الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

جمال العسري: لماذا لا تفرض الحكومة التلقيح وتقرر إلزاميته بدل الالتفاف عليه!؟

جمال العسري: لماذا لا تفرض الحكومة التلقيح وتقرر إلزاميته بدل الالتفاف عليه!؟ جمال العسري

قررت الحكومة إجراءات تشديد جديدة وإخضاع الموظفين لعقوبات تصل حد الاقتطاع من الأجور بالنسبة للمتقاعسين منهم عن التلقيح أو عدم التوفر على الدفتر الصحي، فإلى أي حد يعتبر هذا التدبير الإداري قانونيا، وكيف يصبح الإخلال به موجبا لعقوبة الاقتطاع من الراتب؟

سؤال توصلت "أنفاس بريس" بخصوصه من جمال العسري عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، بالأجوبة ضمن الورقة التالية:

جل المتابعين للإجراءات الحكومية الأخيرة، والتي توازت مع فتح الأجواء، و جاءت بعد سلسلة من اللقاءات التي قام بها رئيس الحكومة ، والتي انطلقت بلقائه برؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان وأمنائها العامين، ثم استمرت بلقائه بكونفدرالية الباطرونا، لتنتهي بلقاء مع الكتاب العامين للوزارات ومديري مواردها البشرية ، حيث طلب رئيس الحكومة من الأحزاب أن تعمل على حث أعضائها و قواعدها على الانخراط في حملة التلقيح ، وهو الأمر الذي وجهه للكتاب العامين للوزارات موجها إياهم إلى ضرورة تعبئة الموظفين للانخراط في هذه الحملة ولو أدى الأمر إلى تشديد الإجراءات أو ابتكار إجراءات جديدة على مستوى إداراتهم والمؤسسات العمومية التابعة لوزاراتهم ، بل هناك من يروج إلى إمكانية اللجوء إلى مجموعة من الإجراءات العقابية و قد تصل إلى حد الاقتطاع من الأجور ، وأمام تسارع هذه الأحداث من حقنا التساؤل عن مدى دستورية و قانونية هذه الإجراءات ؟؟ بل ونطرح السؤال المباشر: لماذا لا تذهب الدولة مباشرة للهدف ؟؟ لماذا لا تفرض التلقيح وتقرر إلزاميته بدل الالتفاف عليه وتمريره تحت مسميات واهية؟؟
بداية و إن كانت الغالبية من المواطنين مع التلقيح وما يثبت هذا هو عدد الذين تلقوا اللقاح الأول والثاني والذي قارب الخمسة وعشرون مليون، وهو عدد جد مهم في بلد يقارب عدد سكانه ستة وثلاثون مليون ، إلا أن هذه الغالبية، وبسبب سياسة التشديد التي لجأت إليها الدولة، وجميعنا نتذكر رد الفعل الشعبي الرافض لتلك الإجراءات التي صدرت عبر بلاغ للحكومة نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، بلاغ أخرج الآلاف من المواطنين و في العشرات من المدن في تظاهرات لم تقف عند حد رفض هذه الإجراءات بل ارتفعت أصوات مشككة في اللقاح وجدواه ، وفسر العديد من المتابعين هذا الرد العنيف والرفض القاطع من جزء واسع من الشعب المغربي ، في تقلص منسوب الثقة بين المواطنين وحكومتهم، وقد تجلى انخفاض هذا المنسوب في الإقبال الضعيف بل جد الضعيف على الجرعة الثالثة حيث لم يتعد عدد من تلقوها الخمسة ملايين من بين الخمسة والعشرين مليون .
واليوم وإن قررت حكومة أخنوش المضي قدما في سياسة التشديد، عبر اتخاذ وزاراتها لهذه الإجراءات المشددة بل والزجرية فهي أولا تمضي في اتجاه مخالف للدستور، ومخالفة لجل فصول الباب الثاني منه، باب الحريات والحقوق الأساسية ويكفي أن يلقي المسؤولون نظرة على هذا الباب وفصوله ليدركوا إلى أي حد تضرب إجراءاتهم بالدستور عرض الحائط.
ثم هي إجراءات لا قانونية، فليس هناك أي بند من القانون أو من الأنظمة الأساسية سواء للوظيفة العمومية أو الخاصة بكل وزارة، ما يلزم الموظفين على أخذ لقاح أي كان نوع هذا اللقاح، بل وليس هناك ما يبرر اقتطاع أجور الرافضين لأخذ التلقيح، أو بند يعتبرهم متغيبين عن عملهم ... وإن حصلت هذه الإجراءات، فستكون دليلا آخر وخطوة أخرى على عدم احترام هذه الحكومة لا للقوانين ولا حتى للدستور باعتباره أسمى القوانين.
والسؤال الذي يطرح بإلحاح واكرره بشدة: لماذا لا تلجأ الدولة إلى فرص التلقيح وجعله إلزاميا ؟؟ لماذا تتهرب من اتخاذ هذا القرار وتلتف عليه وتسعى لفرضه بطرق غير مباشرة؟ السبب بسيط وسهل، فالدولة المغربية وككل دول العالم لا تستطيع تحمل تبعات مثل هذا القرار، قرار إلزامية التلقيح، لا تستطيع تحمل تبعاته الاقتصادية والمالية والصحية، فقرار مثل هذا يتطلب أن تتحمل الدولة كل ما يمكن أن يحصل من أعراض للملقحين، أعراض قد تصل إلى الموت، مادام أن لكل داء دواء أو حتى لقاح أعراضه، فهل تستطيع الدولة أي دولة في العالم تتبع تبعات هذه الأعراض على المواطنين ؟؟ هل يمكن أن تؤمن لدى مؤسسات التأمين على أي خطر قد يتعرض له الملقح إجباريا ؟؟
وهل يمكن للدولة تحمل التبعات القضائية لهذه الإلزامية إن حصلت ؟؟ التبعات القضائية من خلال لجوء أعداد لا يمكن تقدير عددها للقضاء في نزاعات قد تنشب بسبب هذه الإلزامية ؟؟ وهل لدينا قوانين تحسم في أمر مثل هذا ؟؟ وهل لدينا محاكم وقضاة مؤهلين للفصل في مثل هذه القضايا؟؟
وهل يمكن للدولة أن تتحمل التبعات الحقوقية لفرض التلقيح ؟؟ وما سيحدثه من رفض حقوق مستند على المبادئ العالمية لحقوق الإنسان وعلى الدستور المغربي سواء ديباجته أو أبوابه وفصوله ؟؟
لأن الدولة مدركة صعوبة عملية الإلزامية وصعوبة فرض التلقيح، فهي تسعى للولوج إليه عبر الشقوق لا عبر الباب ولا حتى عبر النوافذ.
واليوم الكرة في مرمى المركزيات النقابية ومكاتبها الوطنية باعتبارها الممثلة والمؤطرة للموظفين وللأجراء والمدافعة عن حقوقهم ومكتسابتهم، فهل ستكتفي هذه النقابات بالمشاهدة والتفرج وانتظار رد فعل الشارع، أم أنها ستسارع لإعلان رفضها لهذه الإجراءات اللاقانونية بل واللادستورية ؟؟
نصيحة لمسؤولي هذا البلد، أن يأخذوا العبرة من التاريخ، فعبر التاريخ لم تنجح سياسة الفرض والإلزامية في الإقناع، الإقناع يكون بلغة العقل ولغة العلم وحجة المنطق، لا حجة القوة، وهذا يتطلب من مسؤولينا تغيير سياستهم وتغيير منهجيتهم لإعادة منسوب الثقة بينهم وبين المواطنين لما كان عليه في بداية الجائحة، وليأخذوا العبرة من هذه النسبة الضئيلة من الذين أقبلوا على الجرعة الثالثة ردا على سياساتهم المتشددة، فهل سيأخذون العبرة ؟؟ ومتى سيعون بأن الدواء يعطى بالحيلة لا بالقوة ؟؟