الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الشفاج: على مشارف رمضان سؤال التدين بالمغرب

سعيد الشفاج: على مشارف رمضان سؤال التدين بالمغرب سعيد الشفاج
يعتبر شهر رمضان من الشهور المفضلة لدى مسلمي العالم كله، وقد أثنى عليه الله سبحانه واعتبره شهر القرآن وفرض صيامه. غير أن الفكر الطقوسي هيمن على الذاكرة العربية بشكل عام وعلى المغاربة بشكل خاص، فتجدهم يؤسسون الجوهر  بمظاهر حسية تجعل من الظاهر مخالفا البتة للباطن. إن الصراع المفاهيمي بين الجوهر والمظهر قديم قدم نشوء الفلسفة، لكن هذا الصراع أبدي ويتلون حسب نظام الغالب والمهزوم والحاكم و المحكوم، وحسب المكاسب الحسية التي تجنيها الأنظمة بالتواطؤ مع الفقهاء والعلماء وأجهزة الإعلام، لننطلق عمليا من مقاربتنا للقرآن الكريم، هذا الكتاب المقدس الذي يعتبر خاتمة الكتب السماوية وقانونا ربانيا به تستنير البشرية وتنجو. فقد أصبح مجرد ظاهرة صوتية، حيث نتهافت على الأصوات ذات اللحن المشرقي مبتعدين بالكامل عن معاني القرآن وأهدافه، والمشكلة أن مئات القراء غدوا مجرد أصوات جميلة تنافس أقوى الأصوات الغنائية، مما أصبح لزاما على وزارة الأوقاف أن تتدخل وتوقف هذا الهزل بالنص القرآني. القرآن لا يسمع إلا في تراويح رمضان وفي المقابر والمأتم والأربعينيات والجمعات، نؤثث به فضاءاتنا ومحلاتنا، وهذا ليس في حد ذاته عيبا، بل هو استرجاع للفطرة التي خلق الله بها البشرية جمعاء. لكن ماذا بعد الإنصات؟ طبعا فالقيم القرآنية يجب أن تطبق في تعاملاتنا وحياتنا اليومية وتنعكس تلك التعاليم على معاملاتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية. لكن المغاربة جعلوا من النص الديني تشكيلات صوتية: تخشع للحظات، ثم تعود لبؤس المعاملة وسوء الخلق. لم يختم الله الرسالة إلا عندما وصلت البشرية إلى معاني التفكر و التدبر والتعلم والقراءة. الهدف من القرآن هو التطبيق بنسبة تحفظ قيم التحاور والجوار والأنس بالله وعمارة الأرض والعمل الصالح. لقد خاطب القرآن القلوب عندما قال سبحانه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، لأن القلب هو الأصل و ليس اللسان والحنجرة وأبواق المساجد التي ابتلينا بها للأسف. حتى عندما أوصانا القرآن بحسن الإنصات للخطاب الإلهي فهو يقصد الإنصات المؤدي إلى التدبر، ثم التطبيق بقدر مستطاع المسلم. الطقوس الدينية مجرد أعراف و غلو ولم يثبت عن سلوك الانبياء انهم فرضوا أسلوب تدين معين باستثناء التوحيد الإلهي الذي يعتبر إجماعا بشريا لا مناص منه، وما دون ذلك ليس سوى شعائر يؤخذ فيها ويرد. هنا قد يرد البعض أن الاجتهاد بالسنن أمر يزيد من فرص النجاة يوم الحشر، لكن ما يعيبنا نحن هو قراءتنا للسنة ومحاولة الكثيرين فرض السلوك النبوي على الآخر. مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرض يوما ما نمط عيشه على الآخر باستثناء التوجيه والنصح بالتي هي أحسن. مظاهر التدين في رمضان أو غيره من الشهور تسيء للإسلام وتعطي لغير المسلمين انطباعا أن هذا الدين شاق وأن عليهم أن يتبعوا تمثلات محددة، مع أن كل الطرق تؤدي إلى الله تعالى مادام هناك اعتراف عقلي ووجداني بوحدانيته سبحانه، ومادام البناء والإصلاح والإعمار وحسن الجوار مع الآخر هي أساس العقيدة، ولن تؤدي أبواق رمضان إلى شيء سوى إلى تلك الجعجعة بدون طحين. 
وكل رمضان و أنتم سالمون.