نصف عام فقط كان كافيا لتسقط الأقنعة عن حكومة عزيز أخنوش التي كان لسانها، خلال الحملة الانتخابية وبعد التنصيب، أكبر من الذراع. وكان نتيجة ذلك أن تبخرت الوعود والعهود، في ما لم تتوقف الزيادات في الأسعار بشكل رهيب لافتراس ما تبقى من طاقة المغاربة الذين صاروا إزاء السراب بعد أن تعلقوا بالأمل في الاستفادة من:
* مليون منصب شغل مباشر من أجل إنعاش الاقتصاد غداة أزمة كوفيد.
* تخصيص مبلغ 300 درهم كتعويضات شهرية عن كل طفل، في حدود 3 أطفال لكل أسرة.
*تخصيص منحة عن الولادة قدرها 2000 درهم عن أول مولود، و1000 درهم عن المولود الثاني،
* تحويل مبلغ 400 درهم شهريا لفائدة من تفوق أعمارهم 65 سنة، على أن يصل هذا المبلغ إلى 1000 درهم.
* الرفع من أجور أساتذة التعليم الابتدائي، عند بداية المسار المهني، إلى 7.500 درهم شهريا...
لكن مع سقوط الأقنعة والالتزامات كان لابد أن يثير هذا السلوك استفزاز الأغلبية من المواطنين، وأن يتشكل من خلالهم رأي عام غاضب وضاغط من أجل أن تسقط حكومة أخنوش، أو على الأقل أن يشملها تعديل يكون من شأنه تهوية البيت الحكومي وإبعاد الوزراء والوزيرات الذين أبانوا عن فشل ذريع في تدبير الشأن العام، وذلك لإخراج البيت الحكومي من دائرة اللاكلمة واللافعل.
هناك إذن أكثر من سبب يجعل التعديل الحكومي أمرا ضروريا، وحاجة حيوية حتى يستأنف المغرب مسيره على درب الاستقرار والأمن الجماعي.
ويمكن، في هذا السياق، أن نجمل دواعي الحاجة إلى التعديل في ما يمكن اعتباره جدل النقصان والزيادة. فحكومة أخنوش ينقصها الحس بالمسؤولية، وبجسامة الظرف الحالي، وبتعقيدات المتغيرات الإقليمية والدولية. وتنقصها القدرة على التفاعل مع حاجيات المجتمع والتواصل الصادق معه، وعلى ابتكار المبادرات لتطويق اللامتوقع. إذ من غير المعقول أن تتركنا الحكومة إلى السوق المفترسة بدون غطاء مالي أو اجتماعي، حيث تنقصها كذلك المروءة التي يقتضيها الوضع اليوم. وإلا كيف نفسر تصريحها الصلف حين أكدت أنها لن تفعل شيئا من أجل حماية المغاربة من ارتفاع سعر المحروقات؟ وكيف نفسر تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي قال للمغاربة اذهبوا وسياراتكم إلى الجحيم؟
الحكومة تنقصها القدرة على التواصل مع المواطنين من أجل مصارحتهم بالحقيقة مهما كانت مرة. بل إنها عكس ذلك تغالطهم بتنزيل قرارات لا سند لها من حيث الاعتبار السياسي والاجتماعي والأخلاقي كما حدث أثناء الدفاع عن سحب قانون تجريم الثراء غير المشروع، أو خلال المرافعة من أجل حرمان من تجاوز سن الثلاثين من اجتياز مباريات مراكز التكوين قصد ممارسة التدريس، أو تبرير تعدد المسؤوليات خلال الولاية الواحدة. ثم جاءت بدعة الوزير وهبي الأخيرة متمثلة في الإعلان عن تقنين منع الجمعيات من وضع الشكايات ضد فساد المنتخبين.
أما الوجه الآخر لهذا الجدل السوريالي فيتمثل في امتلاك الحكومة لجرأة لا متناهية لدرجة الوقاحة في الزيادة في كل شيء. في الأسعار طبعا، وفي الزيادة في طول اللسان، وفي نفخ الأرقام، وفي "تخراج العينين"، حيث الأخلاق تقتضي أن يخجلوا مما يجري في مغرب اليوم. ويكفي بهذا الخصوص أن نقرأ تصريحاتهم كأغلبية، أو كأشخاص فرادى، وسواء في البرلمان، أو في الندوات الصحفية، ليتبين أنها بالفعل حكومة الزيادة بامتياز.
ولذلك كان من الطبيعي أن تحتدم، في ظل هذا المناخ العبثي، أجواء الاحتقان الشعبي الذي يحتد يوما بعد يوم. علما بأن لا أحد يمكن أن يتنبأ بما قد يترتب عن ذلك اليوم أو غدا من بنتائج.
وإذن فإن فشل الحكومة صار أمرا مؤكدا. بروفيلات الوزراء صارت غير مقنعة، بل هي أصغر من الإطار الذي وضعت فيه. ومن ثم وجب التغيير الآن وقبل أي وقت آخر لأن الحكومة ليست نزهة. وليس حفلا تنكريا من حق المرء أن يظهر فيه بلباس أو قناع ليغيره وقتما شاء. والعمل في الحكومة ليس مرحلة تدريب مؤقتة قد تحتمل التفوق أو الرسوب ، والمسؤولية الوزارية ليست فترة لقضاء مرحلة من الكشفية والتسكع في المخيم، ولكنها تكليف دستوري وعقد جماعي، ومجال تفويض عام أساسه مصلحة البلاد والعباد على حد سواء. وهو كذلك "تقليد" بتعبير المغاربة البسطاء قد يثقل كاهل من يخون الأمانة والمسؤولية. وبالتالي فوقتنا لا يمكن أن يهدر في الفراغ، أو يترك لأشخاص لا مسؤولين، ولا قدرة لديهم على المبادرة والتوقع والاستباق. بل لا كبدة لديهم تجعلهم يوثرون الآخرين على أنفسهم، ولا ضمير يحفزهم على الذهاب مباشرة نحو مصلحة البلاد أولا وأخيرا.
فاللهم إنا بلغنا، فاشهد!!