الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: حرب " أوكرانيا "ودينامية النظام العالمي المتحول (1)

أحمد بومعيز: حرب " أوكرانيا "ودينامية النظام العالمي المتحول (1) أحمد بومعيز
قد يعتبر البعض أن الحرب الجديدة التي شنتها روسيا الاتحادية على أوكرانيا واجتياحها لها وليدة تحول مفاجئ في سياسة روسيا، أو أنها نتيجة لخلاف عارض بين البلدين، أو حتى أنها كانت مفاجأة في سياق ظرفية الصراع السياسي بين البلدين الجارين والذين تربطهما قرابة تاريخية، وقرب الموقع، من خلال مشترك وانتماء سابق للاتحاد السوفياتي المتفكك في تسعينيات القرن الماضي. لكن المتتبع للتاريخ الحديث للمنطقة، وللتحولات الجيوسياسية التي تعرفها على ضوء التحول المستمر الذي يطبع النظام العالمي الجديد يعي ويعترف بحتمية النزاع والصراع المحتمل بين روسيا والمناطق المجاورة لها، والتي  تفصلها جيوغرافيا وسياسيا عن أوروبا الغربية وحلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة، وهي ذاتها المناطق التي كانت قد ألحقت بالاتحاد السوفياتي في سياق ما بعد الثورة البولشوفية، ثم بعد إعادة رسم خريطة العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

هذا ويبقى المخاض غير المحسوم في إدارة العالم، هو الصراع والتحول في النظام العالمي الجديد بعد محاولة الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا الغربية السيطرة استراتيجيا على القرارات الدولية وفرض نظام عالمي بقطب واحد، في محاولة لاستبعاد روسيا والصين. لكن شرعية الإرث التاريخي الذي تطالب به روسيا وقوتها العسكرية، وكذا أداء وتطور الإقتصاد الصيني، عقدا الوضعية وصعبا  من مهمة الولايات المتحدة والحلفاء التابعين لها في فرض واقع عالم بقطب واحد. كما أن التراجع والضعف الذي باتت عليه دول اوروبا العجوز أدى إلى تآكل الدور الاوروبي، خصوصا بعد أزمة البريكسيت وانسحاب ابريطانيا من الإتحاد الأوروبي..

وارتباطا بنفس المكونات، وفي نفس سياق التحليل والتتبع ،وهذه المرة بخصوص الولايات المتحدة ذاتها، فهي في السنوات الأخيرة ومنذ ثلاث لايات رئاسية على الأقل ،لم تعد أمريكا تلك القوة الضاربة القادرة على قيادة الحروب خارج الديار وفي كل بقع العالم ، ولم تستطع حسم مجموعة من الصراعات المسلحة على الارض وفي ساحة الحرب، مما أدى إلى انسحابها التدريجي من القتال المباشر الكلاسيكي، والبحث عن حروب بديلة، وتراجعها من أفغانستان، وعدم تدخلها في سوريا أو في اليمن ضد إيران يعتبر نموذجا لذات التحول والتراجع وتغيير الإستراتيجية.

ومن خلال هذا الطرح وعلى منهجه، يمكن أن نقرأ الحرب الجديدة على أوكرانيا، وبالطبع في تفاعل مع تطلعات روسيا وخصوصا طمع الرئيس بوتين في استرجاع المد الاستراتيجي والتوسع الذي ذهب مع الاتحاد السوفياتي. فبخصوص التوغل في أوكرانيا واحتلالها ومحاولة قلب نظامها لصالح روسيا فهو طموح روسي كان بوتين يعلم قدرته على تحقيقه، بعد أن سبق أن هاجم جورجيا وضم شبه جزيرة القرم. وهو كان يعلم بعدم قدرة حلف الناتو وكل أوروبا وحتى الولايات المتحدة على التدخل عسكريا في المنطقة وفق ما سبق أن ذكرنا. لكن بالمقابل، ورغم أن الولايات المتحدة تعي ذلك، فقد كانت تمهد بشكل مسبق ومتعمد لتجريب أسلحة جديدة وحروب بديلة، وهي الحروب الإقتصادية وحروب الحصار التجاري والبنكي والمالي. وهذا التحول في الحروب، من حروب مباشرة إلى حروب اقتصادية، والذي يعتبر جيلا جديدا من الحروب والأسلحة، تحاول من خلال استعماله الولايات المتحدة تدارك تراجعها المتزايد في السيطرة على النزاعات الدولية، وعلى بزوغ دور الدول التي تعتبرها مارقة كروسيا والصين وايران.. لكن هذه الاستراتيجية الجديدة للسياسة الأمريكية لم تؤت أكلها سياسيا وأمنيا بعد بالنسبة لإيران وروسيا كمثال،وإن كان المتضرر الفعلي والمباشر فهو القطاع الإجتماعية ومواطنو وشعوب الدول المحاصرة اقتصاديا. وحتى رهان الولايات المتحدة على الرجات والانتفاضات الشعبية،والحراك الداخلي لشعوب تلك الدول المحاصرة والمعزولة اقتصاديا، وثوراتها المحتملة لم تتم ،نظرا للفراغ النظري والتنظيري، وغياب النموذج الممكن للثورة الجديدة، من خلال الضعف الايديولوجي الذي يعم العالم حاليا..

وعودة إلى اكتساح أوكرانيا من طرف روسيا، فالخاسر الاكبر هي الشعوب بكل تلك الدول، سواء باوكرانيا التي أعتقد حكامها في إطار الخطا الاستراتيجي أن الغرب سيدعمهم عسكريا وبشكل تلقائي ومباشر، لكنهم وجدوا أنفسهم لوحدهم أمام جيش بوتين المدرب والقوي  والفتاك. كما أن الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي سيؤثر على الشعب الروسي الذي يعاني أصلا من التوزيع الغير عادل للثروات ،وضعف الأداء الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي، هذا إضافة إلى تأثر دول أوروبا كألمانيا وايطاليا بالخصار نظرا لتراجع اقتصادها، وحاجتها لغاز روسيا وسياحتها، مما جعلها تتردد في تطبيق كل العقوبات القصوى  الممكنة، كاستعمال نظام " السويفت " المالي ضد روسيا.
_ يتبع _