع لأعراف الجمهورية الفرنسية القائمة على الكفاءة والمهنية والمردودية في القطاع الذي يعين فيه الأطر السامون دون اعتبار لانتماءاتهم ولدينهم ولعرقهم ولونهم. وهو ما توجه فرانسوا هولاند بقوله فور فوزه: "أنا رئيس لكل الفرنسيين ولست رئيسا للاشتراكيين فقط".

هذا مجرد مثال نطرحه على عبد الإلاه بنكيران للاستئناس، وإلا فإننا غدا أو بعد غد، إن لم توقف الحكومة الملتحية هذه "المسرحية الباسلة" ضد أطر الدولة، سنجد أنفسنا أمام إدارة لا يلجها إلا الزاحفون على بطونهم على الطريقة الطالبانية والوهابية.. والذين سيرددون "نعم، سيدي ومولاي عبد الإلاه بنكيران، أدام الله لكم ولحزبكم النصر والتمكين".