السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الشكدالي: ليس هناك إفراط في منسوب الحرية بل في الاستجابة للخوارزميات التي تحث على نشر الفضائح على "يوتوب"

الشكدالي: ليس هناك إفراط في منسوب الحرية بل في الاستجابة للخوارزميات التي تحث على نشر الفضائح على "يوتوب" البروفيسور مصطفى الشكدالي
طغت المحتويات التافهة على العالم الافتراضي، الذي بات سكان العالم يقضون جزء مهنا من وقتهم، لتتحول بذلك مختلف منصات لتسهيل عملية الاتصال والتواصل ونشر الفائدة إلى عوالم مظلمة 
 يطبعها الانحلال الأخلاقي، تحت غطاء حرية التعبير، مما أثار امتعاض  كثيرين، فتعالت أصواتهم المطالبة بضرورة وضع حد لهذه النوعية من المحتويات وتشديد الرقابة على ما ينشر على تلك المواقع الافتراضية.
 وفي هذا الإطار تواصلت "
أنفاس بريس" مع البروفيسور مصطفى الشكدالي، مختص في علم النفس الاجتماعي، للإيجاد تفسير للتسيب الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي.

ما هي قراءتك للتسيب الذي بات يخيم على منصات التواصل الاجتماعي، أيعود لإفراط منسوب الحرية أم يهدف إلى تمييع معناها؟
بالنظر إلى السؤال فهو مطروح من موقف أخلاقي صرف، ففي نظري يجب أن ننظر إلى المسألة نظرة معرفية أكثر منها، أخلاقية، ما يحصل الآن وكما أقول دائما، نحن في عصر بداية الرقمنة وأننا هم الإنسان البدائي المرقمن، نحن في عصر شبيه بالعصور القديمة والسابقة، نحن على مشارف دخول أو دخلنا في البدايات الأولى لعصر الرقمنة، التي تشتغل عن طريق الخوارزميات، بمعنى أنها برمجت سلفا لتوهم مستعملها بالحرية ولكنها تنتظر استجابة معينة لأنها بمثابة مثير، هذه الاستجابة غالبا ما تكون في شكل ماهو حميمي وفضائحي، لإثارة انتباه الأغلبية، وهو ما لايمكن أن يتحقق بالاعتماد على الثقافة والمعرفة، التي تعنى بها الأقلية، فمنطق إثارة انتباه الآخرين بأشرطة فضائحية، يدخل في صميم البرمجيات لأن المسألة هنا هي مسألة تجارية،  بهدف الترويج لسلع ومنتوجات معينة بالدرجة الأولى، وبالتالي تشرك حتى ذلك الذي يستعمل حميميته وكل ما هو فضائحي في هذا الجانب حتى يصلون إلى نسب مشاهدة مرتفعة، للحصول على مقابل نقدي عن تلك المشاهدات في مواقع التواصل الاجتماعي سواء في "يوتوب" أو "إنستغرام" أو "تيك توك"...
فالمسألة هنا لا تتعلق بالحرية، فالمفهوم الفلسفي لهذه الأخيرة يعني المسؤولية، لأن من يكون حرا لا يهدم حرية الآخرين، هناك فوضى معينة في هذه المواقع، لأنها توهم الآخرين بالفردانية وبالحرية، بينما في لا وجود لكلاهما في الواقع، لأنك تقوم بأفعال متشابهة، كالسيلفي مثلا، الذي أضحى سلوكا يستعمله جل رواد هذه المواقع، كما أنه كلما كنت فضائحيا و"تافها"، كلما كان لك جمهور، يمكننا تشبيهه ب "الذباب"، الذي يجتمع على النتانة، على عكس النحل الذي يتجمع على الأزهار والورود، فهذه الإمكانيات التكنولوجية، أعطت للناس جميعا، وهي ليست نظرة احتقارية، هذا واقع، لأنها برمجيات برمجت بالأساس للحشد الافتراضي، وليس فقط للأفراد يقومون بنشر غسيلهم على هذه الوسائط، ولكن لاستمالة هؤلاء الآخرين بمشاهدة ما ينشرونه، من محتويات "منحطة".
ففي اعتقادي يجب أن نخرج من النظرة الأخلاقية إلى النظرة المعرفية، حتى يمكن أن نفهم كيف أن هذه المواقع الاجتماعية الرقمية أصبحت تساهم بشكل أو بآخر في التنشئة الاجتماعية للشباب، بل أكثر من ذلك أصبحت تشكل حتى هويتهم، وبالتالي كل ما هو فضائحي يصبح مغريا وبالتالي كلما كنت كذلك، كلما كان لك جمهور معين وحصدت متابعة، إذن ليس هناك إفراط في منسوب الحرية بل هناك إفراط في الاستجابة للخوارزميات التي تحتك على نشر كل ماهو لاشعوري، فحتى اللاشعور  والمكبوث الجنسي، أضحى يفرز داخل المنصات الرقمية. 
 
من يتحمل المسؤولية، صناع المحتوى أم المتلقي؟
أنا لا أبحث عن من يتحمل المسؤولية، لكن المسألة كلها مرتبطة بالمجتمع الرقمي وبالخوارزميات، لأنه عندما نتحدث فقط عن مجتمعنا ننسى أن هناك مجتمع مرقمن وسلوكات متشابهة في أمريكا وألمانيا وفرنسا والمغرب وغيرها.
لربما هناك خصوصيات لكل مجتمع لأن هذا المجتمع الافتراضي يعيد تشكل الثقافة المحلية بطريقة رقمية مثلا عيد الأضحى يصبح الخروف موضوع للسيلفي والموت الذي كان بالنسبة لنا شيئا مقدسا، بات الآن يصور، وبالتالي حينما نبحث عن تحميل المسؤولية، فنحن لازلنا في موقف أخلاقي، لذلك أعتقد أن المسألة مرتبطة أساسا بالمعرفة، إذ إن لم نعرف ما هي خصائص هذه التكنولوجية وكيف أنها تستعمل خورزميات كمثير معين على المستوى السيكولوجي، ليخرج هذا المستعمل بلا شعوره وبحميميته ليعرض نفسه على الناس، ليصبح مشهورا داخل هذه المواقع، بينما هو لا يكتسب شهرة في الواقع، فهو في الحقيقة يشهر بذاته، وفي بعض الحالات يصيب حتى مرتكزات معينة داخل المجتمع، لأنه كلما كان الممنوع داخل المجتمع محظورا يصبح موضوعا ل "البوز" وللنشر وموضوعا للتعامل بهته الطريقة أو تلك حتى يمكن أن نثير انتباه الآخرين.
فالمسؤولية إذن في اعتقادي هي مسؤولية معرفية، هناك تقصير على مستوى الفهم والتفسير، وطبعا أنا لا أبرر تلك السلوكات، لأنني أريد أن أفهم وأفسر، فإذا أردنا التحدث عن هذا الموضوع يجب أن لا نظل في غفلة عن ما يرافق كل ذلك على مستوى الإدراك والفهم وعلى مستوى استعمالاته من هنا وهناك، لذلك لا أدعو إلى مراقبة هذه التكنولوجية، بقدر ما أدعو إلى فهمها والتوجيه على المستوى التربوي والمعرفي، لأنه إذا كان هناك مسؤولية في الواقع، فهي مسؤولية يتحملها الباحثون والمربيون، والمتبقي طبعا من تلقاء نفسه سيبحث عن الفضائح، فمثلا نسبة مشاهدة محاضرة تربوية لباحث ما ستكون قليلة ولا تقارن بنسبة المشاهدة عندما يكون اسم ذات الباحثون مقرونا بكلمة فضيحة، لأن ما يغري الناس هو الجانب الحميمي والفضائحي، وتلك طبيعة المجتمعات، فهذه الأخيرة لربما تحكمها أفكار مسبقة يتلدد برؤيتها ويتابعها ويستنكرها في آن واحد، أي أنه في الواقع المسؤولية في طريقة الاستعمال والفهم والتفسير، وكذا المتابعة المعرفية والثقافية لما يحصل.
 
ما موقفك من الحملات المطالبة بضرورة التدخل العاجل لوقف المحتويات التافهة وتشديد الرقابة المحتوى الإلكتروني؟
أرى أنه في بعض الحالات كشيء آني ولحظي، لابد أن تكون بعض التدخلات، لأن هناك أشياء مقززة وأشياء تتجاوز المنطق وتتجاوز المعترف به جماعيا إلا أن ذلك غير كافي، لأن المجتمعات لا تتغير بالقوانين بقدر ما تتغير بالتربية، إذن أن نحاسب أو نقوم بإيقاف من يقومون بذلك، يبقى غير كافي، إذ يجب أن تكون هناك خطط أخرى موازية، لأن كل الإعلام يتحدث بطريقة مناسباتية حينما يحصل مشكل معين، ويصبح واضحا للعيان، إذ يجب أن تكون متابعة استباقية لا على المستوى المعرفي والتربوي وعلى المستوى التعليمي والتحسيسي، لأن الإعلام حينما يتناول قضايا خرجت عن السيطرة، لأنها أصلا كانت تهدف لخلق ضجة وجذب الانتباه، وبتناولها يصبح هو كذلك في منطق "البوز"، إذ يجب أن تكون لنا استراتيجية معينة بما فيه
فيها ما هو زجري، ولكن ليس فقط على المدى القريب، بل أيضا على المدى المتوسط والبعيد، حتى يمكن أن نصل بمحتوياتنا الإلكترونية والرقمية إلى مستويات معينة يستفيد منها الناس، ويخرج عن كل ما هو "روتيني اليومي" أو رقصات "التيك توك"... فكل ذلك ليس مجرد عرض لذات ويذهب أبعد من ذلك ليصيب عرض الناس.