الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

الكزولي بمعرض الفرس الدولي: التبوريدة تراث لا مادي وهذه هي مقوماته وعناصره وإشراقاته (3)

الكزولي بمعرض الفرس الدولي: التبوريدة تراث لا مادي وهذه هي مقوماته وعناصره وإشراقاته (3) الزميل أحمد فردوس وشيخ الملحون محمد الكزولي

تشرفت يوم الخميس 21 أكتوبر 2022، بتسيير عرض ثقافي تراثي تحت عنوان "التبوريدة تراث لا مادي"، ألقاه الباحث في تراث فنون التبوريدة، شيخ الملحون محمد الكزولي، بقاعة الندوات بمعرض الفرس الدولي، حيث تتبع هذا الطبق الدسم بالمعلومات ذات القيمة التاريخية والفنية والتراثية، ثلة من الفرسان وعلامة السَّرْبَاتْ، بحضور نساء ورجال الإعلام وفعاليات المجتمع المدني ذات الأهداف التي تنتصر لسنابك الخيل والبارود.

ونظرا لقيمة وأهمية المعلومات التي وردت في المحاضرة تنشر جريدة "أنفاس بريس" الحلقة الثانية من موضوع المحاضرة.

 

فنون الصناعة التقليدية ذات الصلة بتراث التبوريدة

اعتبر الباحث في تراث التبوريدة الأستاذ محمد الكزولي أن كل هذا التنوع والغنى التراثي اللامادي لفنون التبوريدة بطرقها وطقوسها وعاداتها وتقاليدها، كان له دور كبير في حفظ وصون مجموعة من الحرف والصناعات ذات الصلة، حيث ذكر منها تلك المرتبطة بالخيل، كصناعة "السُّرُوجْ"، والحرف التقليدية المرتبطة بها، منها منتوجات (لَعْظَمْ والتَّرْشِيحْ، والسْقَاطْ؛ والَحْزَامْ؛ والدِّيرْ؛ والرْكَابْ). أو تلك المرتبطة بالفارس ولباسه وزيّه التقليدي المتنوع بتنوع إنتمائه، حيث نجد أنواع حرف "الْحِيَّاكَةْ" الخاصة بمنتوجات "الجَّلَابَةْ" و "السَّلْهَامْ" و "الْقَفْطَانْ" و "الْفَرَاجِيَةْ" و "التْشَامِيرْ" و "الدَّرَّاعَةْ" و "الْحَايْكْ"، بالإضافة إلى الحرف الخاصة بـ "الَعَدَّةْ" و "الزِّينَةْ"، والتي تشمل: "الْمُكَحْلَةْ" و "السِّكِّينْ" و "الْخَنْجَرْ" و "التْمَاگْ" و "الشُّوكَاتْ" و حقيبة دليل الخيرات.

 

كل هذه الحرف والصناعات التقليدية ـ حسب الكزولي ـ ظلت محافظة على خصوصيتها الثقافية التراثية المغربية، في حقل تراث التبوريدة الذي كان سببا رئيسيا في حفظها من التلاشي والإندثار.

 

أنماط غنائية وثقت لتراث التبوريدة و منتوج الصناعة التقليدية

في سياق متصل استحضر المحاضر إبداعات فنية ذات الصلة بعمق البادية المغربية مثل ما جاء في التراث الشعبي من وصف لهذه الحرف التقليدية، من خلال نظم مَايَاتْ عْبِيدَاتْ الرِمَى:

 

رْمَا رَجْلُو لِلرْكَابْ / تْمَاگْ مُوبّرْ بِالْمَهَامَزْ لِرْكَابْ تْرُومْ

گَـــوَّدْ عَوْدُو لِلشْعَابْ / مْحَــرّْفْ سَكِّينْ مَنْ عْتِيقْ النُّقْرَةْ مَبْرُومْ

دَارْ الدَّلِيلْ فِي لَقْرَابْ / وُالْخَنْجَرْ وُالزْنَادْ وُالجَّعْبَةْ دَگْ الرُّومْ

واستعان المحاضر بديوان الزجل للتعريف بباقي اللوازم التقليدية حيث تم توثيق شذرات وصفت بدقة مكونات السَّرْجْ وهي كالتالي:

1 ـ الزْيُوفْ:

زِيفْ فُوگْ لَعْظَمْ، زَادْ بْهَاهْ / زَيْنَتْ السْرُوجْ، بِالزْوَاقْ وُالْبُوجْ

زِيفْ فُوگْ التَّرْشِيحْ غْبَاهْ / مْسَاوِينْ مْتَاوِينْ، فِ الطَّرْزْ بْزُوجْ

2 ـ الرْكَابْ:

زُوجْ رْكَابْ، يْرَفْعُو الْفَارَسْ فِ الرَّكْبَةْ / بَعْدْ الرْكُوبْ، يْنَزْلُوهْ مَنْ جْدِيدْ

زُوجْ رْكَابْ، مِيزَانْ النَّاصَبْ فِ النَّصْبَةْ / مَنْ عُودْ وُهَنْدْ، وُنْحَاسْ وُحْدِيدْ

3 ـ لَحْزَامْ:

حَازَمْ السْرُوجْ فُوقْ الْخَيْلْ / حْزَامْ وُسْلَامْ الْأَمْنْ والأَمَانْ

حَافَظْ الرْكَابْ مَنْ شَرْ الْمِيلْ / طَرْزْ الشَّعْرَةْ؛ وُغْلَافْ الْكَتَّانْ

4 ـ التَّرْشِيحْ:

تَرْشِيحْ الصُّوفْ فِ الصُّوفْ / صُوفْ الْمَاعَزْ و الْخْرُوفْ

كُلْ لَبْدَةْ حَايْزَةْ لَبْدَةْ / بِالْمَخْيَطْ، وُخَيْطْ الَغْرَازْ، تْجَمْعُو لُو لَطْرَافْ

فْرَاشْ السَّرْجْ وُالْعَدَّةْ / مْثَبَّتْ لِلرَّاكَبْ سَرْجُو، بِعَشْرْ لَبْدَاتْ خْفَافْ

5 ـ لَعْظَمْ:

سَمَّاوْهْ الدْجَاجَةْ وُ لَعْظَمْ / مَنْ عُودْ الصَّفْصَافْ وُ لَكْرَمْ

مَنْ عُودْ الْبَلُّوطْ وُالْعَرْعَارْ / وُمَنْ جْمِيعْ نْوَاعْ لَشْجَارْ

أما في وصف جمالية السّروج وإبداع الحرفيين والصناع التقليديين وإتقان صناعتها؛ فقد استشهد محمد الكزولي بقصيدة الربيعية؛ لشيخ الملحون عبد القادر بوخريص بقوله:

(و السروج اللّي مطروزة لْمنْ مطاها

من امْوبّر و ملْفْ الْبنْدقي ابْشهراتْ  /  والشْگـرناطي وفروزي اكْما اشْهاها

والركاباتْ امن اليبريز و الْلجماتْ  /  بالحرير والعقيق منبثة تراها)

بالإضافة إلى قصيدة "الذَّهْبِيَةْ"؛ للشيخ التهامي المدغري بقوله:

(رْكَابُو مَسْقُولْ ذْهَبْ صَافِي يَخْطَفْ لَبْصَارْ / تَارَةْ تَغْفَى عَنُّو الْعَيْنْ تَارَةْ يَسْطَعْ وِينِيرْ

نَعْنِيهْ شَعَالَةْ مَنْ الْلهِيبْ وَلَّا بَرْقْ النُّورْ

فَارَسْ عَلْوِي عَنْ شَگرَتُو مْثِيلْ الْبَرْنِي غْزَارْ / سَبْتُو وُحْزَامُو مْعَ الصْرَاعْ وُ الدِّيرْ مَنْ حْرِيرْ

وُعْدَارْ لْجَامُو مَنْ لَعْقِيقْ امْنَبَّتْ مَظْفُورْ).

صناع الفرجة بمحارك التبوريدة

وأكد الكزولي بأن الحديث عن التبوريدة كتراث لامادي، لا يكتمل دون الحديث عن صناع الفرجة والفرح، ودورهم الإستعراضي والفرجوي المؤثث لفضاء محرك التبوريدة، مثل مجموعة "الْغَيَّاطَةْ" و "الْحَبْحَابَةْ" و "عْبِيدَاتْ الرْمَى"... الذين يتجولون بين الخيام (لَوْثَاقَاتْ) مرددين أهازيجهم وأغانيهم الفلكلورية الشعبية، محتفلين مع كل السَّرْبَاتْ التي توفقت في اللعب والْحَرَكَاتْ وطلقات البارود، بوزعين الفرحة والبهجة على الجمهور الذي يحج للإستمتاع بهذا التناغم السمعي البصري الإستعراضي.

واستعرض المحاضر في حديثه عن هذه الفئة من صناع الفرجة في حلبات التبوريدة "الْمَحَارِكْ"؛ مثال شخصية "ابَّا التْهَامِي" الذي جاوز الستين من عمره، لكن عشقه لتراث التبوريدة يجعل من تفاعله مع كل قرصة، لوحة استعراضية خاصة به، و وسيلته في ذلك (رَقْصَةْ الْـﯕَنْبُورَةْ) جَرَّة من الطين مملوءة بالماء، يسكبها على رأسه بعد أن يؤدي رقصته الخاصة فرحا بطلقات البارود الناجحة، ثم يكسرها على الأرض. حيث يعتبر أغلب المتابعين من الجمهور أن تفاعله شهادة على قوة الطلقة واكتمالها بدقة ناجحة.

وأورد الكزولي أشكالا فرجوية آخرى ترافق مواسم ومهرجانات عروض التبوريدة، مثل شخصية "الْبُوهَالِي" الذي يعبر عن تفاعله مع عروض التبوريدة بالتلويح بعمامته في السماء، تعبيراً عن فرحه بجمالية اللوحة ودقة الطلقة؛ في حين نصادف في مواسم ومهرجانات أخرى شخصية "بَّا خَيْرِي"، الذي يتفاعل بشكل فكاهي إستعراضي عند الطلقة الموحدة، أو ينفعل ويزمجر عند ضياع الطلقة الموحدة. أما الفنان صانع الفرجة "بَّا لَهْنَوَاتْ" فيحب التعبير عن فرحته أثناء مشاهدة عروض التبوريدة بالرقص والغناء بشكل فلكلوري تقليدي يزرع الفرحة والسرور في نفوس الممارسين والمتفرجين ـ حسب وصف المحاضر الأستاذ محمد الكزولي.

وشدد نفس المتحدث على أن كل هذا التنوع والغنى في العناصر المكونة لتراث التبوريدة، يشكل فسيفساء تراثية متناغمة ومتكاملة، تعبر عن هوية ثقافية لها جذور ضاربة في عمق التاريخ، وأغصان تظللها وتحميها من الإندثار.

في نفس السياق أكد المحاضر على أن كأس وجائزة الحسن الثاني للفروسية التقليدية (دار السلام)، والجائزة الكبرى للملك محمد السادس لفن التبوريدة (معرض الفرس الدولي)، كان لهما دورا كبيرا في إشعاع هذا الموروث، وإعطائه دفعة قوية من خلال التشجيع والتحفيز الذي مُنح للفرق المشاركة، الأمر الذي شجع فرقا أخرى (سَرْبَاتْ الْخَيْلْ)، بل ومناطقَ كانت فيها التبوريدة شبه منعدمة، على إعادة إحياء هذا التراث الثقافي.

محطتين بارزتين ـ يقول المحاضر ـ خلقتا روح التباري والتنافس بين الجهات والأقاليم من أجل تكوين سَرْبَاتْ في المستوى، سواء في ما يتعلق بجودة الخيول، أو إتقان اللعب واختيار أمهر الفرسان؛ أو في ما يتعلق بجودة الزي التقليدي والسّروج والزينة الخاصة بالتبوريدة. الأمر الذي ساهم في دعم مجال تربية خيول التبوريدة بمختلف جهات المملكة، كما انعكس إيجابا على مجموعة من الحرف التقليدية ذات الصلة، وأعطاها إشعاعا وازدهارا وتطورا.

 

 

وتوقف الكزولي عند الدور الكبير الذي لعبه معرض الفرس الدولي في دعم هذا التراث والتعريف به والحفاظ عليه، من خلال تعدد الأروقة المتنوعة الخاصة بالحرف والصناعة التقليدية والتعريف بتراث التبوريدة، والفضاء الخاص بالجهات، وما يقدمه للزوار من معلومات ونماذج حية لكل مكونات هذا التراث العريق.

ولم يفت محمد الكزولي أن ينوه بكل من الباحثين والشعراء والمهتمين بفن التبوريدة، ومحترفي الفن الفوتوغرافي والفن التشكيلي والنحت والمسرح ونساء ورجال الإعلام والصحافة، وكذا منظمي المهرجانات والمنشطين، وصناع المحتوى ومسيري صفحات منصات التواصل الاجتماعي، ويبرز دورهم المهم من خلال أعمالهم التوثيقية والفنية، في المساهمة بشكل كبير في الحفاظ على هذا التراث والتعريف به، كل حسب اختصاصه.

بعد كل ما سبق ذكره عن موروث التبوريدة وعن خصائصه و مكوناته ومميزاته، وكل ما يزخر به هذا التراث اللامادي من عناصر تمثل الهوية الثقافية المغربية العريقة، وكذا ما وصلت إليه من تألق وإشعاع وطني ودولي، ـ حسب المحاضر ـ أكد على أهمية وضرورة تظافر الجهود من أجل المحافظة على كل هذه المكتسبات وتحصينها وتثمينها، والسير قدما بتراثنا الثقافي اللامادي لضمان استمراريته جيلا بعد جيل.

وفي ختام محاضرته أهدى للحضور، أهديكم مقطعا زجليا من قصيدة بعنوان: "التْبَوْرِيدَةْ".

التّْبَوْريدة هـمَّـة وْشَـانْ

 تَارِيخْ وْحروبْ زْمَـانْ

تْحكِي لْمْجَاد، وْ حَـرّْ الْحروبْ وْ الْعوَافِي

التّْبَوْرِيدة تْسْلِيمْ وُصفَى

قَلْبْ تَامْر بْحبوب الْوْفَى

فِيهَا قْلِيلْ النِّيَّة مَكْرُوهْ، مَصْبَاحُو طَافِي

التّبَوْرِيدة لَامَة وْ فْراجةْ

لْحبابْهَا مْضْيَافَــة فَوَّاجة

هِيَّ الصّْوَابْ هِيَّ التّْرحابْ، مْرصّع بْالْقْوَافِي

التّْبَوْرِيدة  طْبّْ لَلـرُّوح

قَلْبْ فَارسهَا مْجروح

اِلَا يْشْمّ رِيحَةْ الْبَارُودْ، يْرُوحْ فِـ الْحِينْ مْـشَافِي

التّبوْرِيدة تُـرَاثْ

وْالتُّرَاثْ وَرْثْ لْجْدَادْ

يَاكْ لْجْدَادْ قَاوْمُوا، وُ بِالَعْـنَايَة وُ صَّاوْ عْلِيهْ

التّْبَوْرِيدَةْ  تُرَاثْ

حَقّْ لْوْلَادْ مَنْ لْبْـلَادْ

وُ حَقِّي فْـ  بْلَادِي، مَا نْبِيعُـو مَا نْفَرّْطْ  فِيه.ْ

 

انتهى