الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس بنان: هذه قراءتي للخطاب الملكي أمام البرلمان حول الإجهاد المائي

يونس بنان: هذه قراءتي للخطاب الملكي أمام البرلمان حول الإجهاد المائي يونس بنان
 الخطاب الملكي لافتتاح الدورة التشريعية ، جاء لينبه إلى الإجهاد الذي تعرفه الموارد المائية الوطنية، والذي بلغ درجة الأزمة، ليس بالمغرب فقط، بل حتى في غالبية الدول الأوربية والتي أضحت تعاني من خصاص مائي غير مسبوق هو الأسوأ منذ 500 سنة، وفق ما أعلن مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية.
في نفس الوقت أعلنت العديد من الدول الأوربية عن أرقام مهولة تخص احتياطاتها المائية ومنها الجارة الشمالية إسبانيا التي أصبح مخزونها من المياه 40% فقط، وهو أدنى مستوى له بالتاريخ.
لقد حافظ المغرب على أمنه المائي منذ عقود، وذلك لتوفره على عدة خصائص منها المرتبط بجغرافيته الطبيعية ومنها المرتبط بتدبيره للموارد المائية بناء على الاستراتيجيات و السياسات المرتبطة بهذه المادة الحيوية. فموقع المغرب وخاصياته الجغرافية و المتمثلة في عدم مشاركة موارده المائية مع أي من دول الجوار، جعل قراراته بخصوص سياساته المائية تطبعها الاستقلالية ولا تخضع لأية إملاءات إقليمية، ولا تتأثر بالسياسات المائية لدول الجوار، عكس العديد من دول العالم التي تتقاسم الموارد المائية مع بعضها ويبقى التوترات السمة الغالبة لسياساتها الخارجية عند كل أزمة جفاف أو إجهاد مائي. غير أنه رغم هذه الخاصية الفريدة التي يتميز بها المغرب إلا أنه دخل بدوره في مرحلة الإجهاد المائي لأسباب يتداخل فيها ما هو طبيعي كندرة التساقطات وتوالي دورات الجفاف، بما هو بشري والمرتبط بالاستعمال المفرط للموارد المائية واستنزافها بطرق لا عقلانية.
واشار صاحب الجلالة الى إشكالية تدبير الموارد المائية التي تطرح نفسها بإلحاح. هذه الاشكالية ترتبط أساسا بالاستغلال المفرط لمصادر المياه الذي يفوق وتيرة تجديد الموارد، حيث أشار التقرير الصادر عن المجلس الاجتماعي و الاقتصادي لسنة 2019، تزايد الطلب على الماء بشكل يفوق الكميات المتوفرة سنويا من الموارد المتجددة من المياه العذبة، في نفس الوقت تزايد الاستهلاك المفرط للموارد المائية الجوفية، دون التقيد الصارم بما يقتضيه القانون لاستغلال الموارد المائية، فضلا عن الضعف المسجل على مستوى فعالية آليات المراقبة.
ويرتبط الإجهاد المائي بالمغرب أساسا بالفلاحة التي تستهلك حوالي 70 بالمائة في المتوسط من الموارد المائية سواء المسحوبة من الطبقات الجوفية أو السطحية حسب أرقام المنظمة العالمية للتغدية، تليها الصناعة التي تستهلك 20 بالمائة وفي المرتبة الثالثة يأتي الاستهلاك المنزلي والحضري بنسبة 10 بالمائة. في نفس الوقت لا تتعدى مساحة الأراضي الفلاحية المسقية 10% من مجموع المساحة الفلاحية بالمغرب، وقد أكد التقرير الصادر عن الامم المتحدة عن تنمية الموارد المائية لعام 2022 عن الخطورة التي وصلت إليها بعض المناطق بالمغرب والمهددة بالجفاف التام لفرشتها المائية، وأشار التقرير الأممي إلى منطقة سوس والتي تشهد ضغطا كبيرا على فرشتها المائية بسبب الري الكبير في ظل نقص تجديد هذه الفرشة بسبب تأثير التغيرات المناخية، الشيء الذي يهدد بقاء واستمرارية الفلاحة المسقية بالمنطقة.
كما اشار نفس التقرير الأممي إلى أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا خلصت الى أن منسوب المياه لطبقة المياه الجوفية لمنطقة تادلة في المغرب سينخفض بمقدار 10 أمتار إلى أكثر من 25 مترًا في ظل السيناريوهات المناخية المختلفة بين عامي 2020 و2100، الشيء الذي سيجعل طبقة المياه الجوفية جافة تمامًا في بعض مناطق. هذا وكان المجلس الأعلى للحسابات قد أشار في تقريره الخاص بعملية مراقبة “تدبير الملك العام المائي خلال الفترة 2012-2017″ أن المياه المغربية تشهد استنزافا مفرطا ببعض الفرشات المائية، وهو ما سيؤدي إلى الانخفاض الكبير في مستويات العديد من الفرشات، وخاصة فرشات تادلة وسوس المذكورتين في التقرير الأممي الجديد إضافة إلى منطقة سايس، بحيث بلغ متوسط الحجم الإجمالي للاستغلال بها سنة 2019 حوالي 937 مليون متر مكعب في السنة.
واعتبر التقرير أن شبكات نقل وتوزيع مياه الري، يعد مصدرا من مصادر ضياع المياه وهدره، حيث يتم ضياع 120 مليون متر مكعب من الماء سنويا على مستوى منطقة عمل وكالة الحوض المائي لسبو، و100 مليون متر مكعب بمنطقة عمل وكالة الحوض المائي لملوية، و64 مليون متر مكعب بمنطقة عمل وكالة الحوض المائي لكير زيز غريس درعة، و51 مليون متر مكعب بمنطقة وكالة الحوض المائي اللكوس.
ودائما ومن خلال تقارير المجلس الأعلى للحسابات. فقد سجل هذا الأخير من خلال تقرير له نشر خلال سنة 2018 حول “تدبير الملك العام المائي” أن الملك العام المائي غير معروف ومضبوط من قبل وكالات الأحواض المائية، خاصة تلك التي تدار من قبل المكتب الوطني للماء والكهرباء، والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي، ومصالح وزارة الفلاحة، والجماعات الترابية، كما سجل عدم وجود دورية محددة لإنجاز التقييم الكمي لموارد المياه، داعيا إلى إجراء جرد كامل للأملاك العمومية المائية الطبيعية والاصطناعية المتواجدة في كل منطقة، إلى جانب منح كل نقطة ماء بطاقة ورقم جرد لموارد المياه.
فكما أشار صاحب الجلالة فإن الاجهاد المائي هو هيكلي بالدرجة الاولى، يمكن ان نعيد ترتيب هذه الهيكلة عن طريق ضبط و احصاء الملك العام المائي، مع تقنين استعمال الموارد المائية الجوفية سواء تعلق الامر بالاستعمال الفلاحي أو الصناعي أو الحضري حسب الجهات حتى لا يتم استنزاف موارد جهات بعينها قد تم دق ناقوس الخطر بها و نصبح امام مناطق غير قابلة للحياة و بالتالي امام موجات هجرة نحو مناطق اخرى. كما ان ضرورة إطلاق البرامج والمبادرات الأكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة التي أشار اليها جلالة الملك في خطابه، ستمكن المغرب من تدارك خطر هذا الإجهاد المائي، خصوصا أن بعض المبادرات الرامية الى إنتاج الماء كتقنية تحلية مياه البحر والتي تتطلب طاقة كبيرة وتكلفة مرتفعة قد تكون غير مكلفة للمغرب اذا استغل فيها مؤهلاته من إنتاج الطاقات المتجددة في المناطق جنوب ووسط المملكة.
كما أن إعادة معالجة واستغلال المياه العادمة التي يتم تصريف 60 بالمائة منها حاليا في البحر و في الأنهار والغابات، سيمكن المغرب من تقليص الضغط على الموارد الجوفية و السطحية على حد سواء، وذلك عن طريق اعادة استغلالها في الانشطة الصناعية و سقي المساحات الخضراء أو حتى إعادة تغدية الفرشة المائية في العديد من المناطق.
ان الاستنزاف المجهد للمياه الجوفية يتطلب من جميع الفاعلين الالتزام بوضع إطار ملائم وفعال يضمن حوكمة استغلال هذه الموارد، كما يتطلب من الدولة إقامة بنية إدارية مهمتها صون وديمومة هذه الموارد والاستفادة منها بصورة عادلة على اعتبار انها ملك مشترك للجميع، يجب توفيرها للعموم وضمان توافرها للأجيال القادمة.
 
يونس بنان،  رئيس معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية بالمغرب