الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

تعرف على حقائق وزير الدفاع الإسباني خوسي بونو بشأن موقف مدريد الداعم للحكم الذاتي وزيف ادعاءات الجزائر حول الصحراء

تعرف على حقائق وزير الدفاع الإسباني خوسي بونو بشأن موقف مدريد الداعم للحكم الذاتي وزيف ادعاءات الجزائر حول الصحراء الزميل نبيل دريوش( يسارا) رفقة وزير الدفاع الإسباني الأسبق خوسي بونو
في حوار حصري خص به قناة "ميدي 1 تي في "، أجرى الزميل نبيل دريوش، صاحب كتاب "الجوار الصعب"، حوار مع خوسي بونو، وزير الدفاع الإسباني السابق ومدير المركز الوطني للاستخبارات الأسبق. الحوار تطرق إلى العلاقات المغربية الإسبانية الجديدة، بما في ذلك موقف مدريد الداعم لمقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، فضلا عن اللحظات الصعبة التي عاشها البلدان في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تطرقه إلى مسؤولية إسبانيا، التي كانت قوة إدارية، في دعم حل واقعي يضع حدا للتوصيات التي لا تعرف طريقها إلى التطبيق، وإلى العلاقة الواضحة التي تربط الجزائر بنزاع الصحراء. كما تحدث الوزير الإسباني عن أهم الإصلاحات التي قام بها الملك محمد السادس، ودورها في إقرار القراءة المعتدلة للإسلام ومحاربة التطرف والإرهاب.
"أنفاس بريس" تقدم لكم هذا الحوار:

 
أود، في البداية، سؤالكم عن المرحلة الجديدة بين المغرب واسبانيا، ما الذي تعنيه هذه المرحلة الجديدة في نظركم؟
إسبانيا والمغرب جاران متقاربان جدا، ومن باب الإنصاف والاعتراف، بدون أفكار مسبقة أو تطرف، إنه من بين 22 دولة تنتمي للجامعة العربية، فإن إسبانيا لن تجد جارا أفضل من المغرب. عليك أن تبحث وأن تقوم بجرد لجميع هذه الدول، الواحدة تلو الأخرى، وسترى كيف أن اسبانيا كانت محظوظة بمجاورتها لبلد كالمغرب، وبدون شك فهو البلد الأكثر حداثة ضمن البلدان العربية، ولديه تفسير أكثر تسامحا للإسلام، كما أن حكوماته منبثقة عن صناديق الاقتراع. نعم، كل البلدان يمكن أن تكون محط نقد، وهذا ما يسري على المغرب وإسبانيا و الولايات المتحدة وفرنسا، لكن يجب أن نقول من حظنا أن يكون المغرب جارا لنا، وهو البلد الذي يتمتع بالمواصفات التي كشفتها لك. 

ومع ذلك، فإننا  عشنا  بعض الفترات التي كنا ندير فيها ظهرنا لبعضنا البعض، بل تواجهنا فيها حتى، لذلك فإن قرار حكومة بيدرو سانشيز بالاعتراف بما سبق أن اعترفت به الأمم المتحدة خلال عام 2007، وهو أن مخطط الحكم الذاتي المغربي الخاص بالصحراء، هو مخطط ذو مصداقية، وهو الأكثر واقعية من بين كل ما تم تقديمه لحدود الساعة. هناك أشخاص، بطريقة نحترمها، يعتبرون أنه يجب تنفيذ توصيات الأمم المتحدة، لكن بعد سنوات طويلة من التوصيات غير المطبقة، فما يريده الصحراويين الآن هي الحلول، يريدون مستوى عيش أفضل مثل جميع الناس، وعوض توصيات لا ترى النور، فهم يريدون حلولا، وما فعلته إسبانيا ليس شيئا آخر غير الاعتراف بما سبق أن أقرته الأمم المتحدة وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وفي هذا الإطار، فهو قرار سيادي يسعدني شخصيا.

ألا تعتقدون أن إسبانيا تأخرت كثيرا في الاعتراف بمغربية الصحراء بطريقة غير مباشرة، عبر دعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء؟
هناك عدة أمور يمكن أن ندخلها في هذا الباب، في السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية بين البلدان، فالمصالح والقناعات متعددة، والثمرة تنضج عندما يحين وقت نضجها. إنها لن تنضج بسبب رغبتنا في ذلك، أو إذا أكثرنا من لمسها أو النظر إليها. الموضوع نضج الآن، ويجب أن نحتفل بذلك.

بالنظر إلى أهمية اسبانيا باعتبارها كانت قوة استعمارية للصحراء، أود أن أعرف ما إذا كانت هذه الانعطافة الجذرية والتاريخية في مواقفكم تعني أيضا نهاية أسطورة البوليساريو؟

جبهة البوليساريو تنظيم غير متجانس، وطريقة اشتغاله  راديكالية ولا يقبل الكثير من الجدل، وقد التقيت بعض المنتسبين للجبهة، والذين يعترفون بأنهم غادروا جبهة البوليساريو لأنها لا تشتغل بطريقة ديموقراطية. يجب أن تعلم أن من يتحدث إليك الآن هو خوسي بونو الذي كان مدافعا في محكمة النظام العام، خلال حقبة الجنرال فرانكو، عن قادة من جبهة البوليساريو، وأنا لا أريد تبني خطاب يشيطن أحدا. بيد أن الصحراويين بحاجة إلى حلول، وجبهة البوليساريو رهينة تصور غير منطقي وغير واقعي ولا يتمتع بالمصداقية، ولا يخدم مصلحة الصحراويين.

لماذا لا نشاهد عبر وسائل الإعلام الإسبانية واقع مخيمات تندوف؟
وسائل الإعلام في اسبانيا عديدة ، وكل وسيلة تظهر ما ترغب فيه.

وأيضا في خطابات السياسيين؟
نعم.. لكن..

أليسوا مطلعين على الواقع...   
العلاقات بين إسبانيا والمغرب كانت تغلب عليها، في وقت من الأوقات، الصدمات النفسية. فعلاقاتنا مع المغرب، خلال فترة الملك الحسن الثاني كان يغلب عليها الصراع. فالنظام الديكتاتوري للجنرال فرانكو تزامن مع حدث المسيرة الخضراء  خريف عام 1975 ، وتم تفسير الأمر من طرف  الكثير  الإسبان على أساس أنه مناورة من الملك الحسن الثاني تجاه ديكتاتور يحتضر من أجل الدفع بملف الصحراء. هكذا تصور الأمر الكثيرون، وبعد ذلك كانت لنا صراعات بدت بدهية، فأزمة جزيرة ليلى كانت واحدة من هذه الصراعات، وكوزير للدفاع آنذاك، جئت إلى المغرب واستقبلني جلالة الملك محمد السادس بالرباط، وكنت قد أحضرت لجلالته دعوة لذهاب كتيبة عسكرية من المغرب وأخرى من اسبانيا تحت راية الأمم المتحدة للدفاع عن السلم في هايتي، كانت طريقة أرادت من خلالها حكومة ثباتيرو...

كانت رسالة رمزية؟
بطبيعة الحال.  وتعني تلك الرسالة أننا لا نريد أية عداوة أو مزايدة. أما في ما يتعلق بأزمة جزيرة ليلى، فقد حكى لي جنرال إسباني أنه كان يمكن حل تلك الأزمة دون اللجوء لذلك الاستعراض العسكري المبالغ فيه، فحكومة السيد أثنار أرادت تحقيق مصلحة تتجاوز مصلحة إسبانيا ربما مصلحة إيديولوجية أو انتخابية أيضا.

 إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية إسبانيا كبلد عضو في الاتحاد الأوروبي، ما هو التأثير الذي سيكون لموقفها الجديد داخل الاتحاد الأوروبي وداخل أروقة الأمم المتحدة؟
اسبانيا بلد يعتمد اللامركزية بشكل قوي، فنظام الحكومات الإقليمية هو أمر عادي بالنسبة لنا، وقد خبرنا المرور من نظام ديكتاتوري مركزي إلى نظام ديموقراطي لامركزي أو شبه فيدرالي. أعتقد أن تغيير موقف اسبانيا يمكنه أن يشكل أيضا طريقة للتعاون والبحث عن توليفات تفيد في تطبيق نظام الحكم الذاتي المتوقع، وبالتالي فتجربتنا يمكن أن تكون مفيدة. إنه لأمر حقيقي أننا كنا قوة إدارية في الصحراء، ولدينا مسؤولية أكبر من بلدان أخرى، وربما تنتبه بعض البلدان الأوروبية إلى التغيير الحاصل في السياسة الخارجية لاسبانيا بشأن الصحراء من أجل اتخاذ مواقف جديدة بخصوص هذا الملف. طبعا، نحن لا نريد فرض موقفنا بطريقة دوغمائية، ونحن إذ نعتبره موقفا سياسيا فهذه ليست دوغمائية. نحن نعتقد أننا اتخذنا القرار الأفضل.
داخل الاتحاد الأوروبي، هناك عدة أعضاء ومسلسل اتخاذ القرارات معقد، و الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نعمل بها هي أن نتطرق لهذا الملف بحذر. نتمنى أن يحصل ذلك، وأن يعثر الصحراويون على الحلول حتى يضمنوا العيش الكريم، وأن يسير الاتحاد الأوروبي في الاتجاه الذي نعتبره الأنسب.

تدعي الجزائر دائما أنها ليست طرفا في قضية الصحراء، ومع  ذلك، نرى كيف أنها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسبانيا بمجرد تغييرها لموقفها إزاء قضية الصحراء، كيف تفسرون هذه التناقضات؟
هناك أشياء مؤكدة في المجال الدبلوماسي، والتي تشرح نفسها بنفسها.  لا أظن أن هناك أي شخص في هذا الكون يعلم بالضبط الموقع الجغرافي للجزائر والموقع الجغرافي للمغرب والصحراء، يمكنه أن يصدق أن الجزائر لم تكن منحازة أو أنها ليست طرفا في هذا النزاع. الصحراء تعني البيداء، وشخصيا يثير انتباهي أن الجزائر تطالب فقط بالاستقلال للشعب الصحراوي المغربي، لكنها لا تقوم بهذا الأمر في المناطق الصحراوية في دول أخرى. ربما الجزائر يمكنها قول عدة أشياء، ويمكن تصديقها، بيد أن القول بألا دخل لها في قضية الصحراء أو الصحراويين ولا علاقة لها بجبهة البوليساريو، فهذا أمر غير منطقي. 

بعد التغيير في موقف إسبانيا  بخصوص الصحراء، هل تظن أن هذا يمكن أن يؤثر مستقبلا على موقف الجزائر أم لا؟
لا أدري، ولا أريد التدخل في علاقات بلدان ذات سيادة، والتي هي الجزائر والمغرب  واسبانيا. أنا وزير دفاع سابق يدلي برأيه لأنك طلبت مني ذلك، وفي هذا الإطار أعبر عن قناعتي بخصوص أن الموقف الذي اتخذته اسبانيا هو الأكثر ذكاء ومصداقية و الأقرب للتطبيق. 

يحتفل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ومعه الشعب المغرب،  بالذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش، كيف تنظرون إلى مسلسل مشاريع الإصلاحات التي قادها جلالة الملك؟
أود، أولا، الاعتراف بأنني لست خبيرا من أجل الإدلاء برأيي..

لكنكم تعلمون أفضل من أي شخص آخر واقع المغرب، خصوصا في السنوات الأخيرة؟
أعرف أشياء عن واقع المغرب، وما أعرفه عن المغرب يدفعني إلى القول، بطريقة متواضعة ولكنها صادقة، إن هناك شيئا يثير إعجابي لدى الملك محمد السادس. فعندماه اعتلى العرش حمل معه مسلسلا للدمقرطة والمصالحة (..) وقاد سياسة للدفاع عن حقوق الإنسان ضد ما تسمونه في المغرب بسنوات الرصاص، سنوات خرق حقوق الإنسان والسجن والمنفى والتعذيب، وفتح مسارا فاجأ كل من يعرفونه، كان مسلسلا على المستوى العاطفي والسياسي يستحق الاعتراف به. لقد كان هناك أزيد من 27 ألف شخص تم الاعتراف بكونهم ضحايا وتم تعويضهم، كما تم الدفع بمسلسل التحقيق في الجرائم المرتكبة خلال سنوات الرصاص، وهي أمور بثت في التلفزيون المغربي. إنه تمرين على الشفافية والأبواب المفتوحة  يستحق تثمينه. هناك طبعا عوائق يعيشها المغرب مثل جميع الأنظمة. وعندما سألتني عن السنوات الثلاث و العشرين لحكم الملك محمد السادس، فأنا أريد أن أركز على قيمة مضافة حقيقية، ويتعلق الأمر بهذه الرؤية الأكثر حداثة والأكثر تسامحا للإسلام والتي يمكنها أن تسمح للمغرب بمحاربة التطرف الجهادي بفضل تشجيع الملك محمد السادس ودفعه للقيام  بقراءة داخلية للإسلام تستحق التصفيق.

أؤكد جازما أن اسبانيا تجنبت هجمات إرهابية بفضل التعاون مع المملكة المغربية وأجهزته الأمنية  و الإستخباراتية وجيشه، وما أحكيه الآن ليس رواية ألفتها. إنها واقع، وبما أن هذه حقيقة، فإنني أرددها دائما كلما طرح علي السؤال، قد تكون هناك أشياء أخرى، لكن ما أظنه إيجابيا، هو هذه الأشياء التي تحدثت عنها.
شكرا جزيلا، السيد خوسي بونو، على إجاباتك عن أسئلتي بطريقة مباشرة وواضحة.
بكل فرح، شكرا جزيلا  لك على اهدائي في بداية هذا الحوار نسخة من كتابك " الجوار الحذر" ، والذي سأشرع  في قراءته هذه الليلة.