الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

آمال النبيه: سياسات الري فاقمت مشكلة ندرة المياه.. وهذه مقترحاتي لتجاوز الإجهاد المائي

آمال النبيه: سياسات الري فاقمت مشكلة ندرة المياه.. وهذه مقترحاتي لتجاوز الإجهاد المائي آمال النبيه: "ربما تكون سياسة الري الحالية قد عمقت التفاوتات الاجتماعية"

قالت آمال النبيه، وهي باحثة في السياسات الزراعية بالمغرب وتونس في جامعة ليون الفرنسية، إن "المغرب يعاني من الإجهاد المائي، لكونه يعطي أولوية الري للصادرات، والفلاحون أكثر اعتمادا على هطول الأمطار وأكثر عرضة للجفاف. كما أن صادرات منتجاته الفلاحية تعني تصدير جزء من المياه التي تشتد الحاجة إليها".

 

وأكدت الباحثة النبيه، في تحليل لها، نشره المعهد المغربي لتحليل السياسات، توصلت به "أنفاس بريس"، أنه "ربما تكون سياسة الري الحالية قد عمقت التفاوتات الاجتماعية؛ فمن ناحية، أفادت هذه السياسة الفلاحين الكبار أساسا، حيث أن المستفيدين الرئيسيين من هذه السياسة هم المقاولون والفلاحون الذين يركزون على الإنتاج الموجه للتصدير. ومن ناحية أخرى، فإن الفلاح المغربي التقليدي الذي يعتمد على الأمطار والمياه الجوفية لم يستفد كثيرا من تحديث الفلاحة وقد تسبب ذلك في بعض الأحيان في مشاكل أكثر مما كان عليه الوضع في البداية، كما هو الحال بالنسبة لمشروع زراعة البطيخ في زاكورة".

 

وشددت النبيه على أن المغرب منذ "استقلاله إلى اليوم أدى العرض السياسي للسياسة العامة للماء والري إلى بروز صورة بلد يعمل من أجل تحقيق الأمن المائي والغذائي. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تعاقب خطط الطوارئ التي يستمر إطلاقها للتخفيف من العواقب الكارثية للجفاف. لكن السؤال المطروح: لماذا إذن تستمر السلطات العمومية في الدعوة إلى خطط طارئة قصيرة الأمد عند سعيها إلى معالجة الآثار الهيكلية لتغير المناخ؟ وهل يمثل تأجيل تصميم سياسات مائية جديدة مع أخذ الجفاف بعين الاعتبار رفضا للاعتراف بالنتائج المتواضعة للسياسات الماضية والحالية فيما يتعلق بالأمن المائي؟"

 

وأشارت إلى أن "السياسة المائية في المغرب تتوخى زيادة إمدادات المياه من خلال تدبيرين اثنين: أولا من خلال تعبئة المزيد من المياه، في السابق من خلال بناء السدود ومؤخرا من خلال تحلية المياه وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وثانيا من خلال توفير المياه مع اعتماد الري بالتنقيط. وقد أظهر منطق «توفير وتخزين المياه» هذا محدوديته في طريقة تنفيذه".

 

وأوضحت النبيه أن المغرب منح الأولوية لتوسيع المناطق المسقية، التي اعتمدت على سياسة السدود التي بدأت رسميا عام 1967 بعد بعثة البنك الدولي قبل ذلك ببضع سنوات. كانت الفكرة هي السعي من أجل ري واسع النطاق ومن أجل مكافحة الجفاف ورفع الإنتاج الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي الوطني. لقد أصبح بناء سد واحد في العام والعمل على الوصول إلى مليون هكتار من المحيطات المسقية بحلول عام 2000 طموحا للأمة بأكملها؛ فبعد أربعين عاما، أصبح في البلاد 144 سدا كبيرا و 255 من السدود التلية، أي ما بين 1.500.000 و1.700.000 هكتار من المناطق المسقية، ومع ذلك لا تزال تعاني من ندرة المياه. ولا يزال ناقوس "المخاطر المتزايدة والمرتبطة بالأمن المائي" و"إدارة المياه خلال الأزمات" و"خطط الطوارئ لمكافحة الجفاف" و«الإجهاد المائي»، ومؤخرا «خطة الطوارئ لإمدادات الماء» يهدد حياة المغاربة اليومية. وبالتالي، من الواضح أن بناء عدد كبير من الأجهزة الهيدروليكية لتخزين المياه والري لا يحمي المغرب تلقائيا من نقص المياه، كما أن سوء الفهم يكمن في الطريقة التي نرى بها السدود كحل غير قابل للتغيير لمشكلة ندرة المياه.

 

وأكدت الباحثة النبيه على أن "المغرب يعتمد بشكل كبير على الأمطار لتحقيق أمنها الغذائي، وهو ما لوحظ بعد تأثير الجفاف خلال هذا العام على إنتاج الحبوب، ولا تزال تعتمد بشكل كبير أيضا على الاستيراد رغم استثمار أكثر 95 مليار درهم لأكثر من 10 سنوات في مشاريع طموحة للغاية، من المفترض أن تقترح سياسات الماء والفلاحة نموذجا شاملا للتنمية القروية والاقتصادية".

وقالت إن المغرب "قام ببناء نموذج مياه زراعي غير متكافئ، فالمياه المخزنة من خلال أنظمة هيدروليكية متعددة ومكلفة يتم تصديرها في الغالب على شكل حوامض وفواكه وخضروات أخرى (الأعمال التجارية أولا) بينما يتعين على الفلاحين الصغار التعامل مع عواقب نقص الأمطار وخزانات المياه الجوفية المستنفدة. علاوة على ذلك، فإن سياسات الري هذه لا تخدم حتى هدف الأمن الغذائي، حيث أن 90 في المائة من مناطق الحبوب المزروعة هي مناطق بعلية".

 

وخلصت الباحثة النبيه إلى أنه ينبغي "تبني سياسات شاملة مستدامة تلبي احتياجات الفلاحين المعيشيين أيضا من خلال حماية سبل عيشهم (في المناطق البعلية) من تهديدات الجفاف ونقص هطول الأمطار. على وجه الخصوص، يمكن أن تتوجه التدابير التالية نحو حل ملموس لهذه القضية، وكذا وضع وإنفاذ مقاييس وحصص استهلاك المياه (المياه السطحية أو طبقات المياه الجوفية) من أجل احتواء الطلب على الماء ومنع الاستيلاء عليه وعدم المساواة في الحصول عليه، إلى جانب الدعم المالي والتقني لمشاريع جمع مياه الأمطار التي يطلقها الفلاحون، ودعم الفلاحين في تكييف ممارساتهم (موعد عملية البذر، إلى غير ذلك) مع تغير المناخ، وفي الآن نفسه تعميم إدماج الفلاحين في سلاسل الإنتاج، وزيادة الوعي بأهمية قنوات التوزيع القصيرة، وتوفير التدريب والدعم لجيل الفلاحين الشباب في المناطق البعلية، وكذا الاستثمار في المحاصيل التي تتكيف مع المناخ شبه الجاف والقاحل بدلا من المناخ الذي يتطلب المياه بكثرة، فضلا عن  الاستمرار في الاستثمار في الموارد المائية البديلة مثل إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة وتحلية المياه لتقليل اعتماد المغرب على الأمطار. كما يجب على صانعي السياسات أيضا التركيز على طريقة تنفيذ هذه الحلول التقنية وآثارها الاجتماعية من أجل تجنب الاستخدام غير الفعال للموارد المستثمرة في هذه السياسات".