الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: نحو أمن قومي وطني أساسه الأمن الطاقي والغدائي

الحسين بكار السباعي: نحو أمن قومي وطني أساسه الأمن الطاقي والغدائي الحسين بكار السباعي
الحديث عن الأمن القومي المغربي، يوقفنا على تساؤل الأمن الإنساني. فإذا كنا اليوم أمام تحالفات جديدة واثفاقيات ثنائية ومتعددة الاطراف، فرضها الوضع المميز للمملكة المغربية وضع جديد ومميز فرض على حلفائنا القدامى العمل على إعادة نظرتهم الى بلدنا بل والتدقيق في حساباتهم السياسية والاقتصادية، بناءا على مبدأ " الربح المتبادل "الذي تنطلق منه الاستراتيجية الجديدة  للديبلوماسية المغربية الرسمية.

ديبلوماسية تطورت هندستها الذكية والتي أسس لها ملك البلاد ، لتنعكس بقوة عبر محطات مختلفة، كان الحسم فيها هو الثبات عند المواقف. فمرورا بازمة العلاقات مع ألمانيا ووصولا لتراجها والعمل على توحيد الرؤى المستقبلية بين البلدين وقس على ذلك  رفع المغرب  الورقة الحمراء في وجه الحكومة الاسبانية والتي انتهت بردا وسلاما بزيارة شانسيز للرباط في شهر مضان من هذه السنة، الزيارة التي حملت أكثر من دلالات، وما اعقبها من كشف الغشاوة عن غيض وحقد دفين لدى الجارة الشرقية، جسد في نباح كبرناتها واعلامهم المأجور الذي انفضح أمام العالم وشهدت به حتى المنافسات الرياضية،  اعلام تغافل عن وجود اتفاق سابق في خرق لقواعد القانون الدولي،  يفرض تعاونا اقليميا بدل سياسة الكيل بمكيالين وجر دول المنطقة المغاربية  إلى الهاوية.

فبدل تفعيل التعاون الكامل في إطار التنمية التي تناشدها شعوب المنطقة اضحت الحارة الشرقية تتبادل التهم الواهية وتحمل المسؤوليات الصورية،  بدل البحث عن اجابات لمستقبل المنطقة وللأخطار التي تحدق بها، والتي ظهرت من خلال مناوشات عسكر المرادية، والذي تعددت اوجهه مستغلين البروبكاندا الاعلامية، ناهيك على اغراق الحدود الشرقية مع المغرب بالمهاجرين السريين ودعم عصابات الاتجار بالبشر، فضلا عن  استمرار الجزائر الازلي في رعاية مليشيات البوليساريو والمجموعات الارهابية للمس بمصالح المغرب الاقتصادية والتجارية مع دول الساحل والغرب الافريقي. 
 
إن الحديث عن امن قومي مغربي طاقي وغدائي، اضحى مطلبا حقيقيا وليس مجرد  حلم  قابل للتصديق، فعلينا ونحن على مشارف تجاوز، أزمة كوفيد 19 رغم تداعياتها هي والأزمة الروسية الأوكرانية، أن نعمل وبكل مسؤولية أملا في غد مشرق، أن نتحدث اليوم  على أمن قومي وطني فهو أمر لا محالة  يدخل في نطاق تحالفات لا تنحصر على انتماء جغرافي او انتماء هوياتي.
 
فتصورنا لواقع إقتصادي واجتماعي وسياسي مشرف والذي دشنت له انتخابات افرزت حكومة وبرلمان ومجالس جهات ومجالس ثرابية يكون هدفها الأول القدرة على إخراح البلاد من ازمة اقتصادية واجتماعية، مجالس قادرة على تدبير الأزمات والتخفيف من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، فالمرحلة المستقبلية تفرض تحديات جسام ومشاريع ومخططات وتنزيل فعلي لنمودج تنموي جديد، يحتاج الى كفاءات تقنية للتنزيل والتدبير والمعالجة لتحقيق النتائج.

إن تصورنا المشرق لمغرب اليوم قبل الغد، وبعد كل هذه الأزمات العالمية، هو تصور مرتبط بالوضع الإقتصادي والإجتماعي الذي رسم خارطة طريقه النمودج التنموي الجديد، فمرورا بلقاء فاس التاريخي وورش الاصلاح الاجتماعي الكبير ناهيك عن الدور الاقتصادي الرائد الذي اصبح المغرب يلعبه ليس فقط مع محيطه الافريقي، بل الدولي بعقد شراكات اقتصادية مهمة مع الولايات المتحدة الامريكية و الصين وبريطانيا وإسرائيل، والتي تحول فيها المغرب إلى مشارك في استثمارات دولية كبرى بدل استقطابها فقط، حيث اصبحنا نتحدث عن صناعة اللقاحات وصناعة المعدات والاليات العسكرية وتركيب الطائرات وتصدير الطاقة النظيفة، ومشاريع كثيرة تكتنفها السرية خوفا من تسرب أخبارها إلى الاستخبارات الاقتصادية للدول المعادية للمغرب.
  
الحقيقة أننا اليوم نعيش ازمة في الطاقة والغداء، نتيجة ارتفاع الاسعار وازمة الماء نتيجة توالي سنوات الجفاف، لنجد  أنفسها امام راهنية تقييم فعلي لأداء حكومي وتحديد مسؤوليات، أمام مطالب المواطنين بايجاد الحلول، والاسراع باتخاد تدابير استعجالية لتجاوز حدة الأزمة  الاقتصادية والارتفاع المهول للأسعار، الذي اكتوى به غالبية المواطنين، والتي نتجت عنه أزمة اكبر وأعمق وهي زعزعة الثقة في العمل الحكومي الذي عبر عنها ثيار الهشتاغ المطالب بتخفيض اسعار المحروقات في ضل الصمت الذي اصاب الاحزاب والهيئات النقابية التي اسند لها الدستور تأطير المواطنين.

احتجاجات في فضاء عام افتراضي كبير عملت على التأثير ولو بشكل مباشر على غالبية المواطنين بل وجعلته يشعر بالوطنية والغيرة على مصيره الذي أصبح بين فكي رجال المال والأعمال الوجه الآخر لمن اسندت لهم زمام الأمور.
شعور وصرخة في صمت اسالت العديد من المداد بين مطبل ومنتقد ومؤيد ومن حين لآخر خرجات خبراء وعلماء ومفكرين تحث الطلب و المقاس، فعوض ان تنكب حكومتنا الموقرة على ايجاد حلول للأزمة، تكرس أزمة أعمق بوصف ثيار الهشتاغ بالخونة والمدسوسين  وغيرها  من الأوصاف، حتى اصبحث تطفوا في الساحة الوطنية مصطلحات ومفاهيم جديدة لاسند لها لا من الواقع ولا من القانون، من قبيل مفهوم  زعزعة الإستقرار الحكومي .... 
 
لنعد الى أمننا القومي الطاقي والغدائي المغربي ونتساءل عن التأثيرات (الوباء والحرب الروسية الأوكرانية)، والتي ليست منحصرة في مجال جغرافي واحد، فهي تأثيرات عالمية مشتركة اختلفت حدتها من بلد إلى آخر، فالعالم اليوم على اعتاب ازمة خانقة والبقاء لن يكون إلا لمن يملك استاراتيجية وطنية حمائية في تعاملاته و علاقاته مع دول لها مكانة دولية جديدة، فاذا عجز المحللون الاقتصاديون  عن توحيد الرؤى  واستشراف الحلول المستعجلة ، فعن اي أمن غدائي يمكن ان نتحدث عنه ؟ وهنا نسائل حكومتنا الموقرة عن السياسات الاقتصادية المتبعة لتدبير الأزمات.

واسترسالا فضرورة الأمن الطاقي والغدائي المغربي لم تفرضه كورونا ولا حتى الحرب الروسية الاوكرانية ، وإنما ابانت على أهميته بشكل اكبر، الواقع  الأمر الذ فرضه الحال الدولي.
إن قدرتنا على الصمود مرتبطة بمدى حفاظنا على التوازنات بين الإقتصاد والأولويات الإقتصادية، بحيث يجب الربط بين الأمن الغدائي والتطور العلمي خصوصا في مختلف المجالات الصناعية واولها الصناعات الطبية والغدائية. هذا الأخير يفرض قاعدة تكون بمثابة انطلاقة، المغرب والتجربة المغربية كما قلت هي درس ففي الوقت الذي توقفت فيه مصانع النسيج ابان أوج الوباء، اتجت  البلاد وبشكل مباشر لتصنيع الكمامات الطبية واجهزة التنفس.

وبعد شهرين من الوباء الباحث المغربي بدأ يتحدث عن اجهزة متطورة للتعقيم والتنفس، أما مؤسساتيا فإننا نتحدث عن استراتيجية وطنية شهدت بها دول غربية كألمانيا وإيطاليا، بالإضافة الى الفلاحة لا يجب أن ننسى أن العديد كان يراهن على تراجع الصادرات المغربية لكنها في الواقع ارتفعت مقارنة مع السنة الفارطة، صندوق دعم جائحة كورونا كان ابداعا وحنكة مولوية بقيادة الملك  وتم دعم اكثر من مليوني اسرة، إذن صمود الدول المغربية أمام الأزمة الحالية، من وجهة نظري المتواضعة جدا، يقوم على مبدأ الموازنة بين مختلف القطاعات وإنخراط مؤسساتنا الوطنية ومواطنينا في بناء مغرب المستقبل.
 
ذ/ الحسين بكار السباعي/ محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان