الجمعة 19 إبريل 2024
اقتصاد

في ظل غلاء الأسعار.. الجامعية العلوي تفكّك مقاربة من أجل "تركيز الربح وتقسيم الخسائر"

في ظل غلاء الأسعار.. الجامعية العلوي تفكّك مقاربة من أجل "تركيز الربح وتقسيم الخسائر" عائشة العلوي
قالت عائشة العلوي، وهي أستاذة جامعية في الاقتصاد، إنه "ربما اقتصاديا يمكن فهم ارتفاع الأسعار، حيث تعتبر كوسيلة إضعاف الاستهلاك، وبالتالي التقليل من واردات السلع والمواد الأساسية للتصنيع خاصة لدولة لا تتوفر على احتياطات ضخمة من العملة الصعبة أو مصادر الطاقة، وهذا كان سبب مباشر للأزمة  الحالية بين أوكرانيا وروسيا أو بين قطبين عالميين أمريكا وحلفائها وروسيا والصين وحلفائهما".
 وأوضحت الباحثة الجامعية العلوي، في تصريح لموقع "أنفاس بريس" أنه " لا يمكن فهم سلوك المسؤولين/ات عن تسيير الشأن العمومي بالمغرب تجاه المواطنين والمواطنات حيث تنعدم القدرة والإرادة السياسية لتخفيف آثار التضخم والركود الاقتصادي؛ بل يعمق فقدان الثقة بين المواطن(ة) والفاعل(ة) السياسي(ة) عندما لا يقدم هذا الأخير على فتح نقاش عمومي صريح وجريء ليشرح صعوبات المرحلة ويقدم سياسات مواكبة حقيقية وفعالية لتخفيف آثار الأزمة.".
 ونبّهت الخبيرة في الاقتصاد العلوي، على أن "غضب المواطن(ة) من عدم مسايرة  انخفاض الأسعار المحلية لانخفاض الأسعار الدولية للمواد الأولية، يجعله يفقد الامل في المسؤولين/ات ويعمق  من فقدان الثقة اتجاه الفاعل السياسي والمسؤول الحكومي. ليؤمن المواطن(ة) أنه أمام "دراكولات" اقتصادية لا يهمهم سوى التهام قوته اليومي … هذا السلوك السياسي لا يتناسب مع شعار الدولة الاجتماعية، إنه يتناسب فقط مع مفهوم المقاولة الخاصة ومنطق الأسواق. لا يمكن حتى اعتبار التسيير الحالي أنه يتناسب مع سلوك المقاولة المواطنة التي تراعي المسؤولية الاجتماعية والبيئية، إنه سلوك بعيد عن منطق الغيرة الوطنية وتقسيم الاهتمام والهموم المشتركة. وهذا ما عبر عنه قانون المالية ل2023، حيث منحت امتيازات لأصدقائهم وضيقت الخناق على باقي الفئات. فعن أي دولة اجتماعية يبحثون وينشدون؟ أليس هدف الدولة الاجتماعية هو تقوية الاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمواطن(ة) ؟ أليس هدف الدولة الاجتماعية هو تقليص الفوارق الطبقية وتوسيع قاعدة المانحين، وليس قاعدة العاجزين والاخذين! ليس هدف الدولة الاجتماعية خلق صناديق لمساعدة الفقراء المفقرين، بل الهدف هو توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتقليص الفوارق الاجتماعية، أليست اليد العليا خير من اليد السفلى…".
 وشدّدت العلوي على أننا "نعيش فترة التحول إلى نظام دولي جديد، حيث يترجم صراعا ليس بين الدول، ولكن صراعا بين 1٪ ممن يملكون خيرات وثروات العالم الذين لا لون ولا وطن لهم، لا يتحدثون إلا بلغة السلطة المالية والتحكم في كل دواليب القرار من أجل تقليص النفقات ومضاعفة الأرباح، انه نظام يبحث عن التنمية المستدامة للرأسمال. لذا لا بد من السيطرة على الدولة".
 ومن مظاهر "انطلاق عملية السيطرة على الدولة"، تشرح الجامعية العلوي، أنها تمت "منذ أمد بعيد، أي تقريبا منذ اندلاع الثورة الصناعية، فكان مع كل أزمة رغبة قوية لإضعاف الدولة،  فكانت الضربة القوية هي بعد انهيار جدار برلين، لتتحول الدولة الحامية أو الراعية لكل المواطنين والمواطنات إلى دولة حاملة لمشاريع الخواص. لقد انتشرت التقارير العالمية والوطنية لتؤكد أن سبب ضعف النمو الاقتصادي هو عدم قدرة الدولة  على الإنتاج بالكفاءات والقدرات المطلوبة، فهي غير قادرة على احترام معادلة الإنتاج بأقل التكاليف… ".
 وشارت إلى أنه "أحبكت خطة السيطرة، وانطلقت مشاريع الخصخصة من قطاعات صغيرة إلى قطاعات استراتيجية وسيادية تشكل النواة لوجود الدولة. فاختلط بعدها المال بالسياسة، وسيطر تدريجيا الاقتصاد الليبرالي على الدولة الراعية … وقد أصبحت المصلحة الخاصة تسيطر محليا وإقليميا ودوليا… وتحولت المنظمات والهيئات المستقلة إلى تابعة لفئة تسيطر على كل شعوب العالم. فتحولت أهداف التنمية المستدامة الى مشاريع ضخمة تخدم مصالحها… المنطق الليبرالي سيطر على مكونات الدولة وأسسها، وتحكم حتى فيمن يمكنهم توجيه الدولة وتعديل اعوجاجها، اي المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات وغيرها".
 وأكدت على أنه "يجب وضع الكل في الإطار، ولا يجب التغريد خارج السرب؛ وعكس ذلك، خنق عمل المجتمع المدني وغيرهم بمنعهم من ابسط حق هو الحق في الحصول على وصل إيداع، وبالتالي منعهم من الاستفادة من الدعم المالي العمومي…".
 واعتبرت الباحثة الجامعية في الاقتصاد العلوي أنه "تبقى الأزمات طبيعة بنيوية لهذا النظام الاقتصادي. فمن يحل أزمات القطاع الخاص؟ إنها الدولة نفسها، بمؤسساتها وبأموال دافعي الضرائب. تهرأ الدولة إليه وتسانده بكل قوتها. المقاول او البنكي الذي يؤمن بالخسارة والمخاطر، لا يريد دفع ثمن جشعه وطمعه، إنها شعارات جوفاء كتلك المتعلقة بحرية التنافس وجودة الخدمات المتناسبة مع الاسعار … أمثلة عديدة يمكن أن نستحضرها من التاريخ الاقتصادي لعل أبرزها الأزمة المالية ل2008/2007 ، عندما أقدمت الدولة على إنقاذ المنظومة المالية الخصوصية من أموال دافعي الضرائب، لماذا لم تقم الدولة بتأميم القطاع المصرفي  ما دام غير قادر على الحكامة الرشيدة ليحكم عليه بنفس منطقه؟ لماذا لم تسارع الدولة لإنقاذ الشركات ولم تعلن بالتالي عن إفلاسها؟".
 ونبهت إلى أنه "مهما كانت طبيعة الأزمات، نفس المنطق يسود. علينا نحن أن ندفع من قوتنا اليومي طمع وشجع اللوبيات الاقتصادية أو المافيات الاقتصادية، لا يهمهم لا وطن ولا شعب، ما يهمهم سوى ملء أرصدتهم البنكية واحتلال مواقع القرار لأنها السبيل لتحويل كل القطاعات الى مقاطعات / شركات تابعة لهم. عن أي دولة اجتماعية يتحدثون، إذا كان ما يقومون به يستهدف تخريب الدولة ليتم خوصصة كل القطاعات بما فيها -في المستقبل القريب- العسكر والشرطة... 
 وخلصت العلوي إلى أن الوضع اليوم "أسعار تلتهب، وميزانية مالية تخنق الشركات الصغرى والمتوسطة .. لا أحد عليه أن ينافس الكبار. إنها دائرة مغلقة وستغلق مع هذه الحكومة على حفنة  من  البشر، همهم الوحيد التنمية المستدامة لأموالهم ورساميلهم… ألم يكن من المنطقي فرض ضرائب استثنائية على الشركات التي استفادت من صندوق المقاصة لسنين من الزمن؟ ألم يكن من المفروض فرض ضرائب إضافية على الشركات التي جنت أرباح ضخمة  من الاتفاقيات الاقتصادية الدولية واتفاقيات التبادل الحر… ألا يمكن لهذه الضرائب المشروعة والعادلة أن تكون سبيلا لتمويل مشاريع اجتماعية واقتصادية لتحسين ظروف عيش المواطن(ة)، هل من المفروض وضع صناديق لدعم الفقراء لمواجهة غلاء الأسعار، أليس من المفروض تحمل المسؤولية بكل نزاهة وشفافية، ونكون أكثر جرأة وصراحة أمام الوطن والشعب... أليس منطق توزيع الدعم المباشر على أصحاب شركات النقل يبين بجلاء سيادة المنطق التفضيلي والرضائي في تسيير البلاد… 
يجب تغيير النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي تنص على أن قوة الدولة  تستمد من حجم الأموال / الذهب، بقول أن قوة اللوبي الاقتصادي يستمد من المال وإخضاع الدولة… فلا عجب. إذن عندما نسمع خطابات بعض المسؤولين /ات تتغير وتتناقض لأن منطق المال هو المتحكم...
 وبحسب الباحثة الجامعية، فإن "مهما كانت أهداف البرامج الاجتماعية فإنها تتحول بقوة منطق المال الى أهداف خاصة لأن لا أحد من المستفيدين/ات يريد أن يضع حدا لاقتصاد الريع ولاقتصاد الاحتكار… لا أحد من المستفيدين/ات يريد قوانين ضد الفساد والإثراء غير المشروع …  لا أحد يريد دولة قوية وسيادية… ".
 
عائشة العلوي/ رئيسة "مركز ديهيا لحقوق الإنسان والديموقراطية والتنمية"الرباط -المغرب وفاعلة مدنية رئيسة فريق البحث "الاقتصاد التضامني والعدالة الاجتماعية"