الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

مذكرات امحمد التوزاني: التحاقي بالمقاومة الفلسطينية في الجولان وأغوار الأردن (الحلقة 21)

مذكرات امحمد التوزاني: التحاقي بالمقاومة الفلسطينية في الجولان وأغوار الأردن (الحلقة 21) امحمد التوزاني رفقة والدته وزهير محسن، الزعيم الراحل لمنظمة الصاعقة

المناضل امحمد التوزاني.. سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13 اسما حركيا، من بينه خالد (بتسكين اللام) وحسن.. صديق الروائي والقاص والصحافي الفلسطيني غسان كنفاني ورفيق درب المناضل الاتحادي المرحوم الفقيه البصري. ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم..

التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاضل الناصري وأحمد الخراص.

التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تأهله ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.

ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..

"أنفاس بريس" تنشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي...

 

+ الأستاذ امحمد التوزاني من كان ضمن الفريق المسؤول عن المناضلين المغاربة بمعسكر الزبداني؟

- بسوريا كانت قيادتين، القيادة السياسية وكانت تقيم بدمشق وتزورنا بالمعسكر وهي المسؤولة عن القرارات المصيرية للتنظيم المسلح، وكانت القيادة العسكرية بعين المكان. وهناك تواصل وتشارك في القرار بين القيادتين، وكان الفقيه محمد البصري هو القائد الأعلى وبعده الفقيه لعور الفگيگي الناطق باسمه، وبعدهما من داخل المعسكر محمود بنونة وأحمد بنجلون والطاهر الجميعي ومصطفى العماري. هؤلاء وزعوا المسؤوليات فيما بينهم، بحيث كان الطاهر الجميعي مكلف بالعلاقة مع البعثيين و محمود بنونة وأحمد بنجلون ومصطفى العماري مكلفين بالتكوين والدراسات.

 

+ كم كانت مدة التدريب السي امحمد؟

- تدربنا لمدة شهرين، وكانت التداريب قاسية. تدربنا على مختلف الأسلحة، البندقية والرشاش ومدافع الهاون والمتفجرات، كما تدربنا على فك الأسلحة وتركيبها وكيفية البحث عن الألغام وإبطال مفعولها وكيفية زرعها.

البرنامج عموما كان يشمل ممارسة الرياضة والتدريب على السلاح نظريا وتطبيقيا.

بالنسبة لي شخصيا لم آخذ شيئا جديدا عما تعلمته في الكلية الحربية، لكنني كنت منضبطا، وكنت أتعلم كالبقية ولا أكشف عن معرفة سابقة لي بتلك الأمور، فانا أنضبط لقرارات قيادتي السياسية.

ومن القرارات التي اتخذها الفقيه البصري هو أنه طلب من القيادة السورية أن نتدرب على البندقية الفرنسية عيار 36 التي أصبحت متجاوزة كأداة قتالية غم ما كانت لها من مميزات. وعلى إثر قراره ذاك جرت اتصالات بينه وبين القيادة السورية التي استجابت لطلبه وأتتنا بالبنادق من المخازن القديمة للجيش السوري.

ومن المعروف أن هذه البندقية ليس لها "ارتداد" بالمعنى العسكري للكلمة، فهي تجعل المقاتل وإن كان قويا يرجع إلى الوراء مع كل طلقة.

 

+ وماذا بعد التدريب لشهرين أستاذ التوزاني؟

- بعدها غادرت الجنسيات الأخرى إلى جبهات القتال ضد إسرائيل تحت قيادة منظمة الصاعقة وبقينا نحن مجموعة التنظيم المسلح المغربي لمدة ستة أو سبعة أشهر أخرى، واصلنا تداريبنا ونظمنا حلقات تكوين كان يؤطرها كل من محمود بنونة  وأحمد بنجلون وابراهيم النمري ومصطفى العماري. لما أنهينا كل شيء ألححنا على القيادة في ضرورة القيام بعمل ما فاهتدت الى فكرة بعثنا الى جبهات القتال التي شكلتها منظمة الصاعقة ضد إسرائيل في كل من الأردن ولبنان وسوريا وذاك ما كنا نتمناه كي نقوم بواجبنا للانخراط في المقاومة الفلسطينية من جهة ومن جهة أخرى كي (نطعم بالنيران) كما نقول بالتعبير العسكري أن نأخذ تجربة سلاح حية.

ولما كنا على جبهة القتال ضد العدو الإسرائيلي زار حميد برادة الأردن وطلب من السوريين أن يمكنوه من زيارة المقاومين المغاربة فقالوا له سننظر إن كان هناك مغاربة ولما تمت استشارتنا في الأمر قلنا لهم أجيبوه بأنه لا يوجد مغاربة على الجبهة وكذلك كان.

 

+ من معسكر الزبداني بسوريا ذهبتم أولا لقتال العدو الإسرائيلي وليس مواجهة " النظام الإقطاعي" المغربي..

- بعد التدريب الأولي في الزبداني، وبعد التدرب على البندقية الفرنسية عيار 36 وبعد شهور من التكوين النظري بيننا كمغاربة اتصلت قيادتنا بقيادة منظمة الصاعقة للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية بالجولان وأغوار الأردن، وقد تمت الموافقة من طرف الصاعقة بعد 24 ساعة وتلقينا التعليمات للالتحاق بجبهات القتال، ولأجل ذلك وزعنا المناضلين على الجبهة ضمن مجموعات تتكون من ستة إلى سبعة أفراد وباتفاق بين الصاعقة وقيادتنا السياسية بأنه يجب أن نتجنب أن صبح أسرى أو تعرف هويتنا المغربية ولذلك التحقنا على أننا تونسيون، وعلى أن لا نكون في مواقع الهجوم وأن نتخذ فقط مواقع الحماية وأن نطبق ما تعلمناه في التداريب من استطلاع للعدو ورصد وغير ذلك.

 

+ وماذا عن تمركز العدو آنذاك على جبهات القتال؟

- كان منتشرا على طول الجبهة داخل "پلوكوسات" من الإسمنت المسلح، تفصل الپلوكوسات عن بعضها حوالي 700 متر، وكانت المناطق التي يصعب عليه مراقبتها يملأها بالألغام.

 

+ هل لك السي امحمد أن تصف لنا ما كنتم تقومون به على الجبهة؟

- من جهتنا كنا نقدر أن المناطق التي يمكن التسلل منها للقيام بعمليات ضد العدو هي مناطق الألغام بالذات، ولذلك كنا نستطلع الساحة بالنهار وفي بعض الليالي نتسلل للقيام بعمليات تسبقها طبعا دراسة عسكرية. ولما كنا نفاجئهم -أي الجنود الإسرائيليين- في عملية ما ليلا كانوا يطلقون القنابل المضيئة التي تجعل المكان مضاء كالنهار. وكنا ننفذ العمليات بعد الدراسة لمدة أسبوع أو أسبوعين إلى شهر. وكانت المنظمات الأخرى غير الصاعقة تقوم بعمليات مشابهة و كنا نعرف بنجاح العمليات من خلال رد فعل العدو الذي كلما سقط ضحايا في صفوفه إلا وأطلق وابلا من النيران بشكل عشوائي على طول الجبهة تأتي على الأخضر واليابس إنسانا أو حيوانا وذلك لإدخال الرعب في قلوب ساكنة المنطقة.

وإلى جانب ما ذكرت كان بعض فدائيينا المغاربة لا يلتزمون بمواقع الحماية ويتخذون مواقع الهجوم ويقومون بعمليات قنص في صفوف العدو نظرا لمهاراتهم في ذلك ومن بين مناضلينا الأبطال في هذا المجال أذكر على وجه الخصوص البطل والقناص الماهر فريكس والقناص با أومبارك والقناص النمري ويمكنني ذكر عدد من الأبطال الذين بلوا البلاء الحسن في جبهة القتال ضد العدو الصهيوني واستشهدوا وهم في المغرب على إثر أحكام بالإعدام في رمضان من سنة 1973، وهم بالإضافة إلى القناصين الثلاثة الذين ذكرت محمود بنونة وعمر دهكون وأيت عمي لحسن وإبراهيم التزنيتي والتاغجيجتي بوزيان وبوشاكوك عثمان وسليمان العلوي وسليم الجزار وأومدة والصابري وحسن المهتدي والقاضي الصغير والفقيه السي ابراهيم وعبد الله المالكي.

 

+ هل توفي أحد من الفدائيين المغاربة على جبهات القتال آنذاك ضد العدو الإسرائيلي؟

- لم يستشهد أي مغربي، لكن كان هناك جرحى وهناك من أصيبوا بشظايا النيران، ففريكس مثلا فقد إصبعه الوسطى وكذلك تأذى أوبارو وأيت عمي لحسن وآخرون.

 

+ وماذا عن مشاركتك في محاربة العدو الصهيوني وأنت الضابط السابق في الجيش السوري والفدائي في صفوف منظمة الصاعقة؟

 

- المرجو إعفائي من الإجابة، فأنا أجد حرجا في الحديث عن بطولاتي كي لا أتهم من قبل المتتبع بأنني أنفخ في الذات..

 

+ نحن كمتتبعين للمذكرات السياسية نستطيع أن نرصد مدى نزاهة ما تبوح به في مذكراتك، ولذلك فأنا مصر على أن تجيبني عن السؤال...

- التحقت في البداية بأغوار الأردن، وفيما بعد انتقلت لجبهة الجولان وشاركت في عملية كان معي فيها نقيب فلسطيني ورائد سوري وسبعة مناضلين مغاربة وكانت العملية هي وضع ثلاثة ألغام في طريق الإسرائيليين والهدف هو الإيقاع بمدرعة الجنود الإسرائيليين المضادة للرصاص وتدميرها.

الألغام كنا نضعها ليلا ونفجرها صباحا عبر اللاسلكي لما تمر العربة العسكرية للعدو، وهي تقنيات لأول مرة نستعملها، وكان يحضر معنا عملية التنفيذ الضباط ذوو الاختصاص.

وفي عملية ليلية أخرى لم ننجح في استطلاعنا كما يجب. وبينما كنا في المنطقة التي يسيطر عليها العدو كشفنا عبر أسلاك دقيقة كان قد وضعها العدو وحالما تلمس تشعره بتواجدنا، وحينها أطلقوا علينا القنابل المضيئة، وبذلك فاجأنا بدل أن نفاجئه، وأصبحنا صيدا محتملا له، الأمر الذي فرض علينا أن نلوذ بالفرار، وبينما أنا أعدو محاولا الاختباء سقطت في بئر في حين أن أصدقائي تمكنوا من النجاة بأرواحهم. وفي الوقت الذي كنت بالبئر كان جنود العدو يملؤون المكان ضجيجا وصراخا ويبحثون ويسبون المخرب ويأمرونه بتسليم نفسه، لكنني بقيت صامتا ومختبئا داخل البئر، ومن حسن حظي أنهم لم يكتشفوا وجودي به، في حين أن الإذاعة السورية أعلنت أن أحد الفدائيين قد فقد ولست أدري كيف تسرب الخبر الى المرحومة والدتي وأقامت مأثما، وذلك ما أخبرتني به فيما بعد لما قدمت لزيارتي في باريس سنة 1974.

بعد 24 ساعة من سقوطي في البئر تمكنت بعد معاناة كبيرة من الصعود منه والالتحاق برفاقي في الجبهة السورية مستعينا بالنجوم لمعرفة وجهتي ولما اقتربت من حراسة الجيش السوري رفعت بندقيتي إلى الأعلى و أنا أصيح (صديق، صديق، صديق..)