الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

حمزة: حكاية علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر بقبيلة أحمر ومحيطها الجغرافي (7)

حمزة: حكاية علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر بقبيلة أحمر ومحيطها الجغرافي (7) رسم للقائد الوزير عيسى بن عمر إلى جانب الباحث الأستاذ المصطفى حمزة

في الحلقة الأخيرة من سلسلة حلقات حوار جريدتا "الوطن الآن" و "أنفاس بريس"، مع الباحث الأستاذ المصطفى حمزة بصفته متخصصا في التاريخ الجهوي والمحلي، سلط الضوء على أبرز الأحداث التي جعلت القائد الوزير عيسى بن عمر يعيش فترة عصيبة من حياته في سياقها التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، والوقوف عند حصوله على الحماية الفرنسية. وشدد ضيف الجريدة على أن الموضوع يتطلب من المهتمين والباحثين، أن يولوا اهتماما كبيرا للعالم القروي والأسر القروية، خدمة لتاريخنا الوطني، الذي نحن في أمس الحاجة إلى كتابته. 

 

ما هي أبرز الأحداث التي جعلت القائد الوزير عيسى بن عمر يعيش فترة عصيبة من حياته خلال فترة السلطان مولاي عبد الحفيظ؟ 

طبعا، خلال هذه المرحلة، عاش سي عيسى بن عمر فترات جد دقيقة من حياته،  عكست ما للرجل من حنكة سياسية ودبلوماسية، عندما أعلن تحالفه مع التيار الحفيظي وعُيّن وزيرا، كما عكست تجدُّر العلاقة بينه وبين قبيلة أحمر، إذ انتقل من قائد على فرقة المصابيح، إلى قائد على كل القبيلة، هذا إلى جانب المكاسب التي حققها لأبنائه، ومع ذلك عاش فترة عصيبة من حياته، فرضت عليه الاحتماء بالفرنسيين.

 

كيف نقرب القراء من هذه الفترة؟

لما تطور المشروع الحفيظي بالحوز، اندمج فيه وشارك في البيعة الحفيظية، وعُين في وزارة الخارجية، حيث عَين ولديه أحمد ومحمد نوابا له في قيادة منطقة عبدة، وفي نفس الآن عَين ابنه سي الهاشمي سفيرا للتعريف بالملك الجديد، بل لم يفته أن يضيف لمنصب الوزارة قيادة فرقة المصابيح من قبيلة أحمر. وخلال تواجد السلطان مولاي حفيظ والوزراء بمكناس، بدأ العزيزيون يهددون مراكش في صيف 1908 م، بعث قوة عسكرية برئاسة المدني الگلاوي وسي عيسى، والمؤكد هو أن هذين القائدين قد تصالحا مع القائد المتوﯕي، وحصلا له على أمان السلطان، ولا شك أن اتفاق القواد / الوزراء الثلاثة إنما راعوا فيه مصالحهم وتثبيت نفوذهم بالحوز قبل كل شيء، وهكذا سنجد بأن سي عيسى الذي كان بمراكش من خريف 1908 إلى ربيع 1909،  سيتم تعيينه قائدا على كل أحمر، وذلك بعد إعفاء القائد سي محبوب عام 1909م، وقد مارس هذه المهمة بمساعدة سيدي محمد بن العربي البوسني، وبذلك أصبح يحكم على قبيلتي عبدة واحمر، بل امتد ويمتد نفوذه على قسم من دكالة و الرحامنة .

 

ما هي أسباب حصول القائد الوزير عيسى بن عمر على الحماية الفرنسية؟

بعد مهمة الحوز وجد سي عيسى نفسه مكلفا بردع التمرد الذي اندلع ببني مطير، إلا أن الأمر قد طال أكثر من اللازم، مما أدى إلى غضب السلطان، فسعى للحصول على الحماية الفرنسية، تخوفا منه، ثم نالها، ومنذ ذلك الحين، حافظ على لقبه بصفته وزيرا، لكن دون ممارسته لمهامه بدار المخزن . وقبل الإجابة عن هذا السؤال، نشير إلى أنه حظي باحترام وتقدير الدول الأجنبية، كما أكد ذلك مؤلف كتاب "على عتبة المغرب الحديث"، إلى جانب رسالتين لوزير خارجية بريطانيا المفوض بطنجة، فقد نعتته في الرسالة الأولى بـ (الفقيه الأجل المعتبر الأفضل المكرم الأفخم)، وطالبته بإنصاف المنبهي. وزكت الرسالة الثانية نفس التحلية بصيغة، (الفقيه الأجل الأرضى الأفضل الأمثل)، وطالبته بنقل خبر وفاة ملك بريطانيا للسلطان .

المؤسف هو أن علاقته بالدول الأجنبية، وخاصة بالفرنسيين، إضافة إلى علاقته بمولاي عبد العزيز، كانت سببا في حقد الصدر الأعظم عليه، : فـ (وسوس لخليفته في العمالة على قبيلة عبدة [ سي أحمد ]، فاشترى عمالة والده بـ: مائتي ألف ريال، وأباح السلطان له دار والده وأملاكه في عبدة، فحاز ذلك، وأصبح والده فقيرا وهو وزير)، وأكثر من ذلك تم في شعبان 1328ھ، غشت 1910 عزله من وظائفه، وتولية المقري مكانه، فصار يعيش خامل الذكر في فاس بعد أن زال عنه ما كان له من حظوة، ونتيجة لكل هذه العوامل: (ركن لدولة فرنسا، وكان من أول مساعدي سياستها وأوفاقها التي عقد المقري بباريز، ولذلك أعطته حمايةً خصوصية، وعضدته حتى بقي في الوزارة، وشغل وزارة الشكاية، والتزم المخزن بأداء ما ضاع له وتعويضه عليه)، لكن هذا التعويض لم يتم إلا بعد عدة محاولات، وهكذا عاش في فاس في شيء من التكدر، إلى (أن حصل السيد رينو من السلطان على الموافقة بأن يعيد إليه قيادة عبدة، فلما كان تمرد يوم 17 أبريل 1912 تولى بحمايته كثيرا من مواطنينا)، بل أكثر من ذلك، تجاوزت خدماته للفرنسيين حدود فاس، وذلك بنقله لأخبار لا صحة لها في الواقع، إلى المناطق البعيدة عنها، ومن ضمنها قبيلة أحمر، وكان هدفه، هو إظهار قوة وعظمة فرنسا، وهذا ما يدرك من الكلمات التي كان يستعملها أثناء الحديث عن فرنسا وجندها (الدولة الفرنسية الفخيمة)، ( تْكْلّْمُوا المدافع كالرعد)، وبالمقابل نعت ثوار يوم 17 أبريل من نفس السنة بـ: (طيش من رعاع العسكر المنظم الجديد)، وعيسى بن عمر برسالته هذه، كان يهيئ للفرنسيين دخول عبدة وأحمر بدون مقاومة، يضاف إلى هذا أنه كان يريد أن يظهر الاتفاق الحاصل بين المخزن وجيش الاحتلال، مع العلم أنه ليس هناك أي تعاون أو اتفاق بتاتا.

 

كيف سارت الأمور بقبيلة أحمر خلال فترة السلطان مولاي يوسف؟ 

تعاقب على تدبير أمر قبيلة أحمر خلال هذه الفترة مجموعة من القواد، كان أبرزهم سي عيسى، وهم القائد محبوب، الذي سبق له أن أعفي من مهامه، وأثناء غياب سي عيسى، والاضطرابات التي عرفها  الحوز، اضطر مولاي عبد الحفيظ إلى العفو عنه، وعينه من جديد باشا على أسفي، ثم قائدا على أحمر، فقام بتنظيم حملات ضد فرق حمرية بهدف استتباب الأمن، والحد من الجرائم، وفي عهده أعلن  الحمريون الولاء لأحمد الهيبة و أمدوه برجال كثر .

 

هل استمر نفوذ القائد الوزير سي عيسى قائما على عبدة واحمر؟

نعم، لقد استرجع عيسى بن عمر العبدي، بعد توقيع عقد الحماية، مكانته على رأس منطقة عبدة، وهو ما أكده في  رسالته إلى أعيان قبيلة أحمر، قائلا: (وبعد، فإن سيدنا أيده الله، ولَّانا على قبيلة إخواننا البحاترة كافة، بإذن الدولة الفرنسية الفخيمة)، وفي شتنبر 1912 م، أصبح قائدا على منطقة أحمر، كما يتبين من الرسالة التي وجهها لفرقتين من القبيلة، قائلا: (كافة إخواننا المصابيح والفطانيس...وبعد فإن سيدنا أيده الله ولاَّنا على القبيلة الحمرية، وأسند إلينا النظر في أمرها)، وبالنظر لتعدد مسؤولياته، عَيَّن خُلفاء للنيابة عنه ببلاد أحمر، من بينهم السيد المحجوب المصباحي الذي عينه على فرقتي المصابيح والفطانيس.

على العموم، فان السياسة التي نهجها عيسى بن عمر، من أجل توسيع نفوذه بقبيلته ومحيطها، بمساعدته لبعض الموالين له، ومواجهته للمعارضين له، هي نفسها التي ستمكنه فيما بعد، من إبعاد الموالين له، وتولية أبنائه الثلاثة قُياداً مكانهم بقبيلة أحمر، إذ عيَّن بو بكر على الزُّرَّةْ الجنوبية، والمختار على الزُّرَّةْ الشمالية، وعبد الوهاب على أولاد عيسى، و كان الهدوء قد ساد في القبيلة، بعد أن شارك أربعمائة من فرسانها في حركة أحمد الهيبة. 

ولم يقع أي حادث عندما مرت بقبيلة أحمر عساكر الكولونيل " بلتيي"، بل إن مستنفرين منها شاركوا في حملة الـﯕيلولي و أنفلوس على أگادير. وبعد تنحيته عام 1913م، وُزعت القبيلة على ثلاثة قياد، وهم: عبد الرحمان بن محمد السلماني على الزُّرَّةْ، وخليفة ابن عطي على الزْرَارَاتْ، وإبراهيم ولد الحمري على أولاد يوسف.

 

بعد هذا المجهود، ما هي الخلاصات التي استنتجتها من خلال هذا البحث والنبش في علاقة سي عيسى بمحيطه الجغرافي؟

من خلال تناولي لموضوع علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر العبدي بقبيلة أحمر، استنتجت أن تاريخ القائد عيسى بن عمر لا زالت تسوده مجموعة من الثغرات، تتعلق أساسا بعلاقته بالقبائل التي سبق له أن أدار شؤونها ( دكالة، أحمر، الشياظمة )، مما يتطلب البحث والتنقيب في هذا الجانب. و الحديث عن شخصية الرجل وعن وباقي القياد، هو حديث عن أسر قروية، كانت لها مساهمات فعالة في تاريخنا الوطني بصفة عامة، وتاريخنا المحلي بصفة خاصة، ومع ذلك، فالاهتمام بها من طرف الباحثين والمهتمين يبقى ضعيفا. فضلا على أن تاريخ هذه الأسر القروية لا زال متداولا شفهيا، ومتضمن في الكثير من المتون والنصوص التراثية (الغناء القروي، الروايات الشفوية، تصاميم القصبات وأشكالها الفنية والمعمارية، مواد البناء، اللباس، الأكل ...إلخ)، إضافة إلى الوثائق والمخطوطات التي لازالت تزخر بها خزانات العديد من الأسر القروية، مما يتطلب من المهتمين والباحثين، أن يولوا اهتماما كبيرا للعالم القروي والأسر القروية، خدمة لتاريخنا الوطني، الذي نحن في أمس الحاجة إلى كتابته.

 

انتهى