الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

مَحمد المذكوري: ليلة العطلة الصيفية.. ليلة المخيمات الصيفية

مَحمد المذكوري: ليلة العطلة الصيفية.. ليلة المخيمات الصيفية مَحمد المذكوري
  1. تستقبل الأسر المغربية العطلة الصيفية لأبنائها من التلاميذ المتمدرسين بالخصوص، بتخوفات متعددة من فراغ الحياة اليومية لأبنائها، وضياع بدون برامج بديلة وقارة، فالأغلب الأعم هو التيهان في الأزقة والحارات والوديان والشواطئ، وهو الانفلات من مراقبة الأبوين الى التعود على سلوكات غير عادية وتجريبية سلبية في أغلبها نابعة من وقت فراغ وفير ومعاشرة فوضوية،

البدائل الممكنة أغلبها من بريكولاج الآباء، تحويل الإقامة الى إقامة مؤقتة قصيرة أو مطولة لدى العائلة في نفس البلدة أو في البوادي، بدون برامج ولا أهداف فقط الوضع تحت نظر/ مراقبة أطراف أخرى، وفي القليل من الحالات تحويل الأطفال الى "متعلمين" سخرة لدى حرفيين من العائلة أو الأصدقاء، أو الدفع بهم لخوض حرف هامشية في إطار "الترجل" أو غض البصر عن ذلك في إطار البحث عن مصروف الجيب...، وكلها حلول ترقيعية.

ويأتي في سياق حل مشكل العطلة تنظيم مخيمات للأطفال، تاريخيا ارتبط هذا الموضوع بجمعيات كشفية وجمعيات متخصصة في الموضوع، وهو إرث من فترة الاستعمار إن لم نقبل بوجود جذور له في "نزاهات" الحرفيين والطوائف، وتأسست لهذا الغرض جمعيات ومنظمات برهنت على أحقية التخييم ومكانته كنشاط تربوي منظم بجانب الاسرة والمدرسة يساهم في التنشئة الاجتماعية للأطفال والشباب، ثم بحكم ازدياد الاهتمام بالموضوع وهذه الصيغ المبتكرة والاقتناع بها انخرطت مؤسسات حكومية وشبه حكومية لها نوع من الاستقلال المالي والإداري في تنظيم مخيمات لأبناء العاملين فيها، في مراكز تابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب حسب التغييرات التي تطال هذا القطاع، ثم بعد ذلك في مراكز خاصة، ومنها مخيمات أبناء المؤسسات الكبرى الفوسفاط، السكك الحديدية والإدارات الكبرى مثل التعليم والجيش والأمن،

ويؤطر أغلب هذه المخيمات رجال التعليم باعتبارهم المؤهلون تربويا لذلك، والذين يعبئون في إطار الجمعيات مجموعات الشباب المتعلم بالخصوص والراغب في المساهمة في هذا العمل التربوي أو الراغبون في قضاء وقت فراغ بهدف واضح مقنع، هذا التأطير الذي اتخذ شكل تكوينات نظرية وتربوية متخصصة تمكنت من خلق أعراف ومدونات وتقاليد واستلهمت ذلك من نظريات تربوية عامة ولبست لبوسا علميا تحتاجه لتطوير الأداء ضمن شروط حياة جماعية قد تختلف من هيآة لأخرى أو قد تستنسخ ببساطة بدون أهداف،

وبالنسبة للفضاءات، ففي البداية كانت هناك فقط فضاءات قطاع الشبيبة والرياضة وبحكم ارتباطه بالتعليم أضيفت فضاءات (داخليات) صالحة لاستقبال الأطفال وتنظيم حياة موازية جماعية بأنشطة مختلفة في كل فترات اليوم والليل، ولم يرقى هذا الاستعمال الى وضع معايير وشروط بل فقط الاكتفاء بالبحث عن فضاءات قابلة لنصب خيام للنوم وخيام للتغذية والمرافق الصحية قرب منبع ماء، في مكان "آمن"، أو تحويلها لذلك، ومن ذلك بالخصوص تحويل أقسام الدراسة في بعض المؤسسات الى غرف النوم.

ولما تزايد الاقبال على هذا النشاط توسعت استغلال الفضاءات الى كل ما يسمح "بتجميع وتنشيط وإقامة مجموعات الأطفال" بدون مقاييس ولا معايير للحيز المستغل بالنسبة لعدد المستغلين ولا ضرورة توفير دورات المياه الكافية للنظافة والاغتسال وقضاء الحاجات الحميمية الخاصة فرادى وجماعات، ولا الشروط الأمنية العامة.

ومن هنا كبر نهم الذين يرون في معضلة العطلة كأزمة مجتمعية مكسبا مثمرا مثلما رأى بعضهم ذلك في التعليم الخصوصي في البداية وفي الحضانات ورياض الأطفال، بنفس طريقة الفراشة الذين يرون حل مشكلة عملهم في تجارة موازية على الأرصفة ولو ضدا على أصحاب المتاجر بدون أي اعتبار الا استغلال الحاجة الى التسوق، وقد نجد ضمنهم أصحاب الحوانيت الذين يفترشون هم كذلك الأرصفة بنفس الفوضى والازدحام،

 

  1. والمعضلة في هذا الباب، هو تراجع دور الدولة بل وتخليها عن مراقبة هذا القطاع بفعل المرسوم الأخير (مرسوم المخيمات: مرسوم رقم 2.21.186 بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب) الذي حصر تدبير هذا القطاع الحكومي على فضاءات وعدها وأحصاها وحصرها، ولم يعط أي توجه لمن يقيم أو يرغب في فتح مخيم سواء قطاع حكومي آخر أو شبه عمومي ولا حتى الخواص، ولم يحل هذا المرسوم على قوانين أخرى لتنظيم: المخيمات الصيفية، مخيمات معسكرات مصطافات الأطفال، أو الاستقبال الجماعي لجماعات الأطفال والشباب.

فهذا غياب في تحديد مسؤولية الاشراف على المخيمات التي تنظم خارج أسوار قطاع الشباب، أي لدى القطاعات الحكومية والشبه حكومية والخاصة ومن طرفها التي تنشئ المخيمات وتفتحها وتسيرها بشكل يعتمد على أعراف فقط وانزلاقات مختلفة وليس لضوابط ومعايير مقننة ومعروفة ومضبوطة، وتلك التي لقد داع صيتها بمناسبة معضلة العطلة لدى الأسر المغربية في حدائق منازل وفي مركبات فندقية وسياحية، قد تكون ذات ألوان تربوية ولكنها لا تخضع لأي مراقبة في انشائها وتسييرها وماليتها وتغذيتها، والمقصود منا بالمطالبة بالإشراف ليس التدبير ولكن التقنين والمعيرة القانونية العامة.

لقد نبتت المخيمات في كل البنايات وكل حدائق المنازل والكاراجات، وجولة عبر صفحات الشبكة العنكبوتية تدخلكم في متاهات العروض والصورة المستنسخة والبرامج المضيئة والاثمان الخيالية،

 

  1. واليوم ومرة أخرى أعيد نشر جزء من مقال سابق نشر قبل سنة ولازالت راهنيته مؤكدة، لأن الذين بيدهم أمور تدبير القطاع لم يعملوا على استثمار الوقت الذي منحته الجائحة وبعد الجائحة لتحسين وتقويم أدوار الدولة في الموضوع:

على المسؤولين إن كانوا يرغبون فعلا في تنظيم قطاع المخيمات التربوية أو منشئات ومؤسسات استقبال جماعات الأطفال والشباب بالمبيت وبدون مبيت، أن يعملوا على استصدار قانون المخيمات التربوية يتضمن مسؤولية جهاز مكون من القطاعات الحكومية وغير الحكومية المتدخلة حسب شروط انخراط واضح واجباري، وهو ما نسميه جهاز دستوري، يتقاسم الأدوار مع الدولة حيث يسير ويشرف على القطاع مع العاملين فيه ويترك للدولة دورها في التأطير والمراقبة والتحكيم، ويوسع مجال الإشراف إلى كافة المخيمات الجماعية حيث ينتظر القطاع معيرة في المستوى وضبط قوانين تسييره، والاعتراف بدور المنشطين ليس كحلقة ضعيفة في المنظومة بل كعنصر أساسي لمكونات هذه المؤسسة المجتمعية، ويعترف بالحق في العطلة المنظمة ويفتح الباب للاستفادة منها لأكبر عدد من الأطفال والشباب بعدالة مجالية مدروسة ومخطط لها واستقطاب فضاءات أخرى وإنشاء مراكز جديدة بمعدل مقبول في كل الجماعات كخدمة عمومية وحق وليس امتياز طبقي وفئوي.

ولن يتأتى هذا الا بعمل وطني تشاركي يضيف خبرات الفاعلين وتجاربهم وتنوعها الى حنكة الإدارة وقدراتها في عملية تعبوية شاملة تحافظ على مكتسبات مخيمات مغربية ساهمت في صقل وبلورة وتكوين أجيال من الذين سنحت لهم فرصهم الاستفادة منها، وتنطلق في خطط متعددة على مستوى توسيع دائرة المستفيدين وحمايتهم وتنويع الفضاءات وتجويد القائم منها، بالاستفادة من الإمكانيات القائمة اليوم كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والاستثمار والتشغيل المباشر وخطة توسيع قاعدة التكوين المهني والتقني مع الالتزام بالتوجه نحو جهوية موسعة.

 

  1. ان المخيم مؤسسة مجتمعية  لم ترق ضمن تنظيم مجتمعنا المغربي ودولته الفتية بعد حوالي مائة سنة على انطلاقه كنشاط منظم وازيد من ستين سنة على بناء دولة الاستقلال، إلى مؤسسة مقننة ومضبوطة بعلاقات تنظيمية سابقة ولاحقة محكومة بالقوانين، ومستمرة في الزمان والمكان- وهو ما دفع احد الاخوة مؤخرا بأن ينكر عليها صفة المؤسسة- ولكننا في حركات التربية الشعبية نعتبرها مؤسسة لأنها تنظيم قائم الذات، لازلنا نشتغل عليه- هواية- لان يتبوأ موقعه في مؤسسات التنشئة : الأسرة ، المدرسة ، الوقت الحر والذي يعد المخيم جزء من محاولة تنظيمه وتهديفه.

أن هذه المؤسسة ليس لها كباقي مؤسسات الطفولة والشباب الاخرى - الا مراكز حماية الطفولة- أيا كان موقعها في خرائط الحكومة، إطار قانوني تنظيمي يوضح اختصاصاتها وينظم فعالياتنا وعلاقاتها وشراكاتها، فالهيكلة الإدارية تخضع لمزاج المسؤولين من المركز إلى أصغر مخيم، واستمرار أو انحسار الموارد البشرية الموضوعة رهن اشارتها يعرف عدم استقرار مستمر بالنظر لمستوى الاهتمام والتورط في المسؤولية لدى أصحاب القرار.

ولا زال الاعتراف بهذه المؤسسة لدى الأسر يعرف كذلك تذبذبا باعتباره فقط جائزة لحسن السلوك وللنتائج المحصل عليها في السنة الدراسية.

ومعضلة العطلة لدى الأسر لم نجد لها حلا لواقع الفراغ والضياع القاتل، إلا بنسب محدودة في الاعداد والفضاءات والامكانيات بملئها بالمخيم كملجإ لسد هذه الثغرة، والجماعات المحلية بصيغها لم ترقى مساهماتها في حل مشكلة العطلة أو أزمة المخيمات وافادة الأطفال إلا بمقدار المردود المباشر لقوة انتخابية بشرية تفنن العديد من المستشارين المحليين في صيغ تعبئتها وترويضها لصالح منظومة انتخابية لها مالها وعليها ما عليها.

فمن يسمح بهذه الفوضى ومن يرخص لهذه الطفيليات ومن لم يقم بدوره، ستتدخل بطل تأكيد جهات ما في الموضوع، وعندما يريد القطاع استرجاع مسؤولياته سيجد شركاء آخرين مزاحمين له.