Wednesday 16 July 2025
خارج الحدود

بوعلام صنصال: عندما تصبح الحقيقة التاريخية "جريمة سياسية" بالجزائر

بوعلام صنصال: عندما تصبح الحقيقة التاريخية "جريمة سياسية" بالجزائر بوعلام صنصال وفي الإطار محمد السباعي
في سابقة أثارت دهشة المراقبين، أصدرت السلطات الجزائرية حكماً بالسجن خمس سنوات بحق الروائي الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية". وقد جاء هذا الحكم على خلفية تصريحاته حول مناطق تقع في الصحراء الشرقية، اعتبرها تاريخياً "جزءاً من الأراضي المغربية"—واقع وثّقه نفياً ونقلاً عدد من المؤرخين، بمن فيهم جزائريون، قبل وخلال وبعد الاستعمار.
 
ما يبعث على الاستغراب أن التعاطي الحكومي الجزائري كان انتقائياً، فقد مرّ قبل ذلك تأييد صنصال العلني لإسرائيل وزياراته إلى الكيان الصهيوني دون أي مساءلة أو محاكمة. فكيف تُتهم الدولة بالوقوف سنداً للقضية الفلسطينية إذا تم السكوت عن دعمه للاحتلال، بينما يُعاقب عقاباً قاسياً لمجرد أن تحدث عن حقيقة تاريخية؟
 
يتضح من هذا الموقف ازدواجية في المعايير، إذ تُوظّف قوانين "الوحدة الوطنية" لتعطيل أي صوت يخالف الرواية الرسمية في ملف الصحراء. تصريحات صنصال لم تكن سوى تذكير بحقائق تاريخية أعادت رسم الحدود بعد الاستعمار، في حين تحولت إلى "تهديد" من قبل القضاء الجزائري.
 
وما يدعم هذا التحليل أن المحكمة الجزائرية اعتمدت على المادة 87 المضادة للإرهاب، التي تُستخدم لمعاقبة الانحراف عن الخط السياسي الرسمي، وهو استخدامها الرائج بحق أصوات أعلام حُبست انتقاداً لتردّي الحريات. وقد أكّد صنصال، خلال دفاعه، أن تصريحاته لم تكن سياسية، بل "تاريخية موثقة" TV5MONDE Information+6Hespress+6AP News+6.
 
وبرغم استنكاره الاتهامات، فإن محكمة الدرجة الأولى (27 مارس 2025) فرضت عليه السجن والخضوع لغرامة مالية، أعقبتها محكمة الاستئناف بتثبيت نفس الحكم (1 يوليو 2025)، رغم مطالبات دولية ودبلوماسية بإطلاق سراحه أو تنازل سلطة سياسية عنه (العفو الرئاسي) .
 
إن هذا الحكم لا يمكن فهمه إلا في إطار "حرب الرموز والمعاني" التي تخوضها الجزائر ضد كل صوت يفضح ازدواجية مواقفها في قضايا مصيرية مثل قضية الصحراء. فبينما يُفتح الباب أمام دعاة التطبيع المموّهين بصفتهم "أحرار الفكر"، يُقفل أمام من يكشفون حقيقية تاريخية، بحجة أنهم يزعزعون وحدة الدولة.
 
ورغم اعتبارات الحرية، فإن الموقف المغربي موحّد بجميع ألوان الطيف السياسي، حريصاً على استحضار الواقع التاريخي والجغرافي في مواجهة هذه المحاولات الملتوية. فحسبما أكد صنصال نفسه:
"Je ne fais pas que de la politique. Je m’exprime aussi sur l’histoire" HuMENA+8TV5MONDE Afrique+8TV5MONDE Information+8.
 
إن قضايا الصحراء – الشرقية والغربية – ليست مجالاً للمزايدات أو الإنكار، بل تشكّل أساساً لوجود وهوية. ولا يمكن لأي محكمة، مهما ادعت "الوحدة الوطنية"، أن تحكم على الحقيقة التاريخية لا بحبّها ولا بكراهيتها. دماء الشعب المغربي تاريخياً ما قبل الاستعمار، تؤكد أن هذه الأراضي كانت مغربية قبل إعادة تقسيمها.
 
وعلى المستوى الوطني، يدعو هذا التطور إلى إطلاق رد ثقافي وإعلامي وسياسي، يرسم الحقائق التاريخية ويكشف تناقض الأداء الرسمي الجزائري. فليس من المقبول أن تحوّل المحاكم "القضية" إلى "جريمة" مقابل حديث عن الواقع. وكذلك لا بد من دعم الأصوات المستقلة والمنفتحة التي تقارب التاريخ بمنطق الحرية وقطيعة مع الاستغلال السياسي.
 
إن قضية بوعلام صنصال تسلط الضوء على خطر تحوّل "المعرفة" إلى "جريمة سياسية"، حيث تحجب السلطة عن الواقع بصمتها القسري، وتحجب الحريات بأسوار قانونية. لكن الحقيقة، كالنور، لا تُطوى في طيّ الظلام.