الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح / 2)

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح / 2) مصطفى حمزة مع جانب من مدرسة الأمراء وسجن الشماعية

في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الباحث مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، بخصوص حلقات حول "جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر"، أشار بالقول إننا "عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث، والأمكنة وغيرها من تراثنا المادي واللامادي (رغم أهميتها المادية والمعنوية) سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا".

 

وانطلاقا من هذه الملاحظة، شدد نفس حمزة قائلا: "يتضح أننا ضيعنا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي". مضيفا بأن ما ضيعناه على سبيل المثال لا الحصر بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر من معالم ومواقع أثرية وتاريخية يتمثل في "معلمة القصبة الإسماعيلية، ومدرسة الأمراء العلويين، إلى جانب الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، فضلا عن بنايات حي (الديور الجداد)، ومراكز قرية سيدي أحمد، والقرية الفوسفاطية المزيندة، والأحياء العمالية، وقصبات الكثير من القواد، دون الحديث عن معلمة معصرة السكر بمنطقة سيدي شيكر...".

 

وأكد مصطفى حمزة إلى أن الإهمال جعلنا نضيع كذلك "العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والألعاب الشعبية، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية".

 

ورغبة منه في المساهمة في الحفاظ على تراث المنطقة، قرر الباحث مصطفى حمزة الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وأن تكون البداية بـ "سجن الشماعية" القديم والذي انقرضت معامله بمدينة الشماعية، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، يذكر منهم: (الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، والوطني محمد بن الطبيب الآسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر..)

ما هي دواعي تواجد هذا السجن بمدينة الشماعية؟

تؤكد مجموعة من الوثائق، أن قبيلة أحمر، رغم ما مورس عليها من تسلط من طرف القواد الذين تعاقبوا على تدبير شأنها وخاصة خلال القرن 19م، ومن تعسف وتضليل من طرف القائد عيسى بن عمر العبدي، والقواد الذين كانوا يسيرون في فلكه، فقد بقيت وفية لطابعها التمرّدي ضد كل أشكال التسلط والاستبداد، وهو ما يترجم مساندتها ودعمها للشيخ أحمد الهيبة ماء العينين في معركة سيدي بو عثمان (منطقة الرحامنة)، واستمرار بعض الفرق الحمرية التي ظلت محافظة على أسلحتها، في القيام باضطرابات داخلية مثال: الاعتداء على الأجانب المارين بأرض أحمر.

ونتيجة لذلك، فقد اقتطعت قبيلة أحمر في سنة 1914م من دائرة دكالة عبدة المدنية، وأضيفت إلى ناحية مراكش العسكرية، وفي 1919م أقيم مكتب للمراقبة المدنية بالشماعية، وكان أول رئيس له "دو تريبون" الذي اتخذ من "مدرسة الأمراء العلويين" مقرا إداريا وأضاف إليها عدة تغييرات من أبرزها السّجن، ومجموعة من الأقسام تتبع الإقلاع الاقتصادي بالمنطقة، كما أنشأ أول مكتب للاستعلامات.

وهكذا يتبين أن سنة 1919م، كانت هي بداية انطلاق سجن الشماعية في مهامه ...، ويكون المسؤول الفرنسي "دو تريبون" هو مؤسسه.

كيف كان يقضي المغاربة عقوباتهم داخل هذا السجن؟

تؤكد المصادر المعتمدة، أن باب سجن الشماعية، كان يوجد في الجهة الجنوبية الغربية لمدرسة الأمراء العلويين، المواجهة لـ "ساحة الشرفاء". وأن ساحته كانت تتوسطها زيتونة، ولذلك عرف بـ "سيدي بو زيتونة"، بينما كانت الجهة الشمالية منه عبارة عن فضاء مغلق ومظلم، وهو الجزء الذي كان مخصصا لمبيت السجناء.

وهكذا كان السجناء، يقضون الليل في هذا الفضاء المظلم والمغلق، في ظروف جد سيئة تتمثل في انعدام الأغطية، ورداءة الوجبات الغذائية التي كانت في غالبها مكونة من خبز من الشعير وماء، بينما كانوا يقضون النهار في أشغال شاقة ودون مقابل مادي.

فقد كان السجناء مقسمون إلى مجموعات، كل مجموعة تقوم بإنجاز عمل محدد حسب حاجيات الفرنسيين، وكان يشرف على كل مجموعة "مْخَازْنِيَةْ"، مهمتهم مراقبة وضبط المساجين ومعاقبتهم في حالة التمرد والاحتجاج، ومن الأشغال الشاقة التي كان يقوم بها المساجين المغاربة:

ـ اقتلاع وتقطيع الأحجار من مقلع خاص ونقلها إلى أماكن البناء، وهو عمل شاق ومتعب، بالنظر لكميات الأحجار التي كانت تتطلبها أوراش البناء (خاصة في السنوات الأولى لاستقرار المراقبين المدنيين الأوائل) وظروف التغذية بالسجن.

ـ المشاركة في بناء وتشييد المرافق الإدارية، والوظيفية، والرياضية، والترفيهية، ودور الفرنسيين.

ـ غرس الأشجار، وهي عملية صعبة، بما كانت تتطلبه من جهد عضلي، يتمثل في عملية حفر الأرض، ثم غرس الأشجار، وبعد ذلك جلب المياه لسقيها.

ـ تنظيف أزقة وشوارع المدينة، فقد كان الفرنسيون يحرسون على أن تظل المدينة نظيفة، لكونها تشكل معبرا أساسيا بين مراكش وأسفي والشمال والجنوب.

ـ تنظيف المرابط، وتقديم العلف والتبن للماشية، فقد كانت الخيول والبغال والحمير والجمال، أهم الوسائل المستعملة في التنقل وحمل البضائع من طرف الفرنسيين والمغاربة في هذه الفترة، ولذلك كانت تحظى بهذه العناية الخاصة.

ـ الاشتغال في دور الفرنسيين، وهذه الفئة من المساجين كان يتم انتقاؤها بعناية، وغالبا ما كان يتم انتقاؤهم ممن لهم دراية بفن الطبخ، والإلمام بغرس النباتات وتشذيب الأشجار، والعناية بتربية الأطفال الصغار، والاهتمام بتنظيف البيوت.

وقد كانت كل هذه الأعمال تتم تحت مراقبة وتتبع "مْخَازْنِيَةْ"، وكان كل إخلال بهذه الأعمال، يعرض السجين إلى ضرب مبرح ومضاعفة عقوبته، كما كانوا مجبرين على رفع أيديهم تحية للمراقب المدني وغيره من المسؤولين الفرنسيين، وكل احتجاج يعرضهم للحرمان من التغذية.