الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: "لماذا أمعنت "الشروق" في المس بالاحترام الواجب للملك" (7)

الطيب دكار: "لماذا أمعنت "الشروق" في المس بالاحترام الواجب للملك" (7) الطيب دكار ولوغو قناة الشروق التابعة للعسكر الذي يتحكم أيضا في صحافة الجزائر
يؤكد الطيب دكار، الصحافي الخبير في الشؤون السياسية والإعلامية الجزائرية، أنه كلما كانت العلاقات متوترة بين المغرب والجزائر، كما هو  الشأن حاليا، كلما كان الأمل ضعيفا في أن تحرك السلطات العمومية في الجزائر الإجراءات الديبلوماسية والقانونية ضد تلفزيون الشروق الجزائرية، وذلك في أعقاب بثها لبرنامج ساخر يسيء إلى شخص الملك محمد السادس.
"فبالعودة إلى سابقة أخرى تخص الصحافة المكتوبة الجزائرية، في تسعينيات القرن الماضي، حين كانت العلاقات بين البلدين على ما يرام، قدم وزير الاتصال الجزائري اعتذارا رسميا للمغرب، واستصدر قرارا بطرد صحافية جزائرية من يومية "المساء" الناطقة بالعربية، حيث تم تقديمها كصحافية مبتدئة لتبرير وقوعها في خطأ مهني جسيم؛ فقد أوردت تلك الصحافية، آنذاك، تصريحات افترائية وتشهيرية ضد الملك الراحل الحسن الثاني كان قد أدلى إليها بها  شقيق الديكتاتور السابق هواري بومدين، بمناسبة ذكرى وفاته. بيد أن هذه الحكاية لم تستمر طويلا إذ سرعان ما استعادت الصحافية المذكورة عملها، بعد تصريح للملك الراحل أدلى به للصحافة الأجنبية، والذي أعلن من خلاله أنه كان يتمنى أن تذهب تجربة الإسلاميين إلى أقصاها، وذلك بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الانتخابات التشريعية في دجنبر 1991. وقد تسبب هذا التصريح في ضجة في الجزائر على المستويين السياسي والإعلامي"، يقول المؤلف.
وعاد الطيب دكار، إلى واقعة الشروق، ومعه "سقطات الإعلام الجزائري الموالي للنظام العسكري الحاكم ومحاولاته المستمرة في بث السموم"، وقال: "رغم أن القانون الجزائري يُجَرِّم الإساءة إلى رؤساء الدول الأجنبية، فبالأحرى الجارة، فهناك أمل ضعيف في أن تحرك الحكومة الجزائرية أي متابعة لإقامة دعوى ضد تلفزيون الشروق، في سياق الأزمة والتوتر بين البلدين".
أما بالنسبة لاحتمال اللجوء إلى العدالة من طرف السفارة المغربية، فمن الأرجح بأن هذا المسعى سيكون بدون فائدة، كما هو الشأن لاحتمال  التوضيح أو حق الرد. فهذه الإجراءات يتم التغاضي عنها في الجزائر حين يتعلق الأمر بالمغرب. لقد انتهكت الشروق، بلا شك، الاتفاق الضمني بين البلدين، في ما يخص "الاحترام الواجب لزعيمي الدولتين".
وكانت قناة "الشروق" الجزائرية، المعروفة بعدائها الشديد للمغرب وموالاتها العمياء لحكام قصر المرادية العسكريين، قد بثت حلقة من برنامج "ويكند ستوري" (قصة نهاية الأسبوع) الساخر، صور الملك  محمد السادس في هيئة دمية حاورها مقدم البرنامج، وسألها بسخرية فجة ومتحاملة حول الوضع في المغرب وملف الصحراء إضافة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقد أثار هذا الفعل غير المسبوق موجة من الاستنكار الشعبي الذي أعرب عن غضبه من سقطة "الشروق" وإمعانها في المس بالاحترام الواجب للملك. كما عبرت الطبقة السياسية عن استيائها الكبير من هذا الاندحار الأخلاقي والإعلامي الذي وصلت إليه صحافة العسكر، بل إن "النقابة الوطنية للصحافة المغربية"، عبرت، في بلاغ لها، عن استغرابها الشديد من مضمون المادة الإعلامية التي استهدفت المؤسسة الملكية ورمزها العاهل محمد السادس في قناة "الشروق" الجزائرية. وقالت إنها "إذ تستنكر بأشد العبارات هذه الإساءة وهذا التطاول المتعمد لهذه القناة التي رسمت حدود التعبئة الرسمية لاستهداف المغرب ورموزه بأسلوب يفتقر لأبسط الضوابط المهنية، تدرك جيداً أنه سلوك لا يعبر، لا من قريب أو بعيد، عن مواقف الشعب الجزائري الشقيق الذي أكد، في أكثر من محطة، عن احترامه الشديد وتقديره البالغ لشخص جلالة الملك كأحد القادة الذين يسعون لتحقيق تقارب الشعوب وتثبيت مرتكزات السلم والأمن والتقارب والاحترام المتبادل وحسن الجوار". 
واعتبرت النقابة، في بيانها، أن وصول الإعلام الموجه نحو درجات الإسفاف والاستعداء مؤشر خطير على وضع الشعب الجزائري في زاوية الاستسلام لأجندة الإلهاء عما يجري حقيقة داخل بلد جار يستحق شعبه أن ينعم بحياة فيها ما يسعده ويسمح له بتفجير طاقاته لبناء محيط إقليمي متساكن ومنتج للتنافسية، لا حشره لإنتاج الحقد والضغينة استعداداً لدفعه نحو محرقة التطاحن وسفك الدماء".  كما استغربت اعتماد منبر إعلامي جزائري وسيلة للتعبير الأكثر استدعاء للإبداعية والجرأة لمهاجمة المغرب دون وجود ما يعلل ذلك، في الوقت الذي تصوم فيه عن الخوض في مشاكل البلاد التي تعيش أكثر درجات الاحتواء والاستبداد، ويحتاج فيه الشعب الجزائري لإعلامه المستقل والنزيه لمواجهة كل أشكال الظلم. 
وقرييا من "الإساءة المنحطة" لقناة "الشروق"، وهي مجرد قطعة مكشوفة في ماكينة البروباغاندا الجزائرية، قال دكار، في كتابه ""الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب: "إنني لا أحتفظ في ذاكرتي، على امتداد عشر سنوات عشت فيها بالجزائر، على مرحلتين، بمقال واحد نشرته الصحافة الجزائرية يتحدث بشكل إيجابي عن المغرب، رغم أن العلاقات السياسية والديبلوماسية كانت على ما يرام، ولو لمدة قصيرة بعد تطبيع العلاقات بين البلدين سنة 1988. بل أتذكر بالمقابل أن صحافيا جزائريا كان صديقا لي جاء إلى الرباط، بدعوة مني، للمشاركة في يوم دراسي (INFOCOM) نظمته وزارة الإعلام والاتصال في بداية 1990، وحين عاد إلى الجزائر قدم إلى مدير الصحيفة مقالا مكتوبا، غير أن هذا الأخير  طلب منه إضافة إليه جرعة من الانتقادات ليتمكن من نشره. وتبعا لذلك، أخبرني ذلك الصديق، الذي ترك مهنة الصحافة بصفة نهائية، أنه كتب ليُنْشَر المقال أنه بعد نهاية أشغال اليوم الدراسي دُعِي جميع الصحافيين للسهر في علبة ليلية بالرباط"!
وأضاف المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالجزائر العاصمة قائلا: "يجب أن نتذكر أنه بعد تطبيع العلاقات بين البلدين، تمت دعوة وفد من الصحافيين الجزائريين إلى المغرب، في سياق تبادل الزيارات الثنائية لتغيير "الكليشهات" التي يحملها هذا الطرف أو ذاك عن الآخر، والتخفيف من الحملات الدعائية العدائية. وقد عبر هذا الوفد عن رغبته في لقاء الملك الراحل الحسن الثاني. وهو ما حصل. بيد أن هؤلاء الصحافيين تجرأوا، كما لو كانوا قادمين للتو من كوكب المريخ، على سؤال الملك حول ما وصفوه بالوضعية الخطيرة للفلاحين الذين، في نظرهم، لا يتمتعون بأي ربط بالشبكة الكهربائية.  فكان أن رد العاهل المغربي على هذا السؤال بنبرة ساخرة، قائلا "إذا كان الفلاحون غير مرتبطين بشبكة الكهرباء، فإنهم سيكونون الآن سعداء ويحرثون الأرض بتفان". 
وتابع الطيب دكار: "بكل تأكيد، لقد سجلنا، في بداية التطبيع، ظهور صحيفة أسبوعية بالجزائر العاصمة، تحمل عنوان "ماغ 7"، والتي خصصت، في عددها الأول، ملفا حول العائلة الملكية في المغرب، كما نشرت على صفحتها الأولى صورا للأمراء والأميرات بالألوان. وقد اختار مدير تلك الصحيفة، التي لم يمولها المغرب أو يدعمها- خطا تحريريا يتبنى ويشرح الموقف المغربي من قضية الصحراء. لكنه استدعي، في وقت ما، من طرف وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية التي حثته على وضع حد لهذا الخط التحريري المضاد لخيارات السياسة الخارجية للجزائر (خيار العداء للمغرب وسياسته ووحدته الترابية). تلك إذن تجربة قتلت في المهد، هذا في الوقت الذي هرب، آنذاك، مجموعة من الصحافيين الجزائريين من بلادهم نحو المغرب، خوفا من تهديدات الإسلاميين، وتمكنوا من الاشتغال في صحف مغربية، بينما يستحيل على الصحفيين المغاربة" بحكم أنهم مراركة"، العمل في الصحف الجزائرية التابعة ل "بيت الصحافة" (الممول من طرف العسكر الجزائري)، ذلك أن جنسية "المراركة" تسبب القلق لجيراننا، يقول الطيب دكار.