في مسار انطلق منذ 2014 بتشكّل «فدرالية اليسار» تتويجا للتّحالف المشترك بتنظيم حزبي سياسي جديد للترشح الإنتخابي المشترك آنذاك، ووسط نداءات من أجل الاندماج قبل انتخابات 2021 والتّحول إلى حزب سياسي واحد يلم «يساريّي المغرب»، وقعت رّجة في صف اليسار المغربي، حينما وقعت خلالفات بين نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحّد مع كل من الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي، وتيّار اليسار الوحدوي ومجموعة البديل التقدمي والفعاليات اليسارية المشكلة للإندماج، حيث برّرت ذلك بضرورة توفير إنضاج للشروط، حتى قبيل انتخابات 2021 ، حينها سحبت توقيع تنظيمها السّياسي من التّحالف الحزبي اليساري المشترك، مما أنتج وضعا استثنائية حدا بقيّاديين في المكتب السّياسي للاشتراكي الموحّد لإصدار بيان يحمل توقيع 101 من أعضاء المجلس الوطني لنفس التّنظيم السياسي، ليواجهوا باختيارين اثنين: إما التّشبت بمشروع الفيدرالية أو الإرتكان والسكوت للأمر الواقع، مما أفرز تشكل تيّار «اليسار الوحدوي».
وبعد مخاض ونقاش داخلي وسيّاسي بين التّنظيمات السّياسية المكونة لفدرالية اليسار، وأمام بروز مفهوم «التّيارات» داخل بعض التّنظيمات السّياسية والتّحضير التّعدّدي للمؤتمرات في إطار الإقتراحات السّياسية وحرّية التحضير، سارع يساريو المغرب لكسب الرّهان بمقاربة تعدّد الرؤى والآراء والأفكار والتّصوّرات حتّى يصير المؤتمر الإندماجي صاحب السّيادة والقرار ورهان أفق جديد متجدّد بإعداد حزمة وثائق تنظيميّة تزاوج بين وثيقة «الهوية والخطّ السّياسي» ووثيقة «مشروع النّظام الأساسي لحزب فيدرالية اليسار الدّيمقراطي»، ووثيقة «مشروع ورقة العمل الجماهيري»، ووثيقة «التّصور التّنظيمي» المرتكزات والمبادئ الأساسية»، ووثيقة «المشروع المجتمعي». وهي وثائق تطلبت أكثر من سنة على إنضاجها والتوافق بشأنها حتى المؤتمر الاتفاق على المؤتمر الاندماجي أيام 16 و 17 و18 دجنبر 2022 في بوزنيقة.
أي هوية وخطّ سياسي؟
بحسب أوراق المؤتمر الاندماجي، يتأسس التّصور السّياسي لفيدرالية اليسار الدّيمقراطي على نفس الإطار المرجعي لمكونات فدرالية اليسار بأبعادها التاريخية والأيديولوجية والسّياسية المستمدّة من أدبيات الإشتراكية ورصيد الحركة التّقدمية والمواثيق الدّولية وحقوق الإنسان بأبعادها السّياسية والإقتصادية والإجتماعية والثّقافية.
كما ينبني مشروع الفيدرالية على مفهوم الإنتقال الدّيمقراطي باعتماد نظام ملكيّة برلمانية، مع إحقاق ديمقراطية حقيقيّة تسود فيها الحقوق والحرّيات.
وبين ذلك، تتفاعل ثلاث قضايا وتتداخل، في هوية لتنظيم اليساري الجديد، بين الإيكولوجية العقلانية، والمساواة والعدالة الإجتماعية، والمراقبة الدّيمقراطية الموسّعة، أساسها الإيكولوجية الإشتراكية، كما هو مثبت في وثيقة «الهوية والخطّ السّياسي» المعروضة على المؤتمر الإندماجي.
وتستند في ذلك على كون الجبهة الإجتماعية، التي وفق رؤية التّنظيم السّياسي اليساري الجديد تتشكّل من القوى التّقدمية والدّيمقراطية السّياسية والنّقابية والحقوقية والمدنيّة، هي نوع من المواجهة الجماعية للأزمة الإجتماعية من فقر وبطالة وأعطاب بنيويّة للخدمات الإجتماعية في التّعليم والصّحة وضعف الحياة الإجتماعية وترهّل الأجور..، بغاية وضع حدّ للنّزيف الإجتماعي وحماية المواطنين من القهر والتّسلّط الإجتماعي، قوامها عدالة اجتماعية تحدّ من الفوارق الإجتماعية وتحقّق تنمية اجتماعية متعدّدة الأبعاد».
وعلى المستوى التنظيمي، يرهن الحزب اليساري الجديد، بالتوافق بين مكوناته، على تشكيل المكتب السياسي واللجنة المركزية والأمانة العامة. وهي الأجهزة التي ستقود فيدرالية اليسار الديمقراطي خلال المرحلة الانتقالية، وستسهر على انتخاب هياكله المحلية وقطاعاته الموازية.
أما العلاقة بين الفيدرالية والعمل النّقابي، فتؤسّسها الورقة على مبادئ تتلخّص في «التقدمية» و«الديمقراطية» و«الإستقلالية»، والجماهيرية»، و«الوحدوية»، يتعاطى معها المشروع الحزبي الجديد بما يصفه «الرّزانة والصّرامة وبالعقل البعيد عن الأهواء والرّغبات الذّاتية حتّى لا نعيد تكرار التّاريخ».
وتبقى مسافة الممارسة الحزبية مع التّنظيم اليساري الجديد عنوانها: النقد والنقد الذاتي، والمحاسبة والانضباط، فيما العلاقة بين الهيئة اليسارية والعمل الشبابي والتربوي والتلاميذي والطلابي كخلفية لليسار يجب استثماره بطاقاته وكفاءاته، عبر دعم أنشطته والتواجد في الجمعيات وتأطيرها وتأهيل شبابها لممارسة عمل سيّاسي نبيل وحقيقي، يطمح يساريو المغرب لأن يكون بوّابة جماهيرية.
انتظارات المغاربة ...أسئلة مقلقة وحارقة ملتهبة
كثيرة هي الأسئلة التي يواجهها المشروع الاندماجي اليساري الجديد من قبيل: ما الوصفة التي ستقنع بها التنظيم الجديد المغاربة للالتحاق بهم وإقناعهم بممارسة الفعل السّياسي واستقطاب الفاعل السّياسي؟ كيف سيجيب الحزب الجديد على الأسئلة والقضايا الحارقة والملتهبة التي يواجهها المغاربة صباح مساء؟. ما الخطاب الذي سيقنع المغاربة في يساريي المغرب بعد اندماجهم وزرع بذرة أمل وثقة في الممارسة السّياسية والعمل الحزبيّ؟. وما علاقتهم بباقي الأطراف السياسية الأخرى في البلاد وكيف ستكون ومع من سينسّقون ويتحالفون؟. وما موقع النّساء والشّباب في بنية القرار السّياسي لفيدرالية اليسار الدّيمقراطي؟. وهل سيتم الإكتفاء بكوطا النّساء والشّباب أم سيتمّ منح فرصة جديدة ومتجدّدة لهؤلاء من أجل قيادة يسارية بنفس جديد؟.
هاته الأسئلة وغيرها نقلتها أسبوعية «الوطن الآن» إلى المكونات الثلاث لفيدرالية اليسار الدّيمقراطي قياديين وهيئات شبابيّة ونسائيّة في حوارات هادئة من أجل مقارعة وجهات النّظر في المشروع المجتمعي وتناظره الفكري، والذي جرى إنضاجه عبر محطات نقاش وتداول داخلي من قبل مؤسّسي المشروع الجديد ومحتضنيه ومناصريه.
تفاصيل أوفى تطلعون عليها في العدد من أسبوعية "الوطن الآن"