Friday 20 June 2025
كتاب الرأي

 إدريس الأندلسي: سلا مدينة مجاهدي البحر والبر والفن 

 إدريس الأندلسي: سلا مدينة مجاهدي البحر والبر والفن   إدريس الأندلسي
لا أدري كيف اتخذت قرارا عاديا للتجول هذا الأسبوع رفقة صديق. 
في مدينة عشقتها منذ عقود. حين بدأ مساري الجامعي،  كنت مصرا على زيارة سلا عند نهاية كل أسبوع. كان الطلبة يحجون إلى سلا لاقتناء بعض الملابس التي تقي من برد الخريف  و الشتاء. "البال" أي تلك السلع التي تأتي من القواعد الأمريكية  ومن أوروبا كانت رخيصة  وحامية من البرد القارس. وحين يحل فصل الصيف كان شاطىء سلا جاذبا لكل محبي الإستمتاع بالسباحة بعيدا عن الازدحام الذي يعرفه شاطىء الرباط.  صباح ذلك اليوم أخذتني الخطى للاستمتاع بحديقة سلا  وسوقها المركزي  و سورها التاريخي  ومقابرها التي حمت المدينة من جشع المضاربين العقاريين.  المسجد الكبير  ومقر الزاوية الحسونية  والدرقاوية  والسويقة لا زالت تحمل تاريخا قديما  ومهما بالنسبة للمغرب. صنفها المستعمر كمدينة للقرصان  وهي في الحقيقة المدينة التي كانت شعلة في مجال الجهاد البحري للدفاع عن مسلمي الأندلس  ومن ساندهم في الدول المطلة على بحر الشمال الأوروبي.  الكذب  والإشاعة  وتبخيس الدور التاريخي لمدينة سلا سكن الكثير من كتب استخباراتية صاغها "مسافرون" وجهت من اتخذوا القرار باستعمار المغرب  وتقسيمه. 
حين يستضيف بعض الأعيان  رسول نحس تم استقباله من شارع القناصلة في الضفة المقابلة،  يشعر أهل سلا بضرورة طرده  وعدم السماح له بتدنيس مدينة حملت هم الدفاع عن المغرب.  كان الوعي موجودا لدى من خبروا حيل المراسيل الأوائل  لجمع كل المعلومات عن الطرق  والأنهار والواحات والجسور و القبائل  والعائلات والدواوير  والعادات  وطرق الحرب. حين تتم قراءة المئات من الكتب - التقارير التي تتوفر الآن في كثير من المكتبات،  يتبين كيف أن معهد الجغرافيا  بباريس كان يخصص الجوائز  و المنح لمن كان يسمى بالمستكشفين  ك: بيير لوتي  ولو فيكونت " دوفوكولت" خلال تواجد فرنسا في الجزائر و  بالضبط في " للا مغنية "كنقطة انطلاق علماء المهمة الاستعمارية" في إتجاه شرق المغرب  و سلسلة جباله و امتداد سهوله. وقد أكد الكثير من أطر العسكر الفرنسي على أهمية العمل الذي قام به "دو فوكولت" في تسخير أعماله الاستكشافية لتوغل الإستعمار في المغرب. 
سلا اخافت اليوطي قبل الإستعمار  وذلك خلال مقامه بالرباط خلال القصف الأول للدار البيضاء سنة 1907. ويبين كتاب التقارير الإستعمارية على نسج علاقات مع شرفاء بعض الزوايا التي كانت تتوسل القناصل في الشمال  وفي الرباط  وموكادور  للوصول إلى المغرب. ومنهم من دعم دخول المستعمر إلى المغرب لأسباب مختلفة. لكن كتاب التقارير لم تفتهم كتابة التفاصيل وفضح كل من أظهر الولاء للمستعمر و سخر زاوية أجداده  لدعم الأجنبي المحتل لبلاده. ومن الصعب اليوم التعامل مع رسائل  وتقارير الكثير ممن خدموا الاستعمار و تولوا الدفاع عن مصالحهم غداة الاستقلال. التاريخ و الوثائق  و غيرها من الوسائل التي تمكن من القراءة الموضوعية لما سجله، تعري الكثير ممن  لعبوا على حبلين  إبان  الإستعمار  وقبله.  
ويظل الوطن رؤوفا رحيما و خصوصا ببعض الزوايا  بعض  الاعيان  والقياد الذين وضعوا أيديهم  في يد الإستعمار. ووصلت خياناتهم إلى حد المطالبة بعزل  ونفي الملك الراحل محمد الخامس. 
أسوار سلا ليست بريئة لأنها تنطق بلغة التاريخ.  وتظل هذه المدينة جميلة رغم مظاهر الفقر  والفوضى العمرانية التي أصابتها. سلا اليوم يمكن اعتبارها ذات طبيعة بدوية إذا أخذنا بالاختبار تمددها شمالا في إتجاه القنيطرة  وشرقا في إتجاه امتدادات تابريكت. 
لكل ما سبق، فضلت زيارة سلا التي أعرف  و التي أحب.  كنت أصل إليها من باب بوحاجة  وأستمتع بحي "بوسيجور" ثم أدخل إلى سوقها التقليدي  وأحيائها  الممتدة من السور إلى السور ثم إلى البحر. أتذكر مدارسها الحرة المعروفة بمدارس النهضة وأتذكر بكثير من الحب حيوية نسيجها الجمعوي في مجال المسرح و السينما  والكشفية  ورصيدها في مجال الغناء العصري وفن الملحون. 
 قيل عن سلا أنها مدينة نوم موظفي الوزارات  ولكن الأصح هو أنها جزء كبير من العاصمة  وكان من الواجب أن تنال موقعا كجزء كبير من العاصمة. ألم تحتضن مطار العاصمة ، ألم يعبرها ملايين زوار المغرب للوصول إلى الرباط.  ألم تستقبل كبار زوار المغرب الذين شاركوا في أكبر المؤتمرات و المنتديات. 
 وستضم مدينة سلا أول برج يتجاوز علوه 200 متر و يحمل إسم محمد السادس. وستشكل أكبر قطب صناعي وعلمي  وتجاري ومالي على امتداد شريط داخل غابة السنديان متوجها إلى مكناس  وطنجة. وسيظل الهيكل المعماري السلاوي الأصلي من متاحف المغرب. لو كان من الممكن سرد الوقائع  السلاوية  وشخصيات هذه المدينة لتفاجأت الكثير من الفئات الإجتماعية بمدينة سلا المجاهدة وحاملة تاريخ ثقافي وإبداعي  وصوفي  وعسكري  وتاريخي. عائلات سلا العريقة كثيرة  وكبيرة  ولها بصمات لن تمحى. وقد تصبح قريبا مركزا للإنتاج الإعلامي حيث تم إنجاز مركب يضم عدة استديوهات بالقرب من الولجة التي تضم أيضا قرية للصناعة التقليدية  ومركزا كبيرا للمؤتمرات.