الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

المغرب كان سباقا لصناعة الأسلحة النارية منذ فترة الدولة المرينية (1)

المغرب كان سباقا لصناعة الأسلحة النارية منذ فترة الدولة المرينية (1) من ذاكرة متحف الأسلحة لمدينة فاس

متى بدأ المغاربة يستعملون آليات القصف بكرات ملتهبة بالنار؟ سؤال أجابت عليه عدة وثائق ومراجع ومصادر تاريخية، ضَمَّنَهَا بحث قيم نشر سابقا بـ "مجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (العدد 130)"، حيث أكد (البحث) على أن ملوك الدولة المرينية قد استخدموا آلات قاصفة، تقذف الكرات الملتهبة، وترمي الحصون والأسوار. ومن بين ملوك الدولة المرينية نذكر كل من يعقوب بن عبد الحق المريني، وأبي الحسن علي بن أبي سعيد المريني، ثم أبي عنان بن أبي الحسن المريني.

وقد اعتمد البحث التاريخي في موضوع (صناعة الأسلحة النارية في المغرب) على حجج تاريخية دامغة حيث يتبين من خلال ذلك أن المغرب كان سباقا لاستعمال واستخدام الأسلحة النارية وإطلاق تسميتها بمقذوفاتها بالبارود، اعتمادا على المؤرخين من بينهم ابن خلدون والناصري وزيدان.

في الحلقة الأولى من سلسلة حلقات جريدة "أنفاس بريس" سنتعرف على الملوك المرينيين، والمواقع التي استعلموا فيها المقذوفات الملتهبة أثناء حصارهم لها.

يعقوب بن عبد الحق المريني:

كشف البحث التاريخي القيم، موضوع حلقاتنا على أنه في عهد يعقوب بن عبد الحق المريني عند حصار سجلماسة عام 672 هـ / 1273 م، كتب العلامة المؤرخ ابن خلدون في حديثه عن هذا الحصار حيث قال: "ونصب عليها ـ يعقوب المريني على سجلماسة ـ آلات الحصار: من المجانيق والعرادات وهندام النقط القاذف بحصى الحديد، ينبعث من خزنة أمام النار الموقدة في البارود، بطبيعة غريبة ترد الأفعال إلى باريها".

وفي هذا السياق يقول الناصري معلقا على قول ابن خلدون: "وفيه فائدة، أن البارود كان موجودا في ذلك التاريخ، وأن الناس كانوا يقاتلون به ويستعملونه في محاصراتهم وحروبهم يومئذ". ولم يفت جرجي زيدان أن يعلق بدوره على نفس النص حيث قال: "وفي هذا القول شاهد صريح، أن البارود كان معروفا عند العرب، وكانوا يستخدمونه في حروبهم قبل شوارتز (Schwarz)  بنحو نصف قرن".

 أبي الحسن علي بن أبي سعيد المريني:

وأورد البحث أنه في عهد أبي الحسن علي بن أبي سعيد المريني، خلال الدفاع عن الجزيرة الخضراء جنوب إسبانية سنة 746 هـ / 1342، ورد في كتاب "حضارة العرب"، الترجمة العربية ما يلي:

"وتثبت مخطوطات ذلك الزمن: أن الأسلحة النارية شاعت بين العرب بسرعة، فاستخدموها على الخصوص للدفاع عن مدينة الجزيرة التي هاجمها الأدفونش الحادي عشر (سنة 1342م – 742 هـ)، وجاء في تاريخ الأدفونش الحادي عشر أن مغاربة المدينة ـ يقصد المرينيين ـ كانوا يقذفون بكثير من الصواعق على الجيش فيرمون عليه عدة قنابل كبيرة من الحديد كالتفاح الكبير، وذلك إلى مسافة بعيدة من المدينة، فيمر بعضها من فوق الجيش، ويسقط بعضها عليه".

أبي عنان بن أبي الحسن المريني:

وتناول البحث كذلك، فترة أبي عنان بن أبي الحسن المريني الذي استخدمها في حربه مع بني زيان ملوك تلمسان، ويستفاد هذا من بيتين اثنين وقعا أثناء قصيدة لابن الخطيب، خاطب بها أبا عنان عقب الانصراف من بابه في غرض السفارة، وقد تعرض في القصيدة لاستصراخه لفائدة الأندلس، وجاء فيها هذان البيتان:

والروم فارم بكل رجم ثاقـب / يذكى بأربعها شواظ لهيب

بذوابل السلب التي تركت بني / زيان بين مجــدل وسليــب

أبي عنان المريني:

وبخصوص فترة أبي عنان المريني وأسطوله الحربي، فقد استحضر البحث حدث حصار بجاية، حيث ذُكِرَ هذا في "فيض العباب" في صدد الحديث عن مناورة قام بها الأسطول العناني خارج بجاية وهذه عبارته:

"وأتت ـ الأساطيل ـ من ألفاظها بكل متأجج الشواظ، يجول دويه بين الألسنة والألفاظ، مرسل في الجو ذؤابه كعقيقة البرق، منذرة للسامعين بالصدق، ومالئة بلهوبها ما بين الغرب والشرق". (هذا ويظهر أن أسطول سبتة – بالخصوص – كان مجهزا بهذه الألفاظ فقد وصف ابن الخطيب مدينة سبتة بأنها "ذات الأسطول الموهوب، المحذور الألهوب"، ومما يؤكد هذا ورود كلمة الألهوب في هذا النص، بعدما رأينا "فيض العياب" ـ آنفا ـ يصف دخان النفط بالألهوب).

فاس مدينة صناعة الأسلحة النارية:

وذكر البحث التاريخي القيم أن مدينة فاس في القرن ( 8 هـ - 14 م) كان يستقر بها صناع اختصاصيون في آلات النفط النارية، وقد جاء ذكرهم عند ابن الخطيب في (نفاضة الجراب) بعبارة: "قادحي شعل الأنفاظ، ونافضي ذوايب المجانيق". وذلك ضمن الصناع الذين استدعاهم الوزير المريني عمر بن عبد الله الفودودي استعدادا لمرافعة جيش عبد الحليم بن أبي علي المريني حيث كان يحاصر فاس الجديد وسلطانها تاشفين بن أبي الحسن المريني بتاريخ 7 محرم عام 763 هـ - 1362 م.

يتبع