الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد حضراني: التضامن والجباية (الضريبة على الثروة)

أحمد حضراني: التضامن والجباية (الضريبة على الثروة) أحمد حضراني

أقرت الوثيقة الدستورية مبادئ أساسية: التعاون ،التضامن والتعاضد (كان وأخواتها) لتأطير العلائق والتدبير العمومي، ومأسسته بشكل عمودي وأفقي، وعدم اقتصاره أو احتكاره على ما هو  تقليدي(العائلة ، القبيلة فالعشيرة...)

فإذا كان للتعاون مدلولا شاملا وواسعا، فإن التضامن هو جوهرة عقده، يتوسطه والتعاضد،الذي هو من القيم العميقة، والدقيقة التي تحيل على معاني التناصر والمساعدة المتبادلة بالإمكانيات المتوفرة.واختزلت أو جسدت المبادئ المذكورة في آليات ذات بعد ترابي:

1ـ مبدأ التعاون: نصت مقتضيات الفصل 136 من الدستور على قيام التنظيم الجهوي والترابي على التعاون و التضامن. وهناك آليات لترجمة مبدأ التعاون على المستوى الداخلي وكذا الخارجي(الدولي).

  • الآليات التعاونية على المستوى الداخلي، تتمثل  في :

ـ مجموعات الجماعات الترابية والتكتلات المتجانسة.

ـ عقود الشراكة ( قطاع عام -عام): تجسدها الاختصاصات المشتركة والمنقولة بين الدولة والجماعات الترابية، أو بين هاته الأخيرة وأجهزة اللاتمركز الإداري: فالمصالح اللاممركزة للدولة تعمل على إرساء أسس شراكة فاعلة مع الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي في مختلف المجالات.

  ـ اتفاقيات الشراكة مع القطاع الخاص(PPP)

ـ اتفاقيات شراكة مع جمعيات المجتمع المدني (العقود المدنية ): فالقانون رقم 19-54 بمثابة ميثاق المرافق العمومية أشارإلى أن هاته الأخيرة تعمل على تفعيل آليات الشراكة مع القطاع الخاص وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات ومعاهد التكوين والبحث العلمي، من أجل الاستفادة من قدراتها الابتكارية والتدبيرية، لتجويد الخدمة العمومية.

فهاته الأشكال التعاونية، المندرجة هنا في إطار العقود الترابية، تترجم من خلال صيغ تدبيرية عبر التدبير المفوض أو شركات التنمية المحلية (شراكة عام ـ عام ـ خاص)

  • وهناك التعاون اللامركزي الدولي الذي أصبح يكتسي أهمية قصوى في عالم اليوم، المعلب بالعولمة ، والذي لم يبق يسمح باحتكار الدولة/ المركز، وكفاعل وحيد على المسرح الدولي، للتعاون العابر للقارات، أما اليوم فكل فاعل  ترابي( محلي)  هو فاعل دولي في إطار عولمة المحلي.

 ومن أشكال التعاون اللامركزي الدولي، هناك:

- اتفاقيات التوأمة، وهي إما ثنائية مع جماعات ترابية أو محلية أجنبية، أو من خلال التعاون المتعدد الأطراف عبر الانخراط في المنظمات الدولية.

وهذا الشكل التعاوني- اللامركزي الدولي-، يندرج في إطار الدبلوماسية الموازية للتقريب بين المجموعات ونشر قيم التعاون والتعايش. وهذا الرهان يطرح سؤال المنتخب المؤهل لذلك.

2 - التعاضد: Mutualisation، يشير الفصل 31 من الدستور إلى تعبئة اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ، ﻟﺘﻴﺴﻴﺮ أﺳﺒﺎﺏ اﺳﺘﻔﺎدﺓ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺎﺕ واﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ، ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ اﻟﻤﺴﺎواﺓ، ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﻐﻄﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ، واﻟﺘﻀﺎﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﺿﺪﻱ أﻭ اﻟﻤﻨﻈﻢ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ اﻟﺪوﻟﺔ. ويترجم هذا التعاضد عبر برامج ووسائل.

و سطرت أحكام المادة السابعة من مرسوم اللاتمركز الإداري أهدافا، تختزل في التقائية السياسات العمومية، ومبادئ الحكامة، وآليات الشراكة والعقود الترابية، وتحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها. كما قضت المادة التاسعة من القانون رقم 19-54 بمثابة ميثاق المرافق العمومية على أن هاته الأخيرة تعمل على تعزيز انتقائية برامجها وتعاضد وسائلها وتقديم خدماتها بطريقة مندمجة، و تعاضد البنيات ذات المهام الأفقية المتقاربة أو دمجها.

فالتعاضد يكون إما في البرامج والمخططات أو الوسائل المالية والبشرية واللوجيستيكية التي تهم تنفيذ مشروع، ذي فائدة نفعية مشتركة.

3 ـ مبدأ التضامن: يقوي  التضامن  من لحمة الاتحاد والوحدة، و يعبر عن قيمة إنسانية تضمن استقرار المجتمعات وتماسكها وتقدّمها، و هو مسؤوليّة تقع على عاتق الأفراد والجماعات، أو الدولة والمجتمع. ويتغيأ من إقرار التضامن كمبدأ دستوري، بلورته في التدبير العام، وفي الشق الترابي، العمل على الرفع من معدلات التنمية وتقليص الفوارق المجالية. واقترح لذلك آليتين:  صندوق التأهيل الاجتماعي و  صندوق التضامن بين الجهات،اعتماداتهما متوفرة لكن مع وقف التنفيذ، وغير المبررة حاصة  بالنسبة لصندوق التأهيل الاجتماعي، الذي  يحدث  لفترة معينة ،و لفائدة الجهات ، يهدف سد العجز في مجالات التنمية البشرية ، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات ( الماء الصالح للشرب والكهرباء ، السكن غيراللائق، الصحة،التربية، شبكة الطرق والمواصلات)، ومع الجفاف والتهاب الأسعار. فهاته الفرصة السانحة لترجمته على أرض الواقع(دردشة مع أحد الباحثين). وبرلمان السيرك لم يسائل الحكومة في هذا الصدد !

 وفي المجمل فإن  التضامن  يرسي دعائم مجتمع متضامن (التصدير).

ويؤشر تكريس المبدأ ضمن أهم النصوص التشريعية  على توجه عام؛ لإعادة بناء المنظومة القانونية والمؤسساتية، وإعادة ترتيب العلاقات المجتمعية (ناجي البكوش :اللامركزية من أجل الديمقراطية(قانون الجماعات المحلية) ط 1 ، مجمع الأطرش للنشر وتوزيع الكتاب المختص2022 ص -104-105) بشكل تلاحمي وتماسكي. وهنا بيت القصيد، وخاصة أحكام  الفصل 40 من الدستور،التي تقضي  بتحمل اﻟﺠﻤﻴﻊ ( استعمل الدستور الجميع دون استثناء ولم يستعمل المواطنات أو المواطنين)، ﺑﺼﻔﺔ ﺗﻀﺎﻣﻨﻴﺔ، وﺑﺸﻜﻞ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻓﺮوﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ، اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﺒﻬﺎ ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﺒﻼﺩ، وﻛﺬﺍ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻷﻋﺒﺎﺀ اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻵﻓﺎﺕ واﻟﻜﻮارﺙ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ اﻟﺒﻼﺩ.

فحالة الطوارئ الصحية أو المائية والكوارث الطبيعية واﻵﻓﺎﺕ( هاته الأخيرة تشكل سندا لتبرير حالة اللجوء إلى الطوارئ وليس الفصل 20 وما يليه، كما اعتمد لتبرير الحجر الصحي) . والمتطلب التنموي  يقتضي التضحية و تحمل التكاليف ،بشكل تناسبي مع الإمكانيات المتوفرة. وليس هناك أنسب في الوقت الحالي، وبالنظر للسياق الدولي والوطني، من أن يساهم الرأسمال" الجبان" والبورجوازية الجشعة  عبر الاقتطاع الجبائي للثروة.

فالقاعدة الدستورية السامية تسعف و  الخطاب  الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير يؤكد على  أن بناء مغرب التقدم والكرامة، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية. وبهذه المناسبة، "أهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن"(الخطاب الملكي).

يتبين إذن أن التلاحم المجتمعي  وتوحد الجهود وتعبئة الوسائل ، المعبرة عن التعاون،التضامن،التعاضد،كمرتكزات،مبادئ،فلسفة وقيم، وآليات  ،مؤطرة بالتشريع (أساسي،عادي، فرعي) ومعززة بالخطاب الملكي تفرض اقرار ضريبة على الثروة

في  القانون المالي المرتقب  للتعبير عن المواطنة الصادقة أو تمغربيت ( كما يرافع عنها الباحث السوسيولوجي سعيد  بنيس).