السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك:متى يقطع نواب الأمة مع الرقابة "الكلاسيكية"؟

وحيد مبارك:متى يقطع نواب الأمة مع الرقابة "الكلاسيكية"؟ وحيد مبارك
حدّد الفصل 70 من دستور المملكة مهام البرلمان التي تتوزع ما بين التشريع والتصويت على القوانين إضافة إلى مراقبة عمل الحكومة وكذا تقييم السياسات العمومية. تقييم يساهم بدون شك في دمقرطة الفعل والفضاء العموميين، ويعرّفه القانون الداخلي لمجلس النواب بكونه نشاطا يهدف من خلال إجراء المسوحات والأبحاث والتحاليل إلى تشخيص نتائج السياسات والبرامج العمومية وقياس آثارها على الفئات المستهدفة والمجتمع بشكل عام، وكذا قياس مستوى تحقيق الأهداف المخطط لها وتحديد العوامل التي مكنت من تحقيقها، وقد بيّن دستور 2011 في الفصلين 100 و 101 الآليات التشريعية التي تتيح القيام بهذه الخطوة، سواء تعلّق الأمر بالجلسة الشهرية أو الجلسة السنوية، كما فصّل فيها النظام الداخلي سواء لمجلس النواب أو لمجلس المستشارين.

إن اختصاص تقييم السياسات العمومية الذي جاء لتعزيز دور البرلمان في مجال مراقبة الحكومة يمكن أن يلاحظ عدد من المهتمين على أنه مشتق من الوظيفة الرقابية للبرلمان على أعمال الحكومة، وهو ما دفع المشرع الدستوري لكي يحرص على استقلالية هذا الاختصاص عن الوظيفة الرقابية، واختلافه عنها من حيث الأهداف والغايات. لكن بالعودة إلى عنصر الرقابة كما ورد في الفصل 70 وإلى الآليات التي منحها المشرع للمؤسسة البرلمانية من خلال الأسئلة الكتابية والشفوية، باختلاف أنواع هذه الأخيرة، وملتمس الرقابة وكذا لجان تقصي الحقائق، فإن المتتبع للشأن البرلماني، يقف عند نوعية العديد من الأسئلة البرلمانية الموجهة للحكومة، التي تهم قطاعات وزارية متعددة، كالاقتصاد والمالية والشغل والصحة والتعليم التي قد تتّسم بالعمومية في كثير من الحالات، ويغيب عنها الدقة والتحديد، إن على مستوى عناصر السؤال أو مكونات الجواب والأجندة الزمنية الأقرب لتنزيل مضمونه، باستثناء تلك التي قد تخص منطقة بعينها أو فئة محددة، كإحداث دار للشباب في منطقة ما أو مركز للتكوين المهني أو كلية أو غيرها، والتي لا تسلم بدورها من ملاحظات.

أسئلة مفتوحة تأتي أجوبتها كذلك عامة في كثير من الحالات، لتتحدث عن برامج وخطط مسطّرة وعن إجراءات تم تنزيلها، دون أن تتيح تلك الأسئلة إمكانية تسليط الضوء على عنصر الفعالية وعلى مستويات حضور الحكامة من عدمه، والوقوف على مدى القدرة والنجاح في تحديد حقيقة المشكل وطرح السياسة البديلة التي تجيب عنه، مما يجعل من العديد من الأسئلة مجرد أشكال تواصلية يسجل من خلالها بعض النواب حضورا شكليا، ويتيح للوزارة المعنية هي الأخرى فرصة لتأكيد تواجدها وتواصلها، وهذا يعود بالأساس إلى عدم إلمام فئة عريضة من ممثلي الأمة بتفاصيل الكثير من السياسات العمومية المفتوحة أوراشها، والإشكالات التي تعترض سبيلها أو التي تعمل على فرملتها أو تقلّص من نتائجها، ويساءل كذلك الأحزاب بخصوص التكوين والإدارة والأطر التي تتوفر عليها والتي يجب أن تشكل خزّانا يدعم الفريق البرلماني في المؤسسة التشريعية للقيام بدوره على أكمل وجه.

أسئلة كتلك التي تخص قطاع الصحة والحماية الاجتماعية، ونستحضر من بينها على سبيل المثال لا الحصر، 3 أسئلة تم توجيهها مؤخرا عن تجويد وتعزيز وتقوية العرض الصحي، ليأتي الجواب فضفاضا متحدثا عن القانون رقم 33.21 المغير والمتمم للقانون 131.13، والإشارة إلى نظام الوظيفة العمومية الصحية، والحديث عن تدعيم البعد الجهوي وإحداث نظام معلوماتي مندمج مع تحسين نظام الفوترة، ثم انتقل للحديث عما تمت برمجته في إقليمين من مشاريع صحية، وتقديم جواب عن تعثر أشغال بناء مستشفى، ثم تأهيل بعض المرافق الصحية. جواب عام في شقّ كبير منه، تغيب عنه العديد من عناصر الأجوبة الفعلية، ومنها المتعلقة بالشقّ التشريعي نموذجا، للإجابة عن الكثير من الإشكالات المطروحة، سواء التي تخص غياب هيئة للتمريض أو إشكالية الاختصاص بالنسبة لممرضي التخدير والإنعاش، وكذا الصلاحيات القانونية بالنسبة للنقل الصحي، إضافة إلى أعداد المتخصصين، والحراسات، والمستلزمات الطبية، والبنيات، وعلاقة كل هذا بقطاع الصيدلة وبالمنظومة الدوائية وغيرها، الكفيلة بتقديم صورة تقريبية عما يمكن أن يتحقق في أجل محدد.

سؤال آخر، طرحته إحدى النائبات عن وضعية أطفال التوحد، وجاء الجواب في 283 كلمة، مؤكدا مرة أخرى وبكل أسف استمرار غياب قاعدة معلومات مضبوطة عن هذه الفئة وعن عددها في المغرب، وأشار إلى مخطط جديد يعزز السابق، خاصة بالنسبة للرفع من عدد الأطر الصحية المختصة، دون أن يشير الردّ الوزاري للطريقة، أو العدد السنوي المقترح، وإلى توزيع هذه الأطر، ودون تسليط الضوء على معطى أساسي، يتمثل في سبب عدم تفعيل مجموعة من المذكرات المتعددة لإدماج هذه الفئات في الوسط التعليمي واستمرار حرمانها من حقها في التمدرس، ومن ولوج سوق الشغل، وأشكال الدعم التي يجب توفيرها للأسر المعنية، بالنظر إلى أن هذه الوضعية تتطلب مصاريف مادية كبيرة للقدرة على تحقيق تقدم في تقويم السلوك والارتقاء به، وهو ما يحيلنا على قطاعات أخرى في ارتباط بمجالات العيش اليومي لهذه الفئة، مما يساءل عنصر التقائية السياسات العمومية، بحثا عن النجاعة المفتقدة.

والسؤال الأخير، الذي نسوقه في باب الاستدلال بالنظر إلى الكمّ الكبير للأسئلة مقارنة بسؤال الوقع والأثر، يتعلق بالخصاص الحاد في الموارد البشرية بأحد المستشفيات، وبالتالي فهو يتطرّق لمشكل محلي  إلى جانب ملاحظة أخرى تضمنها هذا السؤال في نفس السياق. ويتضح من خلال قراءة بسيطة للشقّ الأول من السؤال الذي أشرنا إليه، أنه يتحدث عن إشكالية كبيرة تقصم ظهر المنظومة الصحية وهي الخصاص في الموارد البشرية، وهو ما يتطلب الوقوف على السياسة التي قررتها الوزارة للتخفيف من حدّة هذا العائق، من خلال الكشف عن التدابير المتعلقة بالتكوين الطبي، والتحفيزات التي تم تسطيرها  لمنح القطاع العام جاذبية أكبر، وكيفية التعامل مع ظاهرة هجرة الكفاءات الصحية بشكل عام نحو الخارج، والآليات التي تم تسطيرها لتدبير مرن للموارد المتوفرة يقوم على الحكامة بناء على خارطة صحية واضحة المعالم، وغيرها من المحاور التي يجب أن تكون محكومة بجدولة زمنية، حتى يمكن أن يكون للسؤال وللجواب معا قيمتهما وأثرهما، لتطوير السياسات المتعبة في هذا الصدد، وإتاحة إمكانية تقييمها بشكل عقلاني وعلمي، بعيدا عن كل نزعة سياسوية.

إن رقابة نواب الأمة اليوم على الحكومة، لا يمكن القبول بأن تظل رقابة كلاسيكية، شكلية، لأن في ذلك، تبخيس لروح هذا الاختصاص كما تصوره المشرع وجاء بها دستور 2011، لأن كافة المكونات الحية التي ساهمت في النقاش بأفكارها أثناء مراحل إعداد الدستور، كانت تسعى للقطع مع الضعف الذي اعترى الصلاحيات البرلمانية في دساتير المملكة منذ دستور 1962 والمحدودية التي ظلت عنوانا لها، والانتقال من المجالات الضيقة التي رسمتها إلى مجال أكثر رحابة وديمقراطية يساهم في الارتقاء بعمل المؤسسة التشريعية والأداء الحكومي، وأن يكون أدائهما معا يهدف إلى تحقيق النجاعة مع حضور أكبر للحكامة، وهو ما دفع لدسترة الاستعانة بتقارير بعض المؤسسات كالمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للتربية والتكوين، وكذا هيئات الحكامة المنصوص عليها في الفصول من 161 إلى 170. فمتى يستوعب نواب الأمة هذا الأمر ويرتقوا بأدوارهم ويمارسوا رقابة قادرة على تطوير العمل البرلماني وسدّ الفجوات وتحقيق النجاعة في مختلف السياسات؟
 
وحيد مبارك، صحفي باحث في السياسات العمومية