الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

سعيد أهمان: هذه أعطاب تنزيل برنامج التّربية الدّامجة وهذه مداخل الحلّ لتحقيق النجاعة وتسريع الوتيرة

سعيد أهمان: هذه أعطاب تنزيل برنامج التّربية الدّامجة وهذه مداخل الحلّ لتحقيق النجاعة وتسريع الوتيرة سعيد أهمان
دخل المغرب منذ ثلاث سنوات في تجربة التربية الدامجة وهو المطلب الذي كان قد رفعه العديد من الحقوقيين، وخاصة بالنسبة للذين يدافعون عن الأطفال في وضعية إعاقة، لكن الطريق نحو التربية الدامجة لم يكن مفروشا بالورود، إذ أن العملية شابتها مجموعة من الاختلالات، ما يجعل مسلسل التربية الدامجة لا يزال طويلا لكي يحقق كل أهدافه. 
" أنفاس بريس" حاورت سعيد أهمان، مؤلّف كتاب "المداخل الأربعة لتنزيل التّربية الدّامجة بالمغرب"، بخصوص الموضوع:
 
 
بعد ثلاث سنوات من تنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة. ما تقييكم لما تحقق؟
ما ينبغي التأكيد عليه هو أن ثلاث سنوات من التنزيل المؤسساتي للتربية الدامجة لا يمكن أن تجبر عقودا من الإهمال التربوي والتواطئ المجتمعي، وسط مؤامرة الصمت الجماعية التي كان فيها الأطفال في وضعية إعاقة محرمون من حقهم التربية والتمدرس، حيث يعانون وتعاني معهم أسرهم وما تزال من حق الولوج إلى المدرسة وتوفير الميسّرات لاندماجهم السّلس والإنسيابي في المنظومة التربوية، وفي كل الأسلاك التعليمية.
ما تحقق في الميدان، وفق أرقام الوزارة خلال الثلاث سنوات الماضية، على المستويين الكمي والكيفي، ما يزال دون الطموحات والإنتظارات، سواء في توسيع العرض المدرسي، حيث أن رهان 20 في المائة كل سنة من المؤسسات الدامجة تعثّر ولم نصل بعد مرور هاته السنوات إلى مؤشر يتراوح بين % 60 و % 80 ، أي نحو 8000 مؤسسة تربوية دامجة. كما أن وثيرة تكوين المدرسين والأطر الإدارية، خاصة في السلك الابتدائي ما تزال ضيقة لا تتعدى في أقصاها سنويا 6000 إطار ، وهو ما يستلزم 10 عاما لتكوين جميع الأطر في مصوغة صارت اليوم متقادمة ولا تفي بالمطلوب أمام الصعوبات البيداغوجية التي يواجهها المدرسون في الأقسام الدامجة وفي قاعات الموارد للتأهيل والدعم. كما أن التمييز الإيجابي لهؤلاء الأطفال في استفادتهم من خدمات الدعم الاجتماعي لا يتعدى أقل من 1 % من مجموع التلاميذ المحصيين، فضلا عن أن استفادة الأطفال في وضعية إعاقة من خدمات التّدخل الطبي والشبه الطبي، والنفسي الاجتماعي، والسيكومعرفي لا يلبي سوى حاجات أقل من 30 % من أرقام الوزارة المصرّح بها لهؤلاء الأطفال بجميع الأسلاك.
ويبقى الأهم من ذلك هو أننا لم نصل بعد إلى أن يكون عدد الأطفال في وضعية إعاقة بالمنظومة التربوية يجسّد المعدل الوطني (% 6,8)، أمام عوائق استمرار تمثلات الرفض والمقاومة الداخلية من قبل الفاعلين داخل المنظومة التربوية في استقبال هؤلاء الأطفال وتسجيلهم رصدته عدد من التقارير والهيئات وكانت مثار شكاوى عديدة من الجمعيات والأسر، ما يعني أن التعبئة المجتمعية في هذا المجال تحتاج لعمل ميداني متواصل ومسترسل وباستمرار حتى تتغير العقليات وتعي أن هذا حق الطفل في وضعية إعاقة وليس إحسانا.
 
 لكن الوزارة أرست هياكلها الممركزة والاممركزة عبر قسم ومصالح جهوية ومكاتب إقليمية من أجل تنزيل مؤسساتي للتربية الدامجة. ألم يكن ذلك كافيا لتسريع الوثيرة وتحقيق النجاعة في الأداء؟
بالعودة إلى القرار الوزاري عدد 19/047 بشأن التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة للتنزيل السلس بما يحقق أهداف المشروع الوطني للتربية الدامجة، تم توصيف المهام الجديدة بقرارات وهيكلة معدلة وموارد مالية ومادية وبشرية جديدة، حيث دعا القرار الوزاري لـ"توفير شروط التنفيذ الناجح وتحقيق النجاعة في التفعيل، مما يتعين الحرص على تعزيز آليات التواصل والتحسيس حول الموضوع ، باستهداف الهيئات التربوية والإدارية والتقنية وشركاء المؤسسة وجميع المتدخلين في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، لاسيما آباء وأمهات وأولياء التلميذات والتلاميذ ، فضلا عن الإنفتاح على وسائل الإعلام بمختلف أصنافها. غير أن واقع الحال اصطدم بمعيقات، بعضها ذاتي ناجم عن عدم قدرة الفاعلين أنفسهم على بلورة خطط وبرامج عمل بمؤشرات واضحة قابلة للتحقق والأجرأة، وآخر ناجم عن بيئة الإشتغال التي تحتاج في الكثير من المواقع لاستعادة الفهم والإدراك وترتيب الأولويات. وهو ما يتطلب الانطلاق من حصر حاجات التلميذ في وضعية إعاقة وحاجياته داخل الفصل الدراسي، وفي المؤسسة التربوية، لأن تمدرسهم يستلزم أولا التربية قبل التعليم أو التلقين (بسان العصر) لهذا أطلق عليها "التربية الدامجة". فهي تمارس عمليا، ولا تتمّ بالمراسلات والإرساليات ونحويهما. فلا يعقل أن لا يتوفر كل طفل في ربوع بلاد المغرب على مشروع تربوي فردي ونقول بأننا نباشر "الربية الدامجة". فهذا هو الجوهر الناظم والآلية البيداغوجية المفقودة في المئات من المواقع التربوية. فلن يتم نفاذ الإصلاح والتّغيير التربوي ذي الأثر، من دون إدماج هؤلاء الأطفال في منظومة تربوية موحّدة وموحّدة منصفة دامجة فعليا ليس على الأوراق فقط وبأرقام لا تعكس واقع الحال الذي يئن منه هؤلاء الأطفال ومعهم مدرسون وأطقمهم الإدارية والفاعلون والشركاء، إن وجدوا، لأن كل هذا النظام المتكامل يحتاج لعمل تشاركي وجهد جماعي تجسده الإلتقائية في التدخلات داخل القطاع ومع شركاءه من هيئات وقطاعات حكومية وغيرهما، وليس "شي يشرّق وشي يغرّب" كما يقول المثل الشعبي الدّارج.
أسئلة من قبيل لماذا لا يتم تفعيل اللجن الجهوية لتتبع تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة ونظيرتها الإقليمية والمحلية؟ أين مشروع القسم الدامج والمؤسسة الدامجة والأكاديمية الدامج؟ لماذا لم تتغير عمليا قاعة الموارد للتأهيل والدعم فتغير الإسم فقط؟ لماذا لا يتم إدماج الأطفال في أنشطة الحياة المدرسية بما يحقق الإنصاف؟ أين تكييف المراقبة المستمرة فعليا وعمليا في الممارسات الصفية؟ هل الفريق المتعدد التخصصات مفعل عمليا؟..وغير ذلك كثير.
 
 لكن، هناك إطار يلمّ كل ذلك ضمن مشاريع القانون الإطار 51.17 الذي يعد إطارا تعاقديا ملزما للجميع من أجل تفعيل مضامين هذا البرنامج الوطني وإرساء مدرسة الجودة والانصاف والإرتقاء بالفرد والمجتمع. كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟.
لقد حان الوقت لأن نشمّر على سواعدنا ونعبّأ كلّ الكفاءات والموارد والطّاقات، رغم وجود موارد مالية يوفرها القطاع لم تستثمر بالشّكل الكافي ولم تبرمج بشكل رصين، وأن يكون الإنطلاق من قلب المؤسّسة التربوية بما يلبّي حاجات هؤلاء الأطفال ليتحقّق إدماجهم واندماجهم بشكل سلس وناعم.
مسار التربية الدامجة اليوم وغدا شاق، ينبغي أن يبدأ من التعبئة الجماعية للفاعلين داخل القطاع، وحشد شركاء حوله بما يتلاءم وانتظارات الأطفال في وضعية إعاقة وأسرهم، وتطوير عدة التّكوين الحالية التي صارت متجاوزة، وحتّى طرق تقاسمها لم تعد تلبّي حاجات المدرسين البيداغوجية والصّفية والمهنية.
لقد مرت ثلاث سنوات ولم يتمكن المغرب بعد من بلورة مخطط وطني متكامل للتربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة، ضمن مختلف مكونات المنظومة، قوامه تعزيز وإرساء تكوينات مهنية وجامعية متخصصة في مجال تربية هؤلاء الأشخاص وتكوينهم، والسهر على تتبع تنفيذه وتقييمه، كما تنص على ذلك مقتضيات المادة الـ25 من القانون الإطار. وهذه مناسبة لنهبّ جميعا من أجل تسريع الوتيرة وضمان النّجاعة في الأداء بالتقائية التدخلات بعيدا عن البحث عن مواقع والتّهافت على كراسي المسؤولية والتقاط صور هنا وهناك، والصّدح بخطاب لا يتعدى الحلقوم، من دون صدى وأثر في واقع لا يرتفع بلغة سمجة تنفّر ولا تعبّأ، فتعثّر تربية وتمدرس هؤلاء الأطفال، بل تعيد وضع هؤلاء الأطفال لسنوات الإهمال واللامبالاة والإقصاء والتمييز، وهو أنين يحترق به من كان في قلبه لوعة على آلاف أطفال في وضعية إعاقة ما يزالون محرومين من حقّهم في التّربية والتمدرس.