الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

نحن والأجانب الذين اختاروا الاستقرار بالمغرب

نحن والأجانب الذين اختاروا الاستقرار بالمغرب عبد الرحيم أريري
إذا كان اختيار الأجانب الاستقرار ببلد معين أو بمدينة محددة، يعد أحد المؤشرات التي يعتمد عليها في تصنيف جاذبية البلد والمدينة، فإن واقع الحال بالمغرب يبرز أننا ما زلنا بعيدين عن التحول إلى قطب جذب للأجانب للعيش بين ظهرانينا.
 
فحسب آخر أرقام المندوبية السامية للتخطيط، هناك بالكاد 80.206 أجنبي اختار الاستقرار بالمغرب (منهم حوالي 20.000 جزائري وجزائرية)، أي بنسبة جد ضعيفة لا تتجاوز 0،25 في المائة من مجموع سكان المغرب.في الوقت الذي نجد نسبة الأجانب تتراوح بين 8 و20 في المائة في دول أوربا الغربية. إذ تصل نسبة الأجانب بإيطاليا إلى 8،4 في المائة من مجموع السكان، وفي فرنسا (10،3%)، وفي بريطانيا (13%)، وفي السويد (19%)، وفي ألمانيا(20%) ).
 
أما إذا فككنا منظومة استقرار الأجانب حسب الجهات، فسنجد أن جهتي الرباط والبيضاء تستحوذان على51.451 أجنبي بالمغرب، أي ما يمثل الثلثين تقريبا (تحديدا 59%)، فيما تتقاسم الجهات الأخرى باقي العدد بنسب خجولة.
 
وإذا أسقطنا الرباط(تضم الجهة 20.212 أجنبي)، بحكم أنها تأوي حوالي 90 سفارة زائد مقر منظمات دولية وعربية بشكل يفسر تواجد عدد لا بأس به من الأجانب بالجهة، نجد أن جهة الدارالبيضاء وحدها تستقطب حصة الأسد من الأجانب برقم 31.239 فردا(أي مايعادل 0,45% من سكان الجهة). ومع ذلك ينبغي قراءة انتشار الأجانب بجهة البيضاء حسب المدن التابعة لتراب الجهة.
 
فبلدية البيضاء تحتكر الجزء الأكبر ب24.377 أجنبي( أي بنسبة 77% من مجموع الأجانب بالجهة و28% من الأجانب ببلادنا)، وهو عدد ضئيل جدا، لا يرقى إلى عتبة تسمح بإدخال الدار البيضاء في رادار المدن الجذابة للأجانب للعيش فيها، وبالتالي السماح بتلاقح الثقافات والأعراف والعادات، لأن الأجانب لا يمثلون سوى 0،7 في المائة من سكان مدينة الدارالبيضاء. في الوقت الذي يشكل فيه الأجانب 40 في المائة من سكان مدينة جنيف و20 في المائة من سكان بلدية باريز و15 في المائة من سكان مدينة ميلانو و10 في المائة من سكان لشبونة وأمستردام و2,5 في المائة من سكان مدينة براغ التشيكية.
 
أما الأسطورة الرائجة من كون مراكش وأكادير وطنجة تعد مدنا تستهوي نخبة العالم ويتسابق الأجانب للعيش فيها، فإن الأرقام تبرز أن جهة مراكش ككل لا تضم سوى 8636 أجنبيا اختار الاستقرار بإحدى مدن الجهة(مراكش أو الحوز أو شيشاوة، إلخ...). نفس الشئء يصدق على جهة سوس التي لا تأوي سوى 4914 أجنبيا موزعين على مدن أكادير وتارودنات وشتوكة وتيزنيت وإنزكان. أما طنجة (التي كانت عاصمة دولية الى عهد قريب)، فلم يختر الاستقرار بجهتها سوى 7453 أجنبيا منتشرين في مدن: طنجة وأصيلا والعرائش وتطوان والمضيق وشفشاون.
 
إنها أرقام تكشف أن مدن المغرب مازالت أمامها أشواط طويلة لتتحول من حوض طارد للسكان إلى حوض يجذب الناس من كل الأصقاع. لكن "طويلة " لا تعني مستحيلة، بدليل أن مدينة دبلن بإيرلندا أو براغ في التشيك أو لشبونة في البرتغال، تحولت في رمشة عين من مدن تلفظ أهاليها إلى مدن عالمية تتلاقح فيها أزيد من 80 جنسية داخل مجال ترابي واحد يغني المدينة ويغني قاطنيها.