الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: يا وزيرة السياحة...لن تصبحين رئيسة حكومة 

إدريس الأندلسي: يا وزيرة السياحة...لن تصبحين رئيسة حكومة  إدريس الأندلسي
السياسة القطاعية في مجال السياحة والصناعة المغربية المتعلقة بفنوننا الحضارية والتي نسميها ظلما بالصناعة التقليدية، تحتاج إلى الكثير من الثقافة السياسية ومعرفة بالتاريخ وبالحضارات  وبذكاء اجتماعي من النوع الرفيع. رجال  ونساء "الصناعة التقليدية " وزملاؤهم في مجال السياحة لهم من التجربة والخبرة  والمعرفة ما يتجاوز نظرة بعض الوزراء إلى هذين القطاعين. 
قضت وزيرة السياحة عطلتها في جزيرة زنجبار التي كانت تابعة لسلطنة عمان، واستمتعت، وهذا من حقها كمواطنة،  بجمال الشاطىء الجميل لهذه الجزيرة التي لا زالت محافظة على طابعها العماني. وللتذكير المفيد فبعد نهاية الإستعمار البريطاني لطانكانيكا تم ضم جزيرة زنجبار إليها، وأصبح إسم البلاد مركبا "طان+زانيا". 
ومن زار هذه البلاد يقف على الفرق الكبير بين سكان دار السلام العاصمة  وثقافة  وتقاليد سكان زنجبار. أتمنى أن تكون وزيرة السياحة قد اطلعت على تفاصيل مكونات تاريخ الحضارة المغربية عبر التاريخ.  وأتمنى أن تتعاطى مع مكونات "الصناعة التقليدية " بكثير من التواضع من خلال الإستماع إلى "المعلمين " الكبار الذين كانوا يحظون بالعناية الملكية منذ عقود كثيرة. 
من منا لا يتذكر تلك النقاشات العميقة  والفنية بين المرحوم الحسن الثاني  والمعلمين الكبار خلال بناء معلمة مسجد بني فوق الماء. 
السيدة الوزيرة أجابت على منتقديها باستعمال أسلوب المقارنة.  وهذا أسلوب زاد الطين بلة.  رئيسة وزراء فلندا شابة رقصت في حفلة خاصة  وهذا من حقها.  وأثبتت أنها لم تتعاطى يوما أية مخدرات  و هذا يهمها  ويهم بلدها.
إن كانت قد كافحت من أجل تحصيل علمي بعرق جبينها  ووصلت بالعلم  و بالالتزام السياسي  فهذا ما نريده لبلادنا.  المشكل أن أمثال وزيرة السياحة في بلادنا يصلون إلى الوزارات بالمظلات.  وإن سألتهم عن التاريخ  والجغرافيا  والآداب والفن  والتعبيرات الجهوية، أجابوك بلغة أجنبية أو كلفوا مكاتب دراسات أقل خبرة للإجابة بدلهم. 
هذا ما أغضب فناني الصناعة المغربية الأصيلة حين تم استدعاؤهم من طرف الوزيرة  وحضروا ولم تحضر الوزيرة. وقيل لهم أن مكتبا استشاريا سيعلمهم كيف يمكن تسويق منتجاتهم.  قضية التسويق هي أقدم قضية تمت إعادة مضغها منذ عقود  ودون هضمها. 
كان من الشجاعة يا وزيرة السياحة أن تدافعي عن إختيارك الحر لقضاء عطلتك في أي مكان في العالم.  كان عليك أن تقولي بصدق أن المنتوج السياحي المغربي لا يرقى إلى ما تنتظرينه من مقاييس الجودة  و هذا من حقك. كان عليك قبل قبولك للمنصب أن تتعرفي على ما يتطلبه منصب سياسي من إستعداد فكري  و مهني لا يتطلب المبالغة في الابتسامة أمام الكاميرات، ولكن الكثير من الفعل  والتعاون مع العاملين في القطاع.  ولهذا كان اللجوء إلى حكاية الوزيرة الأولى لفنلندا غير موفق.  وللعلم فإن وزراء هذه البلدان يخضعون لعدة شروط وعلى رأسها العيش  وسط المواطنين  وعدم استعمال السيارات الفارهة للوصول إلى المكتب والإلتزام بالحضور إلى العمل كباقي الموظفين.  وزيرة أولى أو وزير أولى في شمال أوروبا يعيش كمواطن دون امتيازات  و لا قدرة له على قضاء عطلة في زنجبار.  
تمنيت لو تركت وزيرتنا في قطاع السياحة  وباقي القطاعات الموكلة إليها مثال ما يقع في دول الشمال، واهتمت بواقع أمرنا وتعقيداته. قطاعي السياحة  وما يسمى بالصناعة التقليدية يحتاجان إلى امتلاك الكثير من المفاتيح.  لو سألنا أهل الملحون الذين كانوا، في أغلبهم، صناع تحف مغربية أصيلة لأجابوا بلسان بن علي المالكي صاحب قصيدة فاطنة  "الجهال بقات هايمة" على كل من لا يفهم ثقافة مغربية أصيلة توثق للفعل المبدع  وللشعر الأصيل  وللتدبير الحكيم العارف بطرق المحافظة على الكنوز  وتثمينها عالميا.
 مع الأسف زحف بعض التقنوقراط على الفعل الثقافي والسياسي  وعلى الرأسمال المادي واللامادي، دون سلاح، فكان لهم موعد مع رداءة في الأداء  و غرور في الظهور  وهروب أمام ضعف النتائج. رحم الله عبد الله غرنيط أحد الذين أوصلوا المنتوج المغربي إلى الأسواق العالمية ورحم الله مولاي أحمد العلوي الوزير الذي لم يترك الكرسي لأحد، والذي كان، رغم كل شيء، أحد صناع الإقبال على المنتوج السياحي المغربي. بلدنا له تاريخ  ورأسمال حضاري متراكم ولم يعرف أية انطلاقة من الصفر.