الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: على ضوء العرض السياسي لإدريس لشكر في جهة الدار البيضاء.. البيعة والديمقراطية في العملية الانتخابية

وحيد مبارك: على ضوء العرض السياسي لإدريس لشكر في جهة الدار البيضاء.. البيعة والديمقراطية في العملية الانتخابية وحيد مبارك
حرص الأستاذ ادريس لشكر يوم الجمعة الأخير على أن يقف عند نقطة جد دقيقة وبالغة الأهمية، وهو يخاطب الاتحاديات والاتحاديين بجهة الدارالبيضاء سطات بمناسبة تقديم مرشحي الحزب في الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة عين الشق، ويتعلق الأمر بالبيعة، بكل حمولاتها، سواء منها ذات الصلة بما هو ديني أو تلك التي تنهل مما هو دستوري، في ارتباط بإمارة المؤمنين، وبمختلف جذورها الممتدة عبر الزمن، في الماضي والحاضر والمستقبل.
وأكد الكاتب الأول للحزب في عرضه السياسي الشامل أمام مسؤولي ومناضلي الجهة على قوة ومتانة البيعة التي تجمع المغاربة بالعرش، والتي مكّنت من تقوية المغرب وتمنيعه وجعلته قادرا على مواجهة كل العواصف. تأكيد قد يبدو طبيعيا وعاديا، بل ومن البديهيات، لكن قوته ستتضح أكثر حين تحدث لشكر على أن السعي لشراء الأصوات والذمم والتغاضي عن ذلك في الاستحقاقات الانتخابية هو بمثابة محاولة لإفساد هذه البيعة المتينة.
إن هذا الطرح الذي جاء به الكاتب الأول للحزب، في بعديه الشرعي والسياسي، هو سليم جدا وواقعي ومنطقي، لأن في مخالفة توجيهات أمير المؤمنين بصفته ملكا ورئيسا للدولة كذلك، كما جاء في أحكام الباب الثالث من دستور المملكة، سواء تعلق الأمر بالفصل 41 أو الفصل 42، خاصة وأن من بين ما تضمنه هذا الأخير، أن جلالته "يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي ..."، خروج عن الطاعة، وهو ما أشار إليه الأستاذ ادريس لشكر، حين شدّد على أن في استمرار سلوكات عدد من "المرشحين" أو "المسؤولين" إفساد لمتانة البيعة، لأن الأمر يتعلق بشوائب، بعض أصحابها يعصون "الأمر والتوجيه"، والبعض الآخر يزكون سلوكا تم النهي عن إتيانه، لأجل إرضاء رغبة خاصة ضدا عن المصلحة العامة.
لقد حرص جلالة الملك في العديد من الخطب الملكية على بسط خارطة طريق لمغرب الديمقراطية والمؤسسات والحقوق والعدالة، ويكفي أن نعود لبعضها لنقف وبكل وضوح على دعوة ملك البلاد وأمير المؤمنين إلى التحلي بسلوك مواطناتي قويم، يتوافق ورؤية جلالته لبلادنا، داخليا وخارجيا، كما هو الحال بالنسبة للخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب في 2015، والذي من بين ما جاء فيه " ... إن الثورة التي نحن مقبلون عليها لن تكون إلا بمنتخبين صادقين، همهم الأول هو خدمة بلدهم، والمواطنين الذين صوتوا عليهم" إلى جانب التأكيد على أن المنتخب " ... مسؤول على مصالح الناس، ولا يعمل لحسابه الخاص". كما شدد جلالته في نفس الخطاب على أن " ... التصويت لا ينبغي أن يكون ... لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة للمواطنين"، ثم وجه أمير المؤمنين في نفس الخطاب رسالة أخرى للأحزاب والمرشحين " إن الهدف من الانتخابات لا ينبغي أن يكون هو الحصول على المناصب، وإنما يجب أن يكون من أجل خدمة المواطن فقط".
خطاب لم يكن الاستثناء، فالتوجيهات الملكية عديدة في هذا الباب، ومن بينها ما ورد في نص الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد، حين شدد جلالته على أن " ... الإدارة التي تشرف على الانتخابات تحت سلطة رئيس الحكومة، ومسؤولية وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، مدعوة للقيام بواجبها، في ضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي". كما نبّه جلالته في نفس الخطاب قائلا " ... كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد". وأضاف جلالته " ... والفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع".
وفي نفس السياق جاء تأكيد آخر في نفس الإطار، وهذه المرة في مضمون الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب، حيث قال جلالته " ... إن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن".
دعوات وتوجيهات وأوامر، في خطابات ومناسبات عديدة، تم الوقوف عند بعضها على سبيل المثال لا الحصر، واضحة لا لبس فيها، جليّة لا يعتريها أي غموض، وغير عصيّة على الفهم والاستيعاب، لا تحتمل قراءات أو تأويلات، وإنما تتطلب الاستجابة لما تم الأمر به وتنفيذه وعدم الخروج عنه، وترك ما تم النهي عنه، وذلك بالابتعاد عن كل ما يسيء للعملية الانتخابية من توظيف للمال أو أي شكل من أشكال شراء الذمم واستمالة للناخبين، وبزجر كل ما من شأنه أن يكرس النفور وضرب مصداقية العمل السياسي وهدم الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم، وباعتماد الحياد الإيجابي، لا تبني حياد سلبي ووقوف من يمنحهم القانون صلاحيات التدخل موقف المتفرج.
إن هذه الممارسات غير السليمة، التي تعطّل عجلة التنمية، وتعترض كل الجهود التي تبذل على أكثر من صعيد، والتي تسيء لصورة البلاد، ويحاول خصومنا استعمالها كأوراق ضدنا في التقارير المخدومة تحت الطلب، هي التي يسعى أصحابها لإفساد متانة البيعة، بـ "خروجهم عن الطاعة" والبحث عن تحقيق المصالح الذاتية على حساب المصالح العليا للوطن، ومن هنا جاء التنبيه من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لأن المناسبة شرط، فلم يكن بذلك تنبيها عابرا أو خارج السياق، وإنما انطلق من قيمة اللحظة دستوريا وسياسيا ومن صميم وجوهر العملية الديمقراطية.