الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: بين نقاش مواجهة الغلاء وسجال الشيخ والشيخة...

يونس التايب: بين نقاش مواجهة الغلاء وسجال الشيخ والشيخة... يونس التايب

 

 

يوم الاثنين الماضي، انطلق سجال جديد سماه البعض بملف "الشيخ و"الشيخة"، إنقسم بشأنه الناس بين متفق مع التصريحات التي خلقت الجدل، ورافض لها. وللأسف، غطى ذلك السجال على نقاش سياسي هام عرفته جلسة مجلس النواب، التي انعقدت في نفس يوم الإثنين 18 أبريل، بحضور السيد رئيس الحكومة، حيث لم ينل ذلك النقاش مساحات كان يستحقها لدى المتفاعلين عبر منصات التواصل الاجتماعي.

 

وقد تجلت أهمية جلسة مجلس النواب في كونها عرفت نقاشا سياسيا مهما حول غلاء الأسعار، خاصة أثمنة الوقود، وحول أسباب سطوة منطق السوق في تحديد الأسعار والخضوع الكلي لتقلبات السوق الدولية، بعد وقف مساهمة صندوق المقاصة في غالبية المواد، باستثناء مادة الغاز وبعض أنواع الحبوب.

 

بالتأكيد، قد نتفق مع ما قاله رئيس الحكومة في تلك الجلسة وقد لا نتفق، لكن يبقى أن رد السيد عزيز أخنوش على ما قاله رئيس المجموعة النيابية لحزب البيجيدي، كان فيه دفاع قوي عن حصيلة ما قامت به حكومته في مواجهة أزمة الغلاء، وتحميل مباشر للمسؤولية للحزب الذي سير الحكومة، خلال العشر سنوات الماضية، على اعتبار أنه هو من أوقف دعم صندوق المقاصة عن مجموعة من المواد والمحروقات، في سنة 2014، فأصبحت أسعارها تتحدد بحسب قواعد العرض والطلب، واضطرابات السوق العالمي.

 

في رأيي، مما قاله رئيس الحكومة، هنالك ثلاثة نقط تكتسي أهمية كبيرة وتحتاج إلى وقفة هادئة، ألا وهي :

 

- أولا، قوله أن الحكومتين السابقتين لم تعمل على توفير رصيد احتياطي استراتيجي من المواد الطاقية لبلادنا.

- ثانيا، قوله أن الحكومة السابقة لم تخبر الشركات المعنية، بأن الغاز الجزائري سيتوقف مروره عبر الأنبوب الذي يمر عبر بلادنا، ليتوقف تزويدنا بجزء من احتياجاتنا. وبالتالي، وجدت الشركات نفسها أمام الأمر الواقع، واضطرت في آخر لحظة لحل المشكل عبر تزويد السوق من مصادر أخرى.

 

- ثالثا، و هذه أهم نقطة، السيد رئيس الحكومة قال أنه "ياريت لو يجي من يشتري مصفاة سامير ...!!" وذكر بأن الملف عند القضاء، و أن هنالك صراعا كبيرا بين الأطراف المالكة سابقا للمصفاة والمتنازعة بشأنها.

 

هذه النقط، تستدعي مجموعة من الأسئلة منها :

* بالنسبة للنقطة الأولى، كيف يعقل أن الحكومتين السابقتين لم توفرا مخزونا احتياطيا استراتيجيا من المواد الطاقية؟ هل كان بإمكانها توفير ذلك، ولم تفعل؟ ولماذا؟ وهل كانت لبلادنا التجهيزات لتخزين رصيد احتياطي من المواد الطاقية، لو أن الحكومات السابقة قامت بشراءه حين كان الثمن منخفضا؟ وكيف يمكن تفسير كون الحكومتين السابقتين، قبلتا المخاطرة بترك البلاد دون رصيد احتياطي استراتيجي؟ وعلى من تقع المسؤولية في هذا الإخلال، إذا كانت الأمور قد جرت، فعلا، على الشكل الذي قاله السيد رئيس الحكومة الحالي؟ هل تقع المسؤولية على عاتق رؤساء الحكومة السابقين وحدهم، أم أن المسؤولية على عاتق كل أعضاء الحكومة وعلى الأحزاب التي شاركت فيها؟ وكيف يعقل أن موضوعا استراتيجيا كهذا، لم تنتبه إليه أحزاب المعارضة، في حينه، ولم تقم الدنيا حتى يتم تصحيح الوضع؟ والآن، مع هذه الحكومة التي بدأت الخدمة في أكتوبر 2021، هل هنالك إرادة واستراتيجية لتوفير مخزون استراتيجي من المواد الطاقية لبلادنا في المستقبل؟ متى سينطلق تنفيذها، وكيف ذلك؟

 

هذه النقطة، تذكرنا بتصريحات رسمية أشارت، قبل أسابيع، إلى أنه وقع على عهد الحكومتين السابقتين تأخير كبير في تنفيذ برنامج بناء السدود المائية، مما عرض بلادنا لخطر خصاص استراتيجي في مادة الماء، مع توالي سنوات الجفاف. وسواء في موضوع استراتيجية تعزيز احتياطنا من الموارد المائية، أو بشأن الرصيد الاستراتيجي من المواد الطاقية، تبدو الحاجة ملحة لتوضيحات تبين للرأي العام، أسباب هذا الإخلال بالمسؤولية وهوية المسؤولين عنه أو، على العكس، تطمئننا إلى أن الأمور لم تجر بالطريقة التي سمعناها في جلسة مجلس النواب، وأن هنالك حقائق أخرى.

 

* بالنسبة للنقطة الثانية، كيف يعقل أن الحكومة السابقة لم تخبر الفاعلين في سوق المحروقات بأن الغاز الجزائري سيتوقف ؟ وهل كانت هنالك، فعلا، حاجة لتخبرهم، بينما الأمر لم يكن سريا، بل معروفا من خلال وسائل الإعلام، والجميع كان على علم بما تقوله الجزائر، التي لم تناقش الأمر مع أي كان، وقررت لوحدها توقيف تصدير الغاز عبر الأنبوب المغربي؟ أم أن القصد هو شكل آخر من الإخبار كان يجب على الحكومة القيام به نحو الشركات الفاعلة ولم تفعل ذلك؟

 

* بالنسبة للنقطة الثالثة، السيد رئيس الحكومة قال "يا ريت يجي اللي يشري لاسامير"، بما يعني أنه، هو شخصيا، ليس ضد إعادة تشغيل المصفاة. وهذه نقطة مهمة تقلب كليا الصورة التي كانت تروج عن الموضوع، وتتيح لنا فرصة نقاش عمومي هادئ بشأن مصفاة شركة لاسامير على أسس جديدة. في هذا السياق، إذا لم تكن هنالك أي معارضة رسمية لإعادة تشغيل لاسامير، فهذا يعني أننا ضمنيا متفقون على أن المصفاة يمكنها أن تلعب دورا في منح بلادنا إمكانيات توفير احتياطي استراتيجي من المحروقات، حيث بالإمكان حين تصبح المواد الطاقية في مستواها العادي في السوق الدولية، أن تنتج لاسامير وتخزن مشتقات النفط، لتوفير مخزون استراتيجي للطوارئ، بموازاة بيعها الوقود للشركات في السوق الداخلي.

 

وبالتالي، إذا كان الجميع يتفق على أهمية لاسامير، ماذا ننتظر ليصبح الهدف هو إعادة تشغيل الشركة بسرعة، سواء عن طريق تفويتها لمستثمر قد يأتي لشرائها، أو بطريقة أخرى تكون هي أفضل الطرق لحل المشكل؟ لماذا لازال ملف لاسامير، غارقا في متاهات المحاكم، وما هي طبيعة المشكل الذي لم نجد له حلا عبر القانون والقضاء؟ ولماذا ننتظر مستثمرا خاصا، وطنيا أو أجنبيا، لنترك له، من جديد، مؤسسة حساسة واستراتيجية يفعل بها ما أراد...؟؟ بغض النظر عن كلفة الإنتاج مقارنة مع السوق الدولية، ورهانات الربح والخسارة، لماذا لا يكون هدفنا هو تعبئة إمكانيات الدولة لشراء لاسامير، مع قبول مشاركة رأسمال خاص، وطني أو دولي، مساهمة في تعزيز مقومات السيادة الطاقية لبلادنا؟ لماذا لا نمنح أنفسنا فرصة توسيع هامش المناورة، خاصة في فترات تعرف فيها السوق الدولية للمحروقات تقلبات كبيرة، عبر تسريع استرجاع الدولة لمصفاة لاسامير وضمها لممتلكات الدولة المغربية؟

 

هي مجموعة أسئلة بدت لي مهمة في أعقاب ما كان من نقاش في مجلس النواب، يوم الإثنين، خاصة أن السيد رئيس الحكومة ظهر بأسلوب تواصلي أكثر تحررا من واجب التحفظ المعهود فيه، وسجل نقطا أكيدة لصالحه. ويبقى المهم فيما قيل، أنه يفتح أبوابا يتعين أن ندخلها لفهم أسباب قرارات اتخذتها الحكومتان السابقتان، بشأن ملفات عديدة، وأنتجت الأثر الضاغط الذي نلمسه في واقعنا الحالي، سواء في ملف استراتيجية تدبير الرصيد المائي ببلادنا، أو في محور الاستراتيجية الطاقية.

 

طبعا، للأطراف المعنية الحق في توضيح الصورة من زاوية نظرها، عبر تقديم إجابات عن التساؤلات المطروحة، وتبرير الاختيارات التي قامت بها حين كانت في دفة قيادة الحكومة. ولعل ذلك هو ما فعله رئيس الحكومة السابق، السيد عبد الإله بن كيران، يوم الثلاثاء الماضي عبر لايف جديد بثه على صفحته على الفيسبوك.

 

وقد سمعناه يؤكد أنه هو من قرر وقف دعم المحروقات، وأوقف دعم صندوق المقاصة للمواد الاستهلاكية وللوقود، من منطلق قناعة خاصة لم يفرضها عليه أحد، لإيمانه أنه "إذا عاش النسر، يعيشوا أولاده!"، بمعنى أنه "إذا حافظنا على التوازنات المالية العمومية سنحافظ على قدرات الدولة على التدخل لحماية المواطنين، وضمان الاستقرار".

 

وبالتالي، المسؤولية تقع على عاتق السيد بن كيران في قرار تحرير سوق المحروقات. وحتى لو سلمنا بأن قراره نفع كثيرا ميزانية الدولة وخفف الأعباء عنها، إلا أنه زاد من صعوبات الحياة على المواطنين، وقوى الضغط على الطبقة المتوسطة في بلادنا، وأضعف القدرة الشرائية للناس، وتركنا جميعا دون حماية أمام تغول السوق الليبرالي في غياب تسقيف الأسعار وتوقف مساهمة صندوق المقاصة.

 

لكل ما سبق، تساءلت كيف لم يهتم عدد كبير من المتفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي، مع ما قيل في جلسة الإثنين بمجلس النواب، باعتباره امتدادا للنقاش الجاري في المجتمع حول غلاء المعيشة و تراجع القدرة الشرائية للمواطنين؟ أم أن هنالك سجال أهم من البحث في سبل المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين وفي كيفية مواجهة الغلاء، باعتبار ذلك أولوية تستحق كامل التركيز والنقاش الرصين؟

 

بصدق، لم أجد في سجال "الشيخ والشيخة" أي فائدة مؤكدة، بالنظر إلى غياب تأطيره بالضوابط المنهجية اللازمة والهدوء الواجب. وقناعتي هي أن الظرف الحالي، لا يجب أن يعلو فيه أي سجال على النقاش العمومي الرصين حول سبل حماية القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل، وضرورة الترافع لدى الحكومة من أجل بلورة حلول لأزمة ضاغطة، والانخراط في إنجاح عدد من البرامج الجديدة التي تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي للشباب و خلق فرص شغل، وحماية المقاولات المغربية، حتى نخرج جميعا من عنق الزجاجة.