الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي : دفاعا عن زكرياء أبوخلال

عبد السلام المساوي : دفاعا عن زكرياء أبوخلال عبد السلام المساوي
زكرياء أبو خلال بطل مغربي وطني أصيل ؛ به وكل مكونات فريق منتخب " منبت الأحرار نعتز ونفتخر ...عنوان شموخ المغرب ...
المغرب بلد التعدد والاختلاف ، نعتز بهذا الانتماء المتعدد المسلم اليهودي الأمازيغي العربي الأندلسي الصحراوي الافريقي ..
الطابع الاسلامي للمغرب ينبع اساسا من قيمه الثقافية النابعة من الاسلام ، غير أنها ليست قيما مغلقة ولا متحجرة .
ان تدين اهل المغرب هو تدين اجتماعي غير عالم ومفتوح في الوقت ذاته ، الواجبات الدينية تؤدى بينما الحياة الاجتماعية والاقتصادية والرياضية تعرف مجراها .
معروف على سكان المغرب حرصهم الكبير على الالتزام الديني ، وحرصهم الكبير جدا على اداء وممارسة الشعائر ذات الطبيعة الدينية .
ولقد منح الاسلام اهل المغرب وسيلة لتأكيد هويتهم الثقافية وهي الوسيلة التي تحولت في نهاية المطاف الى محرك رئيسي للحركة الوطنية .
كان المغرب دائما ذا بنية جماعية متماسكة ، وكان أهله وما زالوا متازرين معتزين بدينهم وهويتهم ووطنهم ، لهذا كانوا وسيظلون وطنيين صادقين ، ابطالا ساهموا في تحرير البلاد من الاستعمار ويساهمون الان في البناء والتنمية والبطولات الرياضية.
ان المغرب ساكن في وجدان أبنائه أينما تفرقت بهم السبل ، وهذا الأمر يسري على كل الديانات وعلى كل بلدان الهجرة التي انتقل اليها " ولاد وبنات البلاد " الموسومون منذ لحظة المجيء والولادة ، وحتى لحظة الذهاب والرحيل بوسم الانتساب المشرف المسمى ....المغاربة .
الحنين للجذور شعور لا يمكن للإنسان أن يخفيه ، مهما بعدت المسافات وطال الزمن ، وهو ما تأكد مع منتخب " منبت الأحرار " .
شيء ما تحرك في دواخلنا جميعا في مونديال قطر 2022 .
ذلك الشيء يسمى تمغربيت الأولى التي تقطننا دون أي استثناء ، والتي يتساوى فيها اليساري باليميني والمتشدد بالحداثي والليبرالي والشيوعي بمن لا انتماء له الا المغرب .
" تمغربيت " هوية لوحدها وانتماء لوحده وانتساب لوحده ، فيها تجتمع هاته الفسيفساء التي تشكلنا نحن المغاربة جميعا ، يهودا ونصارى ومسلمين وديانات أخرى ، وعربا وأفارقة وأندلسيين وأمازيغ وقادمين اخرين من كل مكان على هاته الأرض لكي نصنع منذ قديم القرون والعقود الأمة المغربية ، وهي نسيج وحدها ، وهي تفرد خاص واستثناء مغربي خالص
قد تحس بعبرات تخرج من عينيك دون إذن منك وأنت تشاهد حكيمي وسايس وزياش وأبو خلال... يبكون من أجل إنجازهم الكروي والتاريخي وهم يستحضرون أنهم أدخلوا الفرحة لقلوب الملايين، يزداد إحساسك بالانتماء للوطن حينما تعلم أنهم أبناء والدين هربوا من جحيم البطالة والبؤس وظلم الوطن، واختاروا الغربة ومآسيها لكنهم ما بدلوا تبديلا؛ زرعوا في أبنائهم حب وطنهم بل كانوا سببا في دفعهم إلى ارتداء قميصه ورفعه في الأعالي....
واهم من يعتقد أن الكرة جلدة منفوخة مدحرجة على عشب أخضر، إنها تعبير عن قيم قد لا تنجح المدرسة في ترسيخها.
واهم من يعتقد أن الكرة أفيون الشعوب، إنها تعبئة للنضال من أجل الوطن، إنها ترسيخ للقيمة الأولى المؤسسة لأي فعل مجتمعي هي قيمة الانتماء التي أصبحت قيمة إنسانية في زمن فوضى العولمة، بعدما كانت تحصيل حاصل زمن سيادة الفكرة الوطنية إبان النضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية.
حينما أقول أن كرة القدم وغيرها من الألعاب الرياضية حمالة لقيمة الانتماء استحضروا معي أبناء الجيل الثاني والثالث وهم يشجعون وطنا ينتمون إليه ولم يولدوا فيه بل منهم من لم يزره، من يستطيع ذلك؟غير هذه الساحرة المتدحرجة على عشب أخضر.
عندما يمر المنتخب المغربي إلى منتصف نهائي كأس العالم ، نكون قد تخطينا عقدا كثيرة تراكمت لدينا طوال السنين التي كنا نكتفي خلالها بالخروج من الدور الأول في أحسن الحالات التي تأهلنا فيها إلى المنافسات .
إنجازات الفريق الوطني لكرة القدم في الدوحة ليست بالأمر الهين . هي كتابة ، بلغة الرياضة ، لمسار مغربي جديد .
هو مسار الأمل ...
هو مسار الندية والتغلب على عقدة صاحبتنا لعقود ...
هو مسار تجاوز النقص الذي لازمنا من انكسارات وخيبات متتالية ...
ما جرى في مونديال قطر هو في الواقع هو شيء يتجاوز حدود خيالنا المتخم بجراح الهزائم ...
لقد انتصر لاعبونا في لعبة خلقت للمتعة أولا ...لكنه انتصار أفرح قبائل وشعوبا في أقطار من العالم ، وأخرجهم للاحتفال بالشوارع العامة ، في مجموعة من الربوع ...
نعم المغرب صنع التاريخ ووحد القلوب والشعوب خلف حلم الوصول إلى نهائي المونديال ، نعم المغرب الأقصى، كما يحلو لإخواننا المشارقة نعت بلدنا ، صنع المجد الكروي وتأهل للنصف النهائي ومنح الأمل لكل العرب والأفارقة بأن المستحيل ليس مغربيا ، لذلك اجتاحت أمواج من الفرح الغامر ودفء المشاعر كل بقاع العالم من دوحة الخير إلى كل مناطق المغرب والشرق الأوسط وإفريقيا وأي دولة يقيم بها مغربي إلا ملأها فرحة بالانتصار والاعتزاز بوطنه وانتمائه .
نعم الحلم الذهبي للمغاربة تحقق بفضل عطاء ودعم لامشروط من جلالة الملك ثم بعزيمة وإصرار وإخلاص من المدرب واللاعبين والجامعة الملكية وأيضا الجمهور الرائع وكافة أبناء الشعب المغربي بالداخل والخارج ، لذلك من حقنا أن نفتخر بما حققه منتخب المغرب الذي أصبح أول دولة عربية وإفريقية تتأهل لنهائي العالم .
لا أحد يصدق أن منتخبنا سيقوم بهذه الملحمة الكروية الاستثنائية ، لكن المستحيل ليس مغربيا ...لقد ظهر أن هذا الحلم لا يخص فقط المغاربة لوحدهم ، بل كل شعوب العالم العربي والإسلامي والقارة الإفريقية التي تمثلها ، ومن هذا المنطلق ، أصبح المغرب مفخرة لعشرات من الشعوب ، لكن أكثر ما نفخر به هو قوة الإرادة والصمود والوطنية الصادقة .
هو انتصار للأمل ...انتصار يقول للعالم : نعم هناك الإنسان في كل مكان لا وجود حقيقي لأي تمييز سوى في السياسة اللعينة ...
سيحفظ التاريخ عن ظهر قلب اسم هذا البلد ، واسم شعبه ، ستقول كتبه بافتخار " في بلاد محمد السادس ، في بلاد الجبال الأطلسية لا يخشى أبناء تلك الأرض إلا الله . يؤمنون بأنفسهم وبوطنهم وبقدرتهم على جعل الحلم المغربي حقيقة تتبارى الدنيا كلها في التنويه بها ، في مدحها ، في نظم جميل القصائد وأحلى الكلمات عنها وحولها " .
هذه صرختنا أننا فخورون بهذا النسب المغربي الشريف .
هذا اعلاننا للعالم كله أن على هاته الأرض المباركة أشياء كثيرة تستحق الانتباه .
هذه أوراق اعتمادنا المغربية ، نحن الذين ظللنا كل هاته السنوات والعقود ، نقول للكل " رغم كل شيء وبسبب كل شيء ، لن يتزحزح إيماننا ببلادنا وبقدرة أبناء بلادنا على إبهار الجميع " .
نحن الآن في مرحلة البوح الصادق بالأشياء كلها ، وفي مقدمتها ، وعلى رأسها الاعتراف مجددا أن المغرب يعني لنا كل شيء ، وأننا نحبه لوجهه ، لوجه المغرب العظيم.
فقط ، لا غير .
لوجه المغرب العظيم ، وتلك هي الحكاية المغربية التي تجعل الأحلام كلها قابلة للتحقيق .
أكدنا للجميع قيمتنا ومكانتنا كدولة كبيرة في عالم كرة القدم قادرة على مواجهة الكبار والتفوق عليهم ، بالضبط كما فعلنا في منازلاتنا الديبلوماسية والعسكرية والأمنية والتنموية .
الخلاصة أن المغرب بتأهله لنصف نهاائي كأس العالم يقول للجميع إن هذا الحلم الذهبي الذي تحقق ما هو إلا نقطة البداية التي سيبحر منها المغرب إلى ما هو أبعد وأفضل وأجمل ...فهو الآن المدافع عن العرب والمسلمين والأفارقة في كأس العالم أمام أعتى منتخبات الكون ، ولا نتخيل إلا أن تكون كذلك في الديبلوماسية والصناعة والاقتصاد والتنمية ، وما ذلك ببعيد عن دولة تؤكد يوما بعد يوم أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم .
بكل الحب " عاش المغرب " .
في مونديال قطر 2022 كانت تبوريشة مغربية أصيلة وأصلية ، ذكرت كل واحد منا وكل واحدة بشيء ما داخله يقول له إنه مغربي ويقول لها أنها مغربي ....
نقولها بالصوت المغربي الواحد ...لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد ، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا ، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وابائنا وأمهاتنا ، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار ، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء الا للمغرب . وهذه لوحدها تكفينا ، اليوم ، وغدا في باقي الأيام ، إلى أن تنتهي كل الأيام ....
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن . والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني ، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ .
منذ قديم القديم نقولها : هذا البلد سيعبر الى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين ، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد الاف المرات ، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء ...
لا نستطيع ان نعدكم بأن المغرب سيتوقف عن تقديم الدروس المجانية وعن اطلاق الصفعات الحضارية نحو أولئك الذين يتخيلون كل مرة واهمين أنهم أكبر من هذا البلد الأمين ومن هذا الشعب الأمين ...
لتطمئن الحملان الصامتة ، سيزداد صمتها مع تطور الأحداث كلها ، وسيرتفع صوت البلد وناسه فقط في كل الأرجاء بالدعاء بالسلامة لهذا البلد وأهله ، فذلك ما يشغل البال ( بال الكل قمة وقاعدة ) في نهاية المطاف.