الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال العسري: مركزياتنا النقابية ونقاباتنا القطاعية مدعوة لأن تقوم داخلها بثورة تنظيمية

جمال العسري: مركزياتنا النقابية ونقاباتنا القطاعية مدعوة لأن تقوم داخلها بثورة تنظيمية جمال العسري
واقع العمل النقابي بالمغرب: بين الحاجة لثورة تنظيمية ... أو بقاء دار لقمان على حالها ...واقع العمل النقابي بالمغرب ومسؤولية الأزمة: بين نقد القواعد وتحميلها المسؤولية ونقد القيادة وآليات تتظيمها ...
يعيش العالم حالة تغييرات كبرى في عالم الشغل و عالم العمل تغييرات لا يمكن أن ينكرها أحد، حقيقة لا ينفيها أحد ،تغييرات مست طبيعة العمل و طبيعة الوظائف، بل مست كذلك حتى مفهوم الطبقة العاملة بما أنها مست طبيعة الإنتاج، ويكفي النظر لشركات العمل الرقمي و مليارات الدولارات التي تحققها كأرباح سنويا ، تغييرات كان لها آثارها على النقابات العمالية و العمل النقابي في مختلف دول العالم ،هذه التغييرات التي حدثت في سوق العمل والتي سرع بها التطور التكنولوجي ،دفعت بالنقابات على مستوى العالم إلى مراجعة آليات اشتغالها و آلياتها التنظيمية لمواكبة هذا الانقلاب الذي عرفه عالم الشغل..
طبيعي إذن في ظل هذه التغييرات أن يتغير نمط العمل النقابي والسؤال المركزي هنا هل تغير نمط العمل النقابي بالمغرب ؟؟ هل سايرت نقاباتنا هذا التغيير الكبير الذي عرفه عالم العمل ؟؟ أم أن نقاباتنا لازالت تشتغل بعقلية ثمانينيات القرن الماضي ؟؟ هل البنية التنظيمية وآليات التنظيم واكبت هذا التغيير؟ أنا الذي عشت العمل النقابي عن قرب منذ أزيد من ثلاثة عقود يمكنني الجزم أن التغيير كان طفيفا جدا، تغيير لم يستطع أن يواكب السرعة التي تغير بها عالم الشغل، تغيير لم يكن له الأثر الكبير على الحياة النقابية المغربية.
وهذا ما يدفع بنا لطرح سؤال آخر: لماذا نجح الآخرون فيما فشلت فيه النقابات؟ لماذا تنجح المعارك والحراكات الاجتماعية فيما تفشل الإضرابات العامة للنقابات المركزية ؟؟ بل لماذا تنجح معارك التنسيقيات والفئات فيما تفشل معارك النقابات القطاعية بل وحتى المركزية ؟؟ لماذا تنجح معارك الذين فرض عليهم التعاقد رغم حجم التضييقات وشراسة الحرب التي تشنها الدولة عليهم: قمع، اعتقالات، متابعات، محاكمات، اقتطاعات ...
ورغم ذلك يستمر هؤلاء الأساتذة في التضحية بالمال والحرية ؟؟ و لماذا نجحت قبلهم معارك الأساتذة المتدربين وحققوا ما حققوه بتضحياتهم وابداعاتهم النضالية ؟؟ لماذا نجحت معارك أساتذة الزنزانة 9 وحققوا مطالبهم بالتضحيات التي قدموها ؟؟ لماذا نجحت معارك تنسيقيات الممرضات والممرضين ؟؟ فيما كان الفشل هو مصيرأي معركة تدعو لها نقابة قطاعية ؟؟ ولماذا ترتفع الآن أصوات تحاول التنصل من مسؤولية تراجع العمل النقابي وتحميل مسؤولية هذا التراجع للقواعد باعتبارها قواعد استكانت للخنوع واستسلمت للإذلال ،و رضيت بالذل ؟؟ قواعد لم تعد قادرة أو مستعدة أوحتى مهتمة بخوض أي معركة نضالية أو تقديم أي تضحية ؟؟
هذه الأسئلة تواجه بأسئلة أخرى أليس من خاضوا ويخوضون المعارك داخل التنسيقيات جزءا من هذه القواعد ؟؟ ألا يشكلون اليوم الجزء الأكبر من هذه القواعد ؟؟ ألم يسطروا أروع الأسطر في تاريخ النضال الحديث ؟؟ ألم يبدعوا أرقى الأشكال النضالية ؟؟ ألم يضحوا بنسب كبيرة تقتطع من أجورهم عقب كل معركة ؟؟فهل تحولوا فجأة إلى مستسلمين خانعين منهزمين ؟؟ أم أن الحقيقة التي نريد إخفاءها جميعا توجد في الجانب الآخر من العملية وأن الخطأ ليس في القواعد بل في القيادات النقابية، في التنظيمات النقابية وفي آلياتها "الديمقراطية" ؟
وحتى من يحمل الخطأ للشعب فهو خاطئ، يكفي أن ننظر إلى الحراكات التي عرفها الوطن في العقد الأخير، انطلاقا من حركة 20 فبراير، والتي لم تكن فيها للنقابات يد، مرورا بحراك الريف التي تبرأ منه الجميع أحزابا ونقابات، إلى حراكات العطش والأراضي السلالية التي تعيشها حاليا العديد من مناطق المغرب، دون أن ننسى حراك طنجة ضد شركة أمانديس، وحراك رفض الساعة الإضافية، وحراك رفض إجبارية التلقيح وغيرها من الحراكات سواء الوطنية أو المحلية وآخرها حراكي (أزمور والفندق ). فالخلل إذن ليس في القواعد بل هو في مركزياتنا النقابية التي تدرك أنها لن تستطيع إنجاح معركة ستدعو لها لا لضعف ووهن في القواعد، بل لأسباب نعرفها جميعا لكننا نحاول إخفاء الشمس بالغربال!!
اليوم مركزياتنا النقابية؛ ونقاباتنا القطاعية مدعوة للقيام بنقد ذاتي، مدعوة لأن تقوم بدراسة نقدية لمسارها خلال العقدين الماضيين، مدعوة لأن تقوم بثورة تنظيمية داخلها، ثورة تتجلى على أرض الواقع لا ثورة تتجلى على الأوراق والشعارات، مدعوة لأن تتمرد كليا على آليات وطرق اشتغالها وكيفية صياغة واتخاذ قراراتها، مدعوة لتبني الديمقراطية الحقة لا ديمقراطية الشعارات.
مدعوة للعمل بسرعة لاسترجاع ثقة القواعد التي فقد الثقة في قياداتها ،مدعوة لأن تنفتح على التجارب الناجحة للآخرين سواء على المستوى الوطني ( التنسيقيات وآليات اشتغالها وأرضياتها التنظيمية ، التنظيمات الجماهيرية الشعبية و كيف نظمت وخاضت معاركها المحلية) أوعلى المستوى الدولي ( القمصان الصفر مثلا في فرنسا )،عليها تبني الديمقراطية الحقة، وتحمل كل ما ستفرزه هذه الديمقراطية ،عليها أن تستقل فعلا بعملها عن الدولة وعن غيرها من التنظيمات ،عليها أن تتخلص من قبضة المتقاعدين وعليها ، وفي غياب هذا التجديد الثوري، سيستمر العمل النقابي بكل أسف في تدحرجه وفي عملية سقوطه، إلى أن يصل إلى قاع القاع ، وفي انتظار ذلك كفى من تحميل المسؤولية للآخر ،كفى من تحميل المسؤولية للقواعد ، فالقواعد مستعدة للنضال والتضحية،، وقد أبانت عن ذلك في العشرات من المحطات ..
وأخيرا لنتذكر جميعا أن نقد الذات يسبق نقد الآخر، نحن ومعنا نقابتنا وكل النقابات في أمس الحاجة لنقد ذاتي، فهل هي مستعدة لذلك ؟؟ وهل هي مستعدة لنتائجه ؟؟