الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

الرّاخا: هناك غياب للإرادة السّياسية لدى الفاعل السّياسي المغربي واستهتاره بالّدستور والقانون لتفعيل الأمازيغية

الرّاخا: هناك غياب للإرادة السّياسية لدى الفاعل السّياسي المغربي واستهتاره بالّدستور والقانون لتفعيل الأمازيغية رشيد الرّاخا
يشرح رشيد الرّاخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، مآلات تنزيل  القانون التنظيمي 16.26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في التعليم وفي الحياة العامة وما يعتريها من أعطاب لا ترقى إلى مستوى الانتظارات والطموحات، مشددا على أن حزب العدالة والتنمية هو من فرمل هذا الملف طيلة سنوات من تدبيره الحكومي".
 وأوضح الرّاخا، في حوار مع موقع "
أنفاس بريس"، أننا "نعمل اليوم  جاهدين لإنجاح ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتنزيله في واقع التعليم والصحة والعدل والإعلام والحياة العامة وغيرهاّ، نتمنى أن تكون الحكومة الحالية في مستوى التطلعات وأن تكذّب كل من يشكّك في صدق نواياها وسياساتها ورغبتها في إعطاء الأمازيغية المكانة التي تستحقها".
 
ما تقييمك لما وصل إليه تنزيل القانون التنظيمي 16.26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في التعليم وفي الحياة العامة؟
تفعيل مضامين الوثيقة الدستورية خصوصا الفصل الخامس منها الذي يقرّ برسمية اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، شهد تأخراً وهدراً للزمن السياسي والتشريعي لما يربو عن عشر سنوات. عقدان تقريبا من الزمن ونحن نترافع ونراسل ونحتج ونطالب بتفعيل أسمى قانون في الدولة، إلا أننا اصطدمنا بتيار سياسي وإيديولوجي معروف بعدائه التاريخي للقضية الأمازيغية، هذا التيار الذي يطلق عليه “تيار الإسلام السياسي” الذي يقوده حزب “العدالة والتنمية” يعمل وبجهد شاقّ ومُضْنٍ ومتواصل، على تعطيل ورش الأمازيغية ومحاربتها بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة قصد منعها من ممارسة وظيفتها الدستورية والقانونية. هذا الاصطدام جعلنا ننتظر لقرابة العشر سنوات لإصدار القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في مناحي الحياة العامة ذات الأولوية، وطبعاً هنا لا نبرئ باقي الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومتين، ولا حتى أحزاب المعارضة التي لم تتقدم بمقترحات ولم تضغط على الحكومتين لإخراج قانون الأمازيغية.
كفاعلين وفعاليات مدنية أمازيغية لم نقف مكتوفي الأيدي إزاء هذا الخرق السافر للمقتضيات الدستورية، إنما قمنا بالترافع وطنيا ودوليا ولدى المنظمات الدولية ذات الصلة بالأمم المتحدة، كلجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولجنة القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، علاوة على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وبالفعل نجحنا في ذلك؛ إذ طالبت المقررة الأممية المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري “إي تينداي أشيومي” التي زارت المغرب سنة 2019 بدعوة من الحكومة المغربية، بالإسراع في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، المنتظَر منذ ثماني سنوات، واتخاذ إجراءات حازمة مؤقتة واستثنائية لمعالجة الاختلالات التي تؤدي للتمييز ضد الأمازيغ والأمازيغية. وبعد انتظار طويل أفرج رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني على القانون التنظيمي في أواخر سنة 2019، الذي صدر بالجريدة الرسمية تحت ظهير شريف رقم 121-19-1 صادر في 12 شتنبر 2019، يوصي بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، عبر مراحل (5 سنوات/ 10 سنوات /15 سنة)، إلا أنه بقي إلى حدود اليوم، أي بعد ثلاث سنوات وهو ما يزال حبرا على ورق ولم تفعل فصوله ولا بنوده إلى حدود كتابة هذه الأسطر، خصوصا المادة 32 التي تقول بصريح العبارة “تقوم القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيآت الدستورية بوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية، في الميادين التي تخصها، وذلك داخل أجل لا يتعدى ستة أشهر ابتداء من تاريخ نشر هذا القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية”.
وداخل أجل لا يتعدى ستة أشهر ونحن على أبواب ثلاث سنوات، لم نر أيّا من المؤسسات والهيئات المذكورة والمعنية تقوم بوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية!. وهذا يدفعنا للقول بأن هناك غيابا للإرادة السياسية لدى الفاعل السياسي المغربي واستهتاره بالدستور والقانون، وهو ما يفقد ثقة المغاربة بصفة عامة في المؤسسات.
 
في أول لقاء رسمي جمع رئيس الحكومة عزيز أخنوش وفعاليات أمازيغية. ما مخرجاته؟
بالفعل حضر التجمع العالمي الأمازيغي ممثلا في رئيسه الشرفي الدكتور ميمون الشرقي، إلى جانب الفعاليات الأمازيغية التي شاركت في اللقاء بدعوة من رئيس الحكومة، وقدمنا مقترحاتنا وتوجهاتنا وعبّرنا عن توجّسنا وتخوفنا من بطء تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذا ما تعيشه من التراجعات الخطيرة والمخيفة خصوصا على مستوى التعليم.
وفي هذا الصدد راسلنا وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي وكشفنا له بالمعطيات والأرقام هذا التراجع المخيف، وقد أكد رئيس الحكومة بأن هناك لقاءا قريبا سيجمعه بالوزير لبسط هذه الإكراهات والتّراجعات للعمل على تدارك هذا الأمر. كما عبر عن رغبته في استمرار اللقاءات مع مختلف القطاعات الحكومية المعنية من جهة، ومع الفعاليات الأمازيغية من جهة أخرى لإيجاد حلول والسير نحو أجرأة تفعيل الطابع الرّسمي للأمازيغية.
 
خلال لقاء ممثلكم مع عزيز أخنوش رئيس الحكومة، كان هناك تأكيد على بلورة برنامج أولويات بتعاون بين الفعاليات الأمازيغية والحكومة. ما هي هاته  الأولويات؟ وماذا عن آليات الانجاح والتنزيل؟.
أولى الأولويات هو قطاع التعليم بمختلف مستوياته، خصوصا التعليم الأولي والإبتدائي، إذ لا يمكن أن ننجح في تفعيل ورش الأمازيغية دون إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية وفق منطوق القانون التنظيمي للأمازيغية، خصوصا الموادّ 4 و 6 و 7 التي تحث على اتخاذ التدابير الكفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص، وتدريس اللّغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية، في جميع مستويات التعليم الأولي والإبتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي والتكوين المهني. كما يتعيّن أن يتم تعميمها بنفس الكيفية في مستويات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، وإحداث مسالك تكوينية ووحدات للبحث المتخصص في اللّغة والثقافة الأمازيغيتين بمؤسسات التعليم العالي، وكذا اعتماد اللغة الأمازيغية في معاهد تكوين الموارد البشرية لفائدة الإدارات العمومية، إلى جانب إدماج اللغة الأمازيغية في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية، وغيرها من الفصول والبنود الأخرى؛ طبعاً دون أن ننسى مختلف مجالات الحياة العامة الأخرى ذات الأهمية بمكان، خصوصا استعمال الأمازيغية بالإدارات وسائر المرافق العمومية وفق المادة 21 والمادة 22 من القانون التنظيمي.
ومن أجل إنجاح آليات التنزيل، نحتاج بالإضافة إلى الموارد المالية المعلن عنها في “صندوق الأمازيغية” إلى موارد بشرية وأكثر من هذا إلى إرادة سياسية حقيقية للنهوض بهذا الورش.
 
تبنت الحكومة اعتماد الأمازيغية لغة للّتقاضي في المحاكم. كيف تقرؤون هذا القرار؟
تقصد “الترجمة”. هي مبادرة مهمة وضرورية خصوصا لمن لا يفهم غير اللغة الأمازيغية ويعاني في أبواب المحاكم المغربية، لكنها لا تزال مبادرة خجولة ولم تصل بعد إلى مستوى الجديّة المطلوبة في التعامل مع الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة. فالمطلوب تفعيل مقتضيات القانون بما يسمح للمواطن والمواطنة الناطقة بالأمازيغية بالتّرافع بلغته والتّقاضي بلغته الأم بينه وبين قاضي ومحامي ناطقين بالأمازيغية؛ ولا يكفي الاعتماد على “الترجمة” فقط لفك شفرة التواصل بين الأطراف المعنية.
 
يرى مراقبون أن ورش الأمازيغية يثير صراعات وتلاسن وأخذ ورد وشد وجذب وجدل دائم بين الفاعلين والنشطاء الأمازيغ رغم أن الملف واحد. لمصلحة من هذا الصراع ولماذا؟
الحركة الأمازيغية حركة ديمقراطية فكرية ونقدية، لا تختزل الدّيمقراطية في مفهومها النظري، إنما في ممارستها اليومية ومواقفها وقناعاتها الفكرية. قوّتها في تعدّد مواقفها وتصوراتها وإن اختلفت الطرق والإستراتيجيات والأولويات فهي تتفق على الغايات الكبرى. فهي تلتئم حول الأهم وهو خدمة القضية الأمازيغية كل من موقعه ومكانه.
وكما يعرف الجميع، فالحركة الأمازيغية تضم الأرخبيل من الجمعيات والإطارات والفعاليات والأشخاص، وكل يعبر عن مواقفه بكل حرية وبكل جرأة ولا أحد يملك حقّ الوصاية أو الحجر على مواقف الآخر، وما وصفته “بشدّ  وجذب وأخذ وردّ وجدل دائم”، هو أمر صحي ومهم وضروري ولابدّ منه لاستمرار النضال الأمازيغي والتّرافع على تحقيق المكتسبات والرهانات لصالح القضية وسبل تطويرها وتطورها. ومن يحاول أن يفرض نفسه ممثلا وحيدا وناطقاً رسمياً، أو يوزع صكوك النضال والقناعات والمواقف على الآخرين  وينقط المناضلين صباح/مساء في مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها؛ فلا أعتقد بأنه فعلا يخدم الأمازيغية بأي شكل من الأشكال، إنما قد ينفذ أجندة معينة بنية أو بغيرها  لغاية قد يعرفها مسبقاً.
 
هذا يجرنا للسؤال عن كيفية جبر ضرر هذا الصراع والتشتت المتعدد الأوجه من أجل ورش واحد وهدف واحد والنظر لمستقبل من أجل  تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتنزيله في واقع التعليم والصحة والعدل والإعلام والحياة العامة وغيره؟
كما قلت لك، الفعاليات الأمازيغية عديدة ومتعددة وتضم مشارب مختلفة، من الرّاديكالي إلى الإصلاحي ومن المؤمن بالعمل من داخل المؤسسات إلى المقتنع بعدم جدوى المشاركة والممارسة من داخل النّسق القائم. قوتها في هذا التّعدد والتّنوع.
اليوم نعمل جاهدين لإنجاح ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتنزيله في واقع التعليم والصحة والعدل والإعلام والحياة العامة وغيرهاّ، ونتمنى أن تكون الحكومة الحالية في مستوى التطلعات وأن تكذّب كل من يشكّك في صدق نواياها وسياساتها ورغبتها في إعطاء الأمازيغية المكانة التي تستحقها.