الاثنين 6 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب الدبيش: الماء قضية وطنية

عبد الوهاب الدبيش: الماء قضية وطنية عبد الوهاب الدبيش
في سنة 1984 خطب الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه خطابا ذكر فيه بقيمة المياه، والمغرب يتهيأ لبناء أكبر سد بالمغرب على نهر ورغة ؛مما جاء فيه أن المغرب يحمد الله على أن الطبيعة الجغرافية للبلاد جعلت من أنهار المملكة ملكا خاصا بها من المنبع آلى المصب .
كلام الراحل  الحسن الثاني رحمه الله جاء ليذكر المغاربة بأنهم محسودون على هذه النعمة الطبيعية التي جعلت من منابع الأنهار المغربية ملكا خاصا بالمملكة ، ولا أحد يمكنه مطالبتنا بأي حق له على مياهنا وودياننا .
خطاب 1984جاء في سياق أزمة جفاف ضربت المملكة بين1981و1984 ،وقد كان فعلا الجفاف الذي ضربنا في تلك الأعوام قاسيا إلى الحد الذي جعله يساهم في أزمة الإقتصاد المغربي الذي أدخل صندوق النقد الدولي إلى البلاد ليهيكل ماليته المتضررة من عدة عوامل من بينها الحرب التي كنا نواجه فيها بمفردنا أكثر من دولة من المعسكر الشرقي دفاعا عن أرضنا وصحرائنا .
الان وقد نطمئن إلى ربح رهان القضية الوطنية بعد أن تبين للمجتمع الدولي ان الجزائر هي أصل المشكل وصاحبة الراي النهائي فيه؛ وأن شرذمتها مجرد بيدق لتاثيت المشهد.وبعد أن أصبح العالم يعي موقفنا  واحقيتنا، بدا واضحا علينا أن نهتم بقضية الماء التي سبق أن ذكرت بها في عدة مناسبات بأنها الأطروحة المجتمعية القادرة على حل جميع مشاكلنا الإقتصادية و الإجتماعية والسياسية في أفق قرنين من الزمن.
 الماء هو الحل لمعالجة أزمة الغذاء بالمغرب. والماء هو أيضآ مفتاح معالجة ازمة التشغيل والماء هو أخيرا وليس آخرا العلاج الشافي لأزمة التهيئة المجالية بالمغرب. 
لكن لماذا الماء؟ وكيف يمكنه ان يعالج قضايا عجزت عن حلها دول بإمكانات إقتصادية أكبر منا!؟
نحن في المغرب نعاني من مزاجية التساقطات المطرية غير المنتظمة وغير المتساوية لا بين الجهات ولا بين سنة وأخرى ولا بين فصل وآخر، بل أن المغرب يبقى رهينة لجزر الأسور كما كتب ذلك عمر لبشيريت الصحافي المقيم بالديار الكنديه في السنة الماضية.. إذا كانت الجزر تحت ضغط جوي منخفض سقطت الأمطار وإذا كانت تحت ضغط مرتفع غلب الجفاف على البلد، واضيف ان هذا رهين أيضا بتجاذب مناطق النفوذ بين التيارات المناخية الحارة القادمة من الجنوب الأطلسي أوالباردة القادمة من القطب الشمالي.
 هذا الوضع جعل مدخرات معيشتنا تتأثر بغياب إنتاج وفير منتظم،ويلخص هذا الوضع مقولة الفلاح المغربي الفلاحة كل عام والصابة ويقصد بها الإنتاج الوفير مرة في الاعوام.
بطبيعة الحال عالج أجدادنا هذه القضية بإنشاء المطامر او تگاديرت اي المخازن الجماعيه التي لا تزال تزين بمعمارها الفريد بعض المناطق بالمغرب العميق الموجود في مرتفعات الاطلس الكبير. ولم ينتبه مغاربة القرن العشرين للمشاكل الناجمة عن قلة التساقطات وعلاقتها بوفرة الغذاء من عدمه خاصةً بعد تخلي أهل البادية عن المطمورة واهالي الجبال عن تگاديرت، ولم يجدوا بعد بديلا عن الحلول الممكنة لمعالجة مشكلة ندرة المياه بالمغرب والتي يتأثر بها الإقتصاد الوطني 
نعم حاولت السدود تغطية مجالات الري التي دشنها الراحل الحسن الثاني رحمه الله بمحاولة بلوغ مليون هكتار مسقي،،وصحيح أننا الآن نتجاوز سقف مليوني هكتار مسقي لكنها لم تعالج مشكلة ندرة الغذاء ولا شح المياه الصالحة للشرب في كبريات المدن المغربية!!
 الحلول التي جربناها لحد الساعة ام تفض إلى معالجة المشكل من الأصل الذي تعمق بفعل تقليص المجال الغابوي الناجم عن توسع المجال الحضري بهوامش المدن الكبرى وبالمناطق الجبلية،، لذلك علينا ان نفكر وقد جاء ذلك على لسان العاهل الكريم جلالة الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان ان نفكر جميعا في حلول بديلة تعزز المنشآت المائية بالمملكة ،،واقترح ان يتم بناء طرق مائية سيارة باطنية لربط الأنهاروالأودية المغربية عبر مدارات دائرية تسهل نقل المياه من المناطق التي تعرف تساقطات مطربة وفيرة إلى جهات لم تسقط فيها الأمطار.. ويتطلب هذا أولا الإهتمام بالجبل باعتباره مصدرا من مصادر المياه مياه العيون والأنهار والأودية والإهتمام بالجبل له منافع أخرى من بينها إعادة الإعتبار للغطاء النباتي الذي فقدنا منه اكثر من ستين بالمئة منذ بداية القرن العشرين والى اليوم. 
هذا سيمكننا من استغلال الأراضي الموجودة في السفوح الجنوبية والشرقية الأطلسيين المتوسط والكبير،،وحين نهتم بهذه المجالات فإن ذلك يستدعي تخفيف هوامش المدن من ساكنة هي أصل كل المشاكل المرتبطة بالأوضاع الأمنية والهشاشة والفقر والبطالة والجريمةالخ،،
هذا سيمكن المغرب من تحقيق اكتفاء غذائي ذاتي بل يجعل من هذه الوفرة أداة لمقايضة دول الجوار بمواقف سياسية تعزز مكانة البلد في محيطه الجهوي والإقليمي والقاري والدولي. 
ان ورش الإهتمام  بالموارد المائية وتثمينها سيحقق للمغرب والمغاربة استقرارا سياسيا نستطيع من خلاله إعادة بناء المواطن بشكل يجعله قادرا على أن يكون أداة تنموية حقيقية في المستقبل ويجنبنا مشاكل مع الجوار الذي سيعاني من شح المياه وندرتها ويعزز مكانتنا بين الشعوب.
حمدا لله على نعمة الجغرافية التي جعلت الجبال في وسط البلاد ومكنتنا من ملكية مواردنا المائية بعيدا عن اي شريك لن يكون غير جار لا يحب الخير لغيره فوالله لو كان سبو وأم الربيع ينبع في المغرب ومصبه في جهة اخرى غير المغرب لكانت قضية الوحدة الوطنية لا قيمة لها أمام مشكل تقاسم مياهنا مع هذا الجوار!!؟