الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

بهيجة كومي: المرأة بين السرطان والعدالة الاجتماعية

بهيجة كومي: المرأة بين السرطان والعدالة الاجتماعية بهيجة كومي
نعتقد أن ما يجمع الناس معًا هو أكثر أهمية مما يفرقهم، ومع ذلك فنحن نعيش في عالم مليء بالحيف حيث تصبح العدالة مجرد فضيلة لا غير.
نحن منقسمون بين غني وفقير، أبيض وأسود، أنثى وذكر، شاب ومسن، قروي ومدني. وهذا الانقسام يصبح مقلقا عندما يطال كرامة الإنسان والحياة البشرية التي من المفروض أن نحميها.
عندما يصاب الانسان بالسرطان، يصبح الوضع قاتما أكثر مما نعتقد، وتكون التفاوتات أعمق مما نتخيل، حيث تتراجع معدلات البقاء على قيد الحياة وفرص التعافي بشكل كبير.
رغم التقدم العلمي الكبير في علم الأورام وظهور علاجات مستهدفة للعديد من السرطانات - مثل سرطان الثدي أو البروستاتا أو عنق الرحم - إذا تم تشخيصها وعلاجها في مرحلة مبكرة، فإنه لا يتم السيطرة عليها بشكل كامل لأن الوضع يتطلب استراتيجية شاملة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار سهولة الوصول إلى مراكز الرعاية، والقضاء على الفوارق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمرضى.
خلال رحلتي كمصابة بالسرطان لأكثر من عشرين سنة، كنت الضحية والشاهدة على عملية تمييز طويلة. اضطررت إلى السفر لأكثر من 600 كيلومتر ذهابا وإيابا لمراجعة طبيب متخصص وإجراء فحوصات دورية والوصول إلى الدواء الذي لم يكن متوفرا في المغرب إلا بعد ثلاث سنوات من اقتنائه من الخارج. كنت أقوم برحلات متكررة ومرهقة تكلفني نفقات كبيرة. وكنت دائما أحدث نفسي وأقول، لحسن الحظ، لديّ تغطية صحية وعمل آمن ومستقر. ماذا عن النساء الأخريات ذوات الموارد المحدودة أو المنعدمة؟
المرأة المصابة بالسرطان مطالبة، في أغلب الأحيان، أن تتدبر، بالإضافة إلى العلاج القاسي والطويل المدى وآثاره الجانبية، والتغيرات الجسدية والتداعيات النفسية، أنواعا أخرى من "السرطانات": كالفقر، ومركزية العلاج، والبعد عن المراكز الصحية، والافتقار إلى التغطية الصحية الشاملة، والبيروقراطية، والأمية، والجهل التام بالمرض وإجراءات الرعاية، وانعدام التثقيف الصحي الفعال والمستهدف ومحاربة المعلومات المغلوطة حول السرطان.
للأسف، تواجه المرأة جميع أشكال التمييز، بدءًا من الوصول إلى المعلومة الموثوقة والصحيحة حول مرضها، والرعاية الجيدة، وتقديم الدعم النفسي لها، والافتقار إلى البنيات المناسبة لاستقبالها ومرافقتها أثناء رحلتها العلاجية.
ويزداد الحيف الاجتماعي خطورة عندما يصبح مرضها وصمة عار أمام أسرتها وأقاربها وبيئة العمل حيث يتم الحكم عليها من خلال مظهرها الجسدي. والأسوأ من ذلك، أن تتعرض لهجر زوجها في أغلب الأحيان، وطردها من وظيفتها وحرمانها من التأمين الطبي وزيادة الراتب، وفقدان مسؤولياتها ومزايا ترقيتها عند عودتها إلى العمل بعد رحلة العلاج الشاقة.
تبقى المرأة هي الأكثر تضررا والأكثر تأثرا بالسرطان، سواء كانت مريضة أو مرافقة للمريض. يضاعف السرطان معاناتها ومعاناة عائلتها عندما تضاف المشاكل المالية إلى المشاكل الصحية وتزيد من إفقارها. الشيء الذي يرهقها ويجعلها غير قادرة على مواصلة الكفاح وبالتالي تستسلم وتتخلى عن علاجها.
من أجل رعاية أكثر إنصافا للمرأة، وجب التوقف عن الإشفاق عليها دون التصرف، وتجاهل معاناتها المادية والنفسية، وتلوين كل شيء باللون الوردي على شرفها أو في ذكراها بشكل مناسباتي.
حان الوقت للتنديد بالحيف، والدفاع عن الحق في الصحة لكلا الجنسين، وتبسيط الإجراءات الإدارية المملة والطويلة والمتكررة، وسن قوانين وإجراءات جديدة لتسهيل وأنسنة الولوج إلى المرافق الصحية وعلاج المريض قبل المرض. 
حان الوقت للتوقف عن محاولة تحسين أرقام البقاء على قيد الحياة دون التكفل بحياة المريض لأن المصاب بالسرطان ليس مجرد رقم بل حياة إنسانية تستحق كل الاحترام.
وأخيرا، حان الوقت لتوحيد الجهود لإيجاد حلول مستدامة تتكيف مع الموارد المتاحة، والتعاون مع جميع الجهات الفاعلة والمصالح المسؤولة لإرساء قيم المساواة الاجتماعية بدءا بالحق في الصحة للجميع.
بهيجة كومي رئيسة جمعية أمل لمرضى اللوكيميا