السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عزوزي بوزيد: الفساد المالي يغطي قطاع التكوين الجامعي كما غطى القطاع المالي والاقتصادي 

عزوزي بوزيد: الفساد المالي يغطي قطاع التكوين الجامعي كما غطى القطاع المالي والاقتصادي  عزوزي بوزيد
أصدرت يوم الاثنين 30 يناير 2023 الغرفة الجنائية  الإبتدائية المكلفة بجرائم الأموال  بمحكمة الاستئناف بالرباط حكمها في حق مجموعة من الأساتذة  بجامعةعبد المالك السعدي بطنجة وهم ثلة من الساهرين المفروض فيهم أن يسهروا عل  تدبير الشأن الجامعي والأكاديمي والثقافي في وطننا الغالي تدبيرا نقيا وفيا لقيم ومبادئ الإخلاص لوطننا الغالي المغرب العظيم ، ويفتح أبواب الأمل في بزوغ فجر النقاء في جامعاتنا ومعاهدنا وثانوياتنا ومدارسنا وبالتالي في كل إداراتنا .
هذا ما فتئت أؤكد عليه دائما خلال إلقاء المحاضرات بالمدرجات والأقسام بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط والدارالبيضاء وفي معاهد أخرى وفي مقالاتي بدون استثناء الصادرة في الصحافة أو التي ستصدر لاحقا في كتاب خاص أنا بصدد تهييئه ، بالموازاة مع مجموعة من المحاور تخص التدبير الإداري وتنقية الإدارة من كل ما يمكن أن يشوه سمعة وطننا الغالي والرفع من مستوى الخبرات والكفاءات العالية التدبيرية والتقنية والإقتصادية والسياسية التي تحمل في أحشائها هم وطننا : المغرب ذو التاريخ العريق في ظل عرش مملكتنا الشريفة الأبية .
مع الأسف الشديد ، لقد وصل الفساد إلى القلب النابض للأمة لأن "الجامعة" هي التي تكون الأطر السامية ، هاته النخبة التي تحمل على سواعدها وأكتافها المسؤولية الثقيلة والجسيمة لإدارة الدولة .
إن هذا الفساد المستشري يدق ناقوس الخطر لسيرورة البنية الفكرية والتكوينية لدولتنا العريقة المغرب العظيم ، هاته الدولة التي تريد عدد من الأوساط الفاسدة ، داخليا وخارجيا ، إفسادها من أجل التلاعب بها والقضاء عليها وبالتالي ذبح تاريخنا وهويتنا النابعتين من حضارتنا العربية-الإسلامية العريقة .
أملي أن تهم هاته العدالة ، التي تؤكد إنصافها للحق والعدل وسيادة الحق والقانون في  دولتنا ، كافة القطاعات الإدارية والإقتصادية حيث يعشعش الفساد بثقل كبير جدا من الرشاوي بالملايين والملايير إلى سرقة الأموال العمومية في القطاع العام وفي صلته كذاك بالقطاع الخاص  .
وهذا بعد من الأبعاد الخطيرة على تدبير آليات الدولة التي تهدد ببروز مشاكل عويصة جدا تهدد استقرار المجتمع وتوازنه الحكيم والمحتكم إلى تقاليد مجتمعنا وأعرافه الذي يناجي بالروية والإمتثال لاحترام ثوابتنا وكرامة أمتنا وتاريخها المجيد .

حين كنت مديرا لمديرية القروض لم.م.ص بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي بالرباط حيث مكثت من 1969 إلى 2004 تعرضت إلى الرشوة مرات عديدة ، حتى أنني كنت أرفع سيف التهديد على عدد من المستثمرين بالمناداة على الشرطة القضائية حيث كان آنذاك والي الأمن بالرباط سي عبدالسلام المزايتي رحمه الله الذي كانت تربطني به روابط خاصة خصوصا في إطار جمعية تاونات-وردزاغ للتنمية فهو من اخمالشة وأنا من حجدريان .
خلال شهر يوليوز 1992 ، وكنت آنذاك مرشحا لتقلد مناصب سامية رسمية في دواليب الدولة، تقدمت لي شركة للحصول على قرض ب 5 ملايير ونصف مليار وكانت ممثلة من طرف 4 أفراد، ثلاثة منهم مغاربة غير مسلمين يقطنون بإيطاليا كانوا يريدون العودة للمغرب .
استدعيت فورا جميع الأطر، بالمديرية التي كنت على رأسها ومن المديريات الأخرى للإجتماع، من اقتصاديين وماليين ومهندسين من أجل النظر في المشروع؛ واستمر الإجتماع من الساعة 9 والنصف صباحا حتى 12 والربع زوالا، وقررت الإستجابة لطلب القرض مع الشروط العادية من رهون وتأمين الخ بعد وجوب تقديمه أمام لجنة القروض .
بعد 20 دقيقة من انتهاء الإجتماع وانصراف الجميع ، عاد أحد ممثلي الشركة ، وكان من مدينة تارودانت بمنطقة سوس ، إلى قسم الإستقبال وطلب أن أستقبله من جديد .
استقبلته فورا ، وأنا أتسائل عن سبب عودته .
بادرني : "سي عزوزي ، نريد أن يقبل ملفنا."  وكررها مرات عديدة ، وفي كل مرة أؤكد له أن طلبه مقبول .

بعد ذلك ، وبدون أدنى تردد ، قال لي : "إن أصدقائي المغاربة الإيطاليين يريدون منحك 100 مليون نقودا ورقية هي موجودة الآن في صندوق السيارة ، ويطلبون منك أن تخرج معي لتتسلمها منا الآن ."
قلت له : "أنت لا تعرفني وبالتالي فأنت تجهل قيمي ومبادئي وتوجهاتي الوطنية ، رغم أنني دائما وباستمرار أحاضر على شاشة التلفزة وعلى أمواج الإذاعة، وأنا معروف بحبي لوطني ولمحاربة جميع أنواع الفساد بدء بالرشوة وانتهاء بالتدخلات ... " 
هممت برفع سماعة الهاتف للمناداة على الشرطة القضائية، ثم بعد تفكير سريع جدا طلبت منه مغادرة مكتبي حالا . 
أشير إلى أنه في ذلك الوقت كان عندي ما مجموعه 142 مليون كقروض لبناء منزلي بحي الرياض بالقطاع 11 الذي بعته لاحقا لسي عبدالسلام بروال وزير الشغل كي أسدد قروضي .  
لقد كنت دائما أحارب الفساد وأندد بالرشوة التي كان يحصل عليها الرئيس المدير العام بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي آنذاك وغيره كثر ، والذي ألقي به في السجن ، ثم أخلي سبيله لاحقا مع الأسف . ولا زال ملفه محتفظ به في رفوف الإدارة المسؤولة عنه لأجل ما ...
وكان هذا الرئيس يأخذ قروضا لشركاته الخاصة الوهمية التي كان قد أنشأها بسلا وتطوان بالملايين دون تمكين البنك من الحصول على الرهون العقارية اللازمة لتغطيتها ، وكذلك كان يفعل مع عدد من رجال الأعمال أصدقائه الزبناء أو المجموعات الإقتصادية التي كانت تحميه خلال تلك الفترة 
حينما كنت مديرا  لمديريتي المساهمات المالية والصناعية والسياحية ثم القروض للمقاولات المتوسطة والصغرى بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي BNDE  بالرباط خلال 12 سنة ، من سنة 1983 إلى سنة 1994 ، واجهت مجموعات جد قوية إداريا وماليا واقتصاديا داخل البنك وخارجه، مجموعات كانت تحاربني وتناهض دفاعي عن القيم الوطنية ، كان همها الوحيد هو السطو على أموال الدولة عبر قروض مزيفة ومشاريع وهمية واتخاذ قرارات مغشوشة لا علاقة لها بمصلحة الوطن ، بل منافية لها .
كنت أسعى جاهدا إلى العمل على الدفع بالإستثمارات المنتجة في كافة أقاليم وجهات مملكتنا بالعمل يدا في يد مع أصدقاء لي كانوا يتحملون مسؤوليات سامية بالإدارة الترابية بوزارة الداخلية كالسادة : سي صالح زمراك عامل عمالة العيون بالساقية الحمراء بصحرائنا الغالية ، وسي اسليمان حداد عامل أقليم شفشاون وسي حمودي بوحنانة عامل إقليم تاونات رحمهم الله جميعا وسي امحمد ضريف والي فاس .
كل المشاريع التي كنت أتوصل بها من عندهم وأضعها في المسار الإداري للبنك pipe des crédits قصد الإستفادة من التمويل من أجل إنجاز المشاريع وخلق فرص الشغل وخلق قيمة اقتصادية مضافة ، كانت تشطب بجرة قلم وتسحب من جداول التمويل .
ومن نتائج مواقفي الوطنية هاته التي كنت أتخذها ، هي أنه تقرر تشطيبي من موقع المسؤولية بالبنك والدفع بي إلى النأي كليا عن دائرة الضوء آنذاك بالموازاة مع إيجاد وخلق حجج واهية لعرقلة مسيرتي حتى خارج المسيرة المهنية ، بل سعت عدة جهات إلى تفخيخي عبر لقاءات مشبوهة ومواعيد مبثوثة وبرمجة شيطانية جهنمية .

لقد خطوا خطوات خطيرة غاية في الخطورة ، أدمجوا فيها أشخاصا أصدقاء لهم يعملون ب "مصالح خارجة عن البنك" لها إمكانيات ووسائل ولوجيستيك تمكنهم من تفخيخ كل شخص حاول أو يحاول أن يفضحهم ويفضح ممارساتهم المشينة للمصلحة الوطنية العليا من أجل الإقاع به والزج به في هوامش قد يعاني منها ويقاسي فيما تبقى له من عمر . 
وهذا من بين الأسباب الأساسية التي أوصلت البنك الوطني للإنماء الإقتصادي إلى الإفلاس ، هذا البنك الذي أسس سنة 1959 في عهد السلطان سيدي محمد بن يوسف طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جنانه ، غداة حصولنا على الإستقلال من أجل خلق القطاع الصناعي الذي كان الإستعمار يرفض إيجاده وحتى أنه كان يكره الحديث عنه .
فالفساد المالي يغطي مع الأسف قطاع التكوين الجامعي كما غطى القطاع المالي والإقتصادي أي قطاعين حيويين يبنى عليهما تقدم الدولة ويشيد عليهما أمل الأمة في الرخاء والكرامة والعيش الرغيد .
غياب الروح الوطنية والغيرة على ألأمة وابنائها وتاريخها المجيد ، عند عدد من الأفراد والمجموعات من الساهرين على تدبير الشأن العام المحلي والجهوي والوطني في بلادنا ، يجعل التقدم الإقتصادي والنمو الإجتماعي بطيئين جدا عندنا ويزيد من فرضيات التخبط في اتخاذ القرارات الصائبة التي تعزز فرص النهوض بمجتمعنا إلى أعلى المستويات .

ما فتئ صاحب الجلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله وأطال في عمره ، منذ اعتلائه عرش أسلافه الكرام الميامين يوم 30 يوليوز 1999 ، ينادي في كل خطبه وفي كل مناسبة بترسيخ الروح الوطنية العالية وسلك سبل المحافظة على قيم حضارتنا العربية-الإسلامية العريقة وأسسها الصلبة المتينة .
أملي أن ينتبه عدد من المسؤولين الحاليين السياسيين والإداريين ورجال المال والأعمال بالموزاة مع الأكاديميين ورجال التعليم في كل المستويات إلى هاته التوجيهات الملكية السامية وأن يفهموا عمق مفهوم حب الوطن ، وأن الإرتماء في أحضان الفساد المالي والإد لن يجلب لهم سوى الخزي والعار ويدفع إلى الإنحطاط بالوطن .