الأحد 19 مايو 2024
كتاب الرأي

 عبد السلام المساوي: في دوحة الخير..انتصرنا وتخطينا عقدا كثيرة 

 
 
 عبد السلام المساوي: في دوحة الخير..انتصرنا وتخطينا عقدا كثيرة   عبد السلام المساوي
 عندما يمر المنتخب المغربي إلى منتصف نهائي كأس العالم ، نكون قد تخطينا عقدا كثيرة تراكمت لدينا طوال السنين التي كنا نكتفي خلالها بالخروج من الدور الأول في أحسن الحالات التي تأهلنا فيها إلى المنافسات .
إنجازات الفريق الوطني لكرة القدم في الدوحة ليست بالأمر الهين . هي كتابة ، بلغة الرياضة ، لمسار مغربي جديد .
هو مسار الأمل ...
هو مسار الندية والتغلب على عقدة صاحبتنا لعقود ...
هو مسار تجاوز النقص الذي لازمنا من انكسارات وخيبات متتالية ...
ما جرى في مونديال قطر هو في الواقع هو شيء يتجاوز حدود خيالنا المتخم بجراح الهزائم ...
لقد انتصر لاعبونا في لعبة خلقت للمتعة أولا ...لكنه انتصار أفرح قبائل وشعوبا في أقطار من العالم ، وأخرجهم للاحتفال بالشوارع العامة ، في مجموعة من الربوع ...
نعم المغرب صنع التاريخ ووحد القلوب والشعوب خلف حلم الوصول إلى نهائي المونديال ، نعم المغرب الأقصى،  كما يحلو لإخواننا المشارقة نعت بلدنا ، صنع المجد الكروي وتأهل للنصف النهائي ومنح الأمل لكل العرب والأفارقة بأن المستحيل ليس مغربيا ، لذلك اجتاحت أمواج من الفرح الغامر ودفء المشاعر كل بقاع العالم من دوحة الخير إلى كل مناطق المغرب والشرق الأوسط وإفريقيا وأي دولة يقيم بها مغربي إلا ملأها فرحة بالانتصار والاعتزاز بوطنه وانتمائه .
نعم الحلم الذهبي للمغاربة تحقق بفضل عطاء ودعم لامشروط من جلالة الملك ثم بعزيمة وإصرار وإخلاص من المدرب واللاعبين والجامعة الملكية وأيضا الجمهور الرائع وكافة أبناء الشعب المغربي بالداخل والخارج ، لذلك من حقنا أن نفتخر بما حققه منتخب المغرب الذي أصبح أول دولة عربية وإفريقية تتأهل لنهائي العالم .
لا أحد يصدق أن منتخبنا سيقوم بهذه الملحمة الكروية الاستثنائية ، لكن المستحيل ليس مغربيا ...لقد ظهر أن هذا الحلم لا يخص فقط المغاربة لوحدهم ، بل كل شعوب العالم العربي والإسلامي والقارة الإفريقية التي تمثلها ، ومن هذا المنطلق ، أصبح المغرب مفخرة لعشرات من الشعوب ، لكن أكثر ما نفخر به هو قوة الإرادة والصمود والوطنية الصادقة .
هو انتصار للأمل ...انتصار يقول للعالم : نعم هناك الإنسان في كل مكان لا وجود حقيقي لأي تمييز سوى في السياسة اللعينة ...
هل صدم انتصارنا الغرب ؟.. أكيد .لأن عقدة النقص التي زرعها فينا هذا الغرب منذ عقود ، وقبلناها غصبا أو سذاجة أو قهرا ، توازيها بارانويا مقيتة معشعشة في أذهان الغرب الاستعماري .
نحن رسميا أول منتخب إفريقي وعربي وإسلامي وأمازيغي يصل إلى هذا النصف النهائي...
هو فخر صنعه فريق من أبناء هذا الوطن ، عرفوا كيف يشرحوا لنا بأن العمل الجماعي بانضباط كبير وبحب عميق للوطن سر النجاح وأن لا معجزة في الأمر وإنما هو عمل وتفان وحب وابتعاد ونبذ لكل أنانية وحب الذات ومصلحة شخصية ضيقة .
سيحفظ التاريخ عن ظهر قلب  اسم هذا البلد ، واسم شعبه ، ستقول كتبه بافتخار " في بلاد محمد السادس ، في بلاد الجبال الأطلسية لا يخشى أبناء تلك الأرض إلا الله . يؤمنون بأنفسهم وبوطنهم وبقدرتهم على جعل الحلم المغربي حقيقة تتبارى الدنيا كلها في التنويه بها ، في مدحها ، في نظم جميل القصائد وأحلى الكلمات عنها وحولها " .
هذه صرختنا أننا فخورون بهذا النسب المغربي الشريف .
هذا اعلاننا للعالم كله أن على هاته الأرض المباركة أشياء كثيرة تستحق الانتباه .
هذه أوراق اعتمادنا المغربية ، نحن الذين ظللنا كل هاته السنوات والعقود ، نقول للكل " رغم كل شيء وبسبب كل شيء ، لن يتزحزح إيماننا ببلادنا وبقدرة أبناء بلادنا على إبهار الجميع " .
نحن الآن في مرحلة البوح الصادق بالأشياء كلها ، وفي مقدمتها ، وعلى رأسها الاعتراف مجددا أن المغرب يعني لنا كل شيء ، وأننا نحبه لوجهه ، لوجه المغرب العظيم. 
فقط ، لا غير .
لوجه المغرب العظيم ، وتلك هي الحكاية المغربية التي تجعل الأحلام كلها قابلة للتحقيق .
أكدنا للجميع قيمتنا ومكانتنا كدولة كبيرة في عالم كرة القدم قادرة على مواجهة الكبار والتفوق عليهم ، بالضبط كما فعلنا في منازلاتنا الديبلوماسية والعسكرية والأمنية والتنموية .
الخلاصة أن المغرب بتأهله لنصف نهاائي كأس العالم يقول للجميع إن هذا الحلم الذهبي الذي تحقق ما هو إلا نقطة البداية التي سيبحر منها المغرب إلى ما هو أبعد وأفضل وأجمل ...فهو الآن المدافع عن العرب والمسلمين والأفارقة في  كأس العالم أمام أعتى منتخبات الكون ، ولا نتخيل إلا أن تكون كذلك في الديبلوماسية والصناعة والاقتصاد والتنمية ، وما ذلك ببعيد عن دولة تؤكد يوما بعد يوم أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم .
بكل الحب " عاش المغرب " .