كان الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية الحادية عشرة يوم 14 أكتوبر 2022، قويا ومباشرا وغنيا بالتوجيهات والدروس؛ ركز فيه جلالة الملك إلى جانب إشكالية ندرة الماء، على رهان آخر لا يقل أهمية؛ رهان استراتيجي وتنموي، آني واستعجالي؛ هو رهان الاستثمار؛ ففي ظل سياق عالمي مظطرب وظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة جدا، قدم جلالة الملك وصفة شاملة ومتكاملة لتطوير الاستثمار في بلادنا، خاصة الاستثمار المنتج، في القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية، والتي من شأنها أن تخلق فرص الشغل وتحسن الدخل وترفع من مستوى معيشة الأفراد و توفر الموارد المالية الضرورية للاستمرار في إنجاز مختلف الأوراش والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بلادنا.
لكن لا يتم ذلك يقول جلالة الملك، إلا في ظل مناخ عمل ملائم؛ وهو ما يفرض إزالة كل العراقيل القانونية والإدارية والمؤسساتية، والتي لازالت تحول دون أن يقوم الاستثمار، بدوره كاملا كرافعة أساسية للاقتصاد الوطني، لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود؛ ذلك أن عالم الأعمال والاستثمار يعاني من عدة معوقات وإكراهات، نذكر بعضها:
معوقات تتعلق بمناخ العمل؛ حيت غياب التوافق حول عدد من الإصلاحات الجوهرية (مدونة الشغل نموذجا) فهذه المدونة بقيت في الرفوف لسنوات، حيث لم يتم التوافق حول أغلب ما جاء فيها، وخاصة ما يتعلق بالحق في الإضراب (الذي قد يتعارض مع الحق في الملكية والحق في العمل) وما يتعلق بشروط التسريح ونظام التعويضات المترتبة عنه.
- معوقات تتعلق بالإدارة المغربية؛ فالمقاول منذ إنشاءه المقاولة إلى الشروع في تحقيق مشروعه الاستثماري، يجد نفسه يمر عبر مجموعة من المراحل الإدارية المعقدة للحصول على مجموعة من الرخص في أغلبها معقدة كذلك، والتي يتطلب الحصول عليها مدة طويلة جدا؛
- معوقات تتعلق بالإدارة وبالجهاز القضائي تحديدا، وعدم تكيفه مع متطلبات التنمية الاقتصادية؛ وهنا يمكن أن نذكر قلة الخبرة المهنية وطول مدة (أو افتعال طول مدة) تنفيذ الأحكام، بالإضافة إلى مشكلة خطيرة أخرى تنخر جسم الإدارة وهي الفساد :
- معوقات عقارية، حيت يعتبر المشكل العقاري من بين أهم المشاكل التي تقف دون إنعاش الاستثمار في بلادنا؛
- معوقات تتعلق بتوطين المشاريع الاستثمارية ؛ فالأراضي الصناعية والمحلات التجارية نادرة وباهظة الثمن. وخاصة في المدارات الحضرية. كما أن هناك بعض الأراضي التي عموما، لا يمكن الحصول عليها مثل: أراضي الكيش، وأراضي الأوقاف، والأراضي السلالية؛
- معوقات تتعلق بالقوانين التي تحكم النظام العقاري في بلادنا (وهي قوانين جد معقدة).
- معوقات ضريبية؛ وخاصة الضغط الضريبي، وتعدد وتنوع الجباية المحلية؛
- معوقات مالية؛ وخاصة ارتفاع تكلفة المال (معدلات الفائدة) و المبالغة في الضمانات المطلوبة، ومركزية قرار الموافقة على منح القروض، وارتفاع تكاليف الإنتاج ، وخاصة تكلفة الطاقة ، ما يكون له بالغ الأثر على التنافسية، وخاصة تنافسية التكلفة أو الثمن.
هذه الوصفة الملكية الجديدة في مجال الاستثمار، يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا-التفعيل الجيد للميثاق الوطني للاستثمار، والذي يراد له أن يكون ميثاقا تحفيزيا وتنافسيا ويحقق التوازن المطلوب، مجاليا وقطاعيا؛ وهو ما من شأنه أن يجعل اقتصادنا الوطني أكثر جاذبية للاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية؛
ثانيا-دعم المراكز الجهوية للاستثمار والرفع من فعالية وجودة خدماتها، ووإناطتها بالإشراف الشامل على كل مراحل العملية الاستثمارية؛
- البناء على النتائج المحققة في مجال تحسين مناخ الأعمال، والعمل على تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط المساطر ورقمنتها، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء...
- تعزيز الثقة بين المستثمر والدولة من خلال تكريس قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل العديد من القضايا والنزاعات.
- تقوية مساهمة القطاع الخاص، مع طبعا مواكبة القطاع العام وإصلاح وتحديت وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية؛
- إعطاء مكانة أكبر للمنظمات القطاعية و للقطاع البنكي والمالي، وللمقاولات المغربية، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة ومقاولات الشباب، خاصة من أبناء الجالية المغربية بالخارج؛
كل ذلك في إطار صندوق محمد السادس للاستثمار، ومن خلال التعاقد الوطني للاستثمار الذي دعا إليه جلالة الملك، والذي يترجم التزامات جميع الفاعلين والمتدخلين؛ الحكومة والقطاعين الخاص والبنكي، من أجل تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026؛ وهي أهداف طموحة جدا، لكنها في نفس الوقت واقعية وقابلة للتحقيق.
رضوان زهرو، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق عين الشق بالبيضاء