الجمعة 19 إبريل 2024
رياضة

وليد الركراكي.. صانع "عائلة" ومبتكر لغة "زئير الأسود" في قطر

وليد الركراكي.. صانع "عائلة" ومبتكر لغة "زئير الأسود" في قطر المدرب وليد الركراكي
عقب كل لقاء للمنتخب المغربي في مونديال قطر، لا يفتح المدرب وليد الركراكي فمه إلا ليقول: "نحن عائلة واحدة، معي أبناء ناس، ذوو التربية الحسنة، يقاتلون حتى آخر نفس من أجل رفع راية بلدهم". لا يقول ذلك بغموض كبير، بل ليؤكد، أمام الجميع، أن "العائلة" هي مفتاح "الأداء الباهر" الذي قدمه أسود الأطلس على أرضية الملعب. السر هو المزاج، وليس "براعة القدم" فقط.

لقد استطاع وليد الركراكي، إلى جانب تكتيكاته الناجحة، خلال كل مباراة أجراها حتى الآن في المونديال، أن يبني للفريق خندقا سيكولوجيا متينا بعتاد وطني فائق السمك وغير قابل للاختراق، مما يعني، حسب المراقبين، أنه لم يكتف بلعب دور "المدرب التقني"، بل تجاوز ذلك إلى دور "الكوتش" الذي بوسعه أن يهب اللاعبين المغاربة قوة أخرى تمكنهم من مواجهة أقوى المنتخبات، بل الإطاحة بها بجهد خارق، وهو ما فعله مع بلجيكا وكندا، فضلا عن كرواتيا التي فوجئت بمنتخب مغربي "منظم وماكر"، و"لا يرتكب أي خطأ إملائي"، ما دام وراءه كوتش يقطب وجهه في وجه الخسارة، ولا يهز كتفيه في وجه كل تهديد.

ازداد وليد الركراكي في 23 شتنبر 1975 لأسرة تنحدر من مدينة الفنيدق، بالضاحية الباريسية كورباي إيسون الواقعة على نهر السين. ترعرع وداعب الكرة  في حي مونتكونساي، فلعب لفريق "كورباي إيسون" لموسمين، تحت قيادة المدرب الفرنسي المخضرم "رودي غارسيا" الذي يعود له الفضل في اكتشافه بالصدفة حينما كان يدرب الفريق الأول. بعدها التحق، كمدافع صلب، بفريق من الدرجة الثالثة "راسينغ كلوب دو فرانس" (راسينغ باريس) سنة 1999. ثم التحق، بعد اشتداد عوده، بأندية احترافية لعب في صفوفها، مثل تولوز، وكان عمره لا يتجاوز 23 سنة، وهي المرحلة التي سينادي عليه المدرب البرتغالي أومبرتو كويلهو لتعزيز المنتخب المغربي سنة 2000. غير أن تخلي نادي تولوز عنه بسبب مشاكل ضريبية جعله يغيب عن المنتخب في كأس أفريقيا للأمم سنة 2002. بعدها التحق بنادي "أجاكسيو" ( الدرجة الثانية)، حيث تعاقد معه في نهاية عام 2001، وهو الموسم الذي انتهى بصعود الفريق إلى الدرجة الأولى من الدوري الفرنسي، مما جعله يعود إلى المنتخب الوطني تحت قيادة المدرب بادو الزاكي، ومن ثم التمكن من التأهل إلى نهائيات كأس أفريقيا للأمم بتونس سنة 2004.
 
وكان الركراكي، في تلك المنافسة القارية التي أدى فيها مباريات رائعة، يجسد المعنى الحقيقي والكامل لمصطلح "لاعب الممر" القادر على صد مهاجمي الفريق المنافس وإعادة بناء الهجمات أو التجاوز أو التمركز.

وبعد التحاقه بصفوف الفريق الإسباني "راسينغ سانتاندير" الذي أمضى معه  ثلاث سنوات (من 2004 إلى 2007)، طاردته لعنة الإصابات إلى أن تخلى عن مسيرته الاحترافية في لعب كرة القدم، قبل أن يشرع في البحث عن أفق آخر قي التدريب واجتياز الاختبارات للحصول على الشهادات والديبلومات، إلى أن أصبح في شتنبر 2012 مساعدا للمدرب رشيد الطاوسي الذي عمل على ضمه إلى فريقه الفني حينما كان مدربا لأسود الأطلس. وبعد تلك التجربة، تولى  تدريب فريق الفتح الرباطي من 2014 إلى 2019، حيث فاز معه بلقب كأس العرش سنة 2014، وبطولة الدوري الاحترافي سنة 2016، فضلا عن لقب أفضل مدرب في السنة  نفسها.
 
وأمام هذا النجاح، انتقل إلى الدوري القطري لتدريب فريق الدحيل ( 2020)، وفاز معه بلقب بطولة الدوري، فبل أن يعود إلى المغرب ليتولى قيادة فريق الوداد في غشت 2021، وهي السنة التي فاز فيها الوداد بلقب عصبة الأبطال الأفريقية حينما انتصر في المباراة النهائية على فريق الأهلي المصري بهدفين نظيفين، ثم لقب بطولة الدوري الاحترافي، ولعب نهائي كأس العرش الذي خسره حينما انهزم بضربات الترجيح ضد فريق نهضة بركان. أما الركراكي، ففاز بجائزة أحسن مدرب في البطولة المغربية سنة 2022، كما كان مرشحا للفوز بجائزة أحسن مدرب في القارة السمراء التي تمنحها "كاف" (CAF)، مما قاده عن جدارة إلى أن يتسلم قيادة المنتخب الوطني بإجماع المراقبين.

لقد استطاع وليد الركراكي، الذي يتحدث 4 لغات بطلاقة ( الفرنسية والعربية والإنجليزية والإسبانية)، أن يبتكر لغة أخرى داخل غرفة الملابس (زئير الأسود). مما جعل منه رجل تواصل يتحكم في زمام لاعبيه، ويقودهم إلى انتصارات جعلتهم "مفخرة العرب" من المحيط إلى الخليج. إنه ليس مدربا فقط، بل معلما ومرشدا يحسن التحدث مع ذهنية اللاعبين، أخا وصديقا وصانع عائلة.