الخميس 28 مارس 2024
سياسة

القبايل.. قصة شعب مقموع يبحث عن فك الارتباط مع الجزائر

القبايل.. قصة شعب مقموع يبحث عن فك الارتباط مع الجزائر فرحات مهني زعيم حركة المطالبة باستقلال القبايل
حين ارتمى الحسن آيت احمد، أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية، في فم التنين عقب الاستقلال، وحمل السلاح، انطلاقا من جبال منطقة القبايل في وجه الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر، والتي أنشأت دكتاتورية "الحزب الوحيد"، فعل ذلك من منطلق ضرورة الاعتراف بالهوية الأمازيغية أمام اكتساح المد العروبي وإيديولوجيا حزب البعث التي اعتنقها قادة "جبهة التحرير الوطني"، وعلى رأسهم الزعيم بن بلة والانقلابي بوخروبة (هواري بومدين). 

ومنذ ذلك التاريخ، الذي يرتبط بمرحلة البدايات، وبالمحن التي عاشها حزب "الأفافاس" في تيزي وزو، والمواجهة المسلحة بين ميسلشيات هذا الحزب والجيش النظامي الجزائري، فضلا عن حكم الإعدام التي صدر في حق الحسين أيت أحمد، استمر الوضع في الاشتعال بمنطقة القبايل التي بدأت مطالبها حول "الهوية الأمازيغية" تأخذ أبعادا أخرى، مع جيل من النشطاء المدنيين والسياسيين والمثقفين الباررزين. وبلغت المواجهة ذروتها  في شهر أبريل 2021، حين انفجرت منطقة القبايل، وهي تستعد للاحتفال بالذكرى الـ 21 للربيع الأمازيغي، على وقع احتجاجات كبيرة بسبب مقتل التلميذ ماسينسا آقرموح في مقر للدرك الوطني بمنطقة بني دوالة (شرق مدينة تيزي وزو)، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا والجرحى، قبل أن تنتقل شرارة "الغضب القبايلي" إلى العاصمة الجزائرية في شكل مظاهرات عارمة اهتزت لها نياشين الطغمة العسكرية وتصدعت جدران ثكناتها. وهذا ما أفضى إلى ظهور حركة "حركة العروش" التي أصبحت المتحكم المباشر الحركة الاحتجاجية للشعب القبايلي، والتي دخلت في "توافقات" مع الجنرالات، الأمر الذي أغضب نشطاء قبايليين آخرين اتهموها بـ"بيع القضية"، فقاموا سنة 2001 بتأسيس حركة "ماك" (الحركة من أجل تقرير مصير القبايل)، ودعوا بشكل علني إلى استقلال منطقة القبائل عن الجمهورية الجزائرية.

وبسبب مطالبها الجذرية وقدرتها الكبيرة على التعبئة، والتفاف القبايليين حولها، عانت حركة "مالك"، وما تزال، الويلات من الطغمة العسكرية الحاكمة، مع توالي الاعتقالات والمطاردات والتضييق، بعد مطالبتها بالاستقلال والانفصال عن عسكر الجزائر.
 
بل إن أبرز أطرها وكوادرها، وفي تطور غير مسبوق، سارعوا إلى الهرب من الجزائر نحو  العاصمة الفرنسية باريس، خوفا من القبضة الباطشة للعسكر، ومن الملاحقات البوليسية والقضايا المطبوخة في المحاكم ضد أعضائها، بينما أصبح منتسبوها يتحركون في الجزائر بحذر شديد ويتجنبون الإعلان عن المحتوى الحقيقي لأفكارهم، حتى لا تخسف بهم أرض يدافعون عن تنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصيرها ".

وبلغة الأرقام، فإن حصيلة الضحايا التي سجلتها انتفاضات منطقة القبائل، بدءاً من تمرد عام 1963، مروراً بـ"الربيع الأمازيغي" عام 1980،  والربيع الأسود عام 2001، وحتى حراك 2019، وصلت إلى  126 وفاة، و5000 جريح، و200 معاق مدى الحياة. بيد أنه بعد هدنة ساد فيها نوع من الترقب  تغير المشهد كليا، حيث تم اعتقال أكثر من 500 معتقل قبايلي، منهم أساتذة وباحثون ونشطاء وطلاب مناصرون للشعب القبايلي، خلال سنة واحدة في سجون عسكر الجزائر، وكلهم خضعوا لحصص تعذيب لمدة لا تقلّ عن الأسبوع، سواء الذين أوقفوا أم الذين  تمّ استدعاؤهم. و هو أمر أرعب شباب القبايل ودفعهم إلى الهجرة نحو أوروبا  بأي وسيلة مهما كان الثمن. بل إن حوالي 50 ألف قبايلي ممنوعون من مغادرة التراب الجزائري، بحسب إفادة فرحات مهني رئيس الحكومة المؤقتة القبايلية لأسبوعية "الوطن الآن"، وهو الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن جنرالات "قصر المرادية" مستمرون في نهج العقاب الجماعي ضد منطقة لا شرعية لمؤسسات الدولة الجزائرية عليها، ما دام العملية الانتخابية الأخيرة قد سجلت مقاطعة بـ"الأجماع" للقبايليين.

  ولم يتوقّف حصاد معاناة الشعب القبايلي ومطادرته عند هذا الحدّ، بل تعدّته لسعي الحكام الواقعين تحت حكم الطغمة العسكرية من أجل طمس ومحو كل ما له علاقة بالهوية القبايلية الأمازيغية لباسا وفنّا وطقوسا وعادات.
ويرى أكسيل بلعباسي، وهو  مستشار رئيس الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبايل، أن "هناك أمل كبير  جدا في تحقيق حلم الشعب القبايلي، وأن استقلال بلد القبائل مسألة وقت فقط. حينها سننتصر رغم معاناتنا مع الاضطهاد والإرهاب داخل بلد الجزائر".

أسبوعية "الوطن الآن" نبشت في ثنايا هذا الملف الحارق والملتهب، ذي البعد الإنساني والحقوقي، وحاورت كبار قادة الشعب القبايلي ونقلت معاناتهم ومطالبهم وأنينهم. كما رصدت مسار حركتهم التي تعرف دوليا باسم "الماك" في محطات تاريخية وأحداث أليمة غرّبت القبايليين وفرقتهم شيعا من أجل إخراس صوتهم تحت إرهاب نظام عسكر الجزائر داخل البلاد وخارجه.
 
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"