الجمعة 29 مارس 2024
ضيف

عبد اللطيف هلال: معظم وزراء الثقافة تنكروا لوصية الراحل الحسن الثاني

عبد اللطيف هلال: معظم وزراء الثقافة تنكروا لوصية الراحل الحسن الثاني

الممثل والمسرحي عبد اللطيف هلال من الفنانين المقتدرين الذين رسموا صورة راسخة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، شارك في أيام نهضة المسرح المغربي في عدة ملتقيات ومهرجانات دولية وعربية، وعاش نشوة تتويج وتألق المسرح المغربي أمام عمالقة المسرح العربي، رفقة العديد من الفنانين المسرحيين المغاربة الكبار، الذين جمعهم وإياه حب المسرح وجدية الاشتغال داخل الفرق الاحترافية. يتحسر على الصورة الباهتة التي أضحى عليها أبو الفنون ويذكر أسباب انتكاسته، مسترجعا ذكريات الماضي ساخرا من الحال المقلق الذي آلت إليه الثقافة. 

 

حاوره: رشيد صفر

 

+ متى كانت بدايتك الفنية على مستوى الاحتراف؟

- أكثر من 40 سنة في الميدان الفني، والميول بدأ منذ الدراسة. التحقت سنة 1964 بمسرح الهواة، وتنقلت بين العديد من الفرق إلى أن استقر بي الحال سنة 1967 بالمسرح الاحترافي بعد مغادرتي لميدان التعليم. كنت أشارك في التشخيص ضمن فرق مسرحية لديها مشروع مسرحي، بعد أن أدرس الدور المقترح وينال إعجابي. بعد هذه الفترة التحقت بفرقة المعمورة، ثم تلتها تجربة مسرحية فريدة رفقة الطيب الصديقي.

+ التحاقك بفرقة الطيب الصديقي كان على مستوى التمثيل أم التكوين وتنمية القدرات الفنية المسرحية؟

- دعاني الطيب الصديقي للعمل بالفرقة كممثل، لكن صراحة في مسرح الصديقي تعلمنا الكثير.. وقد ركزت في كلمة ألقيتها بمناسبة تكريمه مؤخرا بالرباط، على أن عناصر فرقة الطيب الصديقي كانوا لا يتعلمون فقط التمثيل، بل أيضا تقنيات الديكور والملابس والإكسسوار والموسيقى والرقص.

+ شاركت مع فرقة الصديقي في مهرجان «دمشق» أمام عمالقة المسرح العربي سنة 1973 حدثنا عن هذه التجربة؟

حصلنا في هذا المهرجان على الجائزة الأولى، أمام فرق مسرحية من مصر وسوريا والعراق والكويت.. وقدمنا مسرحية «مقامات بديع الزمان الهمداني»، وكنت أشخص فيها دور «عيسى بن هشام». كانت فرقتنا المسرحية هي الأصغر من حيث العدد والسن، كنا 11 عنصرا، ضمنهم تقنيان، في حين كانت فرقة المسرح الكويتية الحاصلة على الجائزة الثانية تضم أكثر من 30 عنصرا، أما فرقة المسرح القومي (مصر) فكان عدد أفرادها أكثر من 200، ضمنهم أسماء مسرحية كبيرة كالفنانة المسرحية سميحة أيوب والموسيقار عبد الحليم نويرة.

+ كيف تم استقبالكم في المغرب بعد العودة بالجائزة الأولى في مهرجان دمشق سنة 1973؟

- (يضحك) ذكرتني بلحظة عودتنا من المشاركة بمسرحية «تمرين الأكباش» في مهرجان بالجزائر، والتي كانت قد استغلت هذا المهرجان لأهداف سياسية، وقد بقينا حينها في النهاية رفقة السنغال أو السودان، وتمت إعادة العرضين المتنافسين مرة ثانية ليتم حرمان الفرقة المغربية بشكل مكشوف من الجائزة الذهبية. وقد حضر لهذا المهرجان رئيس الجزائر آنذاك الهواري بومدين، وبعد عودتنا للفندق دعانا مديره لحفل احتفالي على شرفه شارك فيه جوق مغربي.. ولما عدنا توقف القطار بفاس، حينها سمعنا من البعض من من كانوا في انتظارنا أننا مطرودون بسبب ذلك الحفل. لم نكن كلنا موظفين في وزارة الشبيبة والرياضة، تلقينا اللوم والعتاب من بعض المسؤولين وقيل لنا «أرسلناكم مربين وفنانين... فشربتم الخمر وشاركتم في الموسيقى والرقص»، ففسرنا لهم بأنه حفل احتفائي فقط، ولكن دون جدوى.

+ تشتغل الآن مع بعض الممثلين المغاربة كالحسين بنياز ومحمد بسطاويوبنعيسىالجيراري وآخرين على إعادة مسرحية «كاري حنكو» التي تعتبر من بين أجمل المسرحيات التي لعبت فيها دور البطولة سنة 1991، كيف ترى النسخة الجديدة لها؟

- كانت ظروف الاشتغال المسرحي جيدة جدا.. حقيقة صادفت إعادة النسخة القديمة لمسرحية «كاري حنكو» في إحدى القنوات المغربية، ولم أشعر إلا ودموعي تنزل، بكيت وبكيت... هذه المسرحية غير محظوظة، وهي ضحية صدام حسين، إذ قدمنا 11 عرضا، وخلال غزو صدام للكويت توقفت عروضها بدعوى أن «خوتنا العرب كايموتو». لم أستسغ هذا الأمر.. المسرح بالنسبة لنا عمل ومهنة. قلت حينها، ومازلت أكرر، إذا كنتم ستوقفون المسرح بسبب غزو صدام للكويت أوقفوا أيضا الرياضة والتعليم والصيد وكل المهن، لماذا المسرح فقط. للأسف توقفت المسرحية في تلك المحطة وتفرقت عناصر الفرقة كل في اتجاه البحث عن قوت اليوم.

+ إذا كان غزو صدام للكويت أوقف المسرح في تلك الفترة الزمنية، فما الذي يوقف المسرح المغربي اليوم ومن يقف أمام استعادته لأمجاده؟

- المسؤولون عن المسرح هم سبب ركوده وتوقف عجلته.. المسارح موجودة، والجمهور متعطش للفرجة المسرحية.. المسرح يلزمه قرار سياسي. أتذكر أن المرحوم الملك الحسن الثاني أمر أن تخصص نسبة 1 % من قيمة مبلغ الضريبة على القيمة المضافة لدعم المسرح والثقافة، كما كان قد أمر بإنشاء فرقتين مسرحيتين في كل جهة.. 7 جهات آنذاك كانت ستفرز 14 فرقة مسرحية.. وكان الحسن الثاني قد سأل الطيب الصديقي عن ميزانية فرقة مسرحية خلال السنة، فلم يستطع الصديقي تقدير الثمن لصعوبة ذلك. فقال المرحوم الحسن الثاني 200 مليون أو 300 مليون؟ فأجاب الصديقي بنعم. كانت بادرة الملك ستعطي دفعة قوية للمسرح، لكن تعذر تطبيق هذه الخطة، لأنه كنا كلما توجهنا إلى مسؤولين بالجماعة وطلبنا الدعم يُقال لنا قرار نسبة 1 في المائة أمامنا، لكن من له الحق في الاستفادة منه؟ كل الوزراء الذين تعاقبوا على الشأن المسرحي والفني لم يقوموا بالواجب للنهوض بالقطاع، باستثناء البعض القليل منهم كمحمد العلوي الذي شجعنا على التكتل لتنفيذ قرار 1 في المائة بتأسيس النقابة الوطنية للمسرح، والوزير محمد الأشعري الذي تعاون مع النقابة. لكن للأسف برزت مشاكل قانونية في تطبيق أمر الملك الحسن الثاني لدعم المسرح والثقافة آنذاك وكانت المهمة بين يد وزارة الداخلية والجماعات المحلية.

+ في الدول الأوروبية الأحزاب التي يتقدم مشرحوها للانتخابات تركز على الأهداف الرامية إلى النهوض بالثقافة وتشجيع الفرجة الفنية والثقافة، لماذا لا نجد مثل هذه الأمور بالمغرب؟

- (يضحك) إذا وصلنا إلى هذا المستوى سياسيا، سنحمد الله ونشكره. كنا في الماضي نقدم أعمالا للتلفزة فيتم قبولها أو رفضها، اليوم تقدم العمل للجنة القراءة فلا يوافقون عليه ولا يقولون لك السبب كي تعيد مراجعته و«تستفيد من ملاحظاتهم».. الوزير الحالي مصطفى الخلفي زاد في الطين بلة بعد إحداث دفاتر التحملات، أنا ضد هذا الإجراء.

+ (مقاطعا) لماذا ترفض دفاتر التحملات؟ يُقال إنها ستنظم القطاع وتجعله يرتقي للمستوى المأمول؟

- نحن فنانون لا نشتغل في بناء منازل السكن أو «السوبيرمارشي».. لم ينتج عن دفاتر التحملات سوى تعقيد أكثر للوضعية. كي تشتغل يجب أن تقدم العمل في عدة نسخ، ويجب أن تحتضن العمل شركة إنتاج برأس مال كذا وكذا.. اليوم التلفزيون المغربي راكَد. قبل دفاتر التحملات قدمت مشروعين دون جدوى. حقيقة الوضعية تبعث على اليأس. أنا شخصيا أصابني العياء والإحباط جراء ما نعانيه من توقف عجلة الثقافة والتلفزيون. طرقنا كل الأبواب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لقد عايشت فنانين عربا يتلقون الدعم والتشجيع من بلدانهم كالكويت ومصر وتونس.. نحن لا نطلب إلا ما نستحقه.