من بين أشهر الأطباق المغربية العريقة التي داع صيتها في مختلف أرجاء العالم، وأضحت سفيرة المطبخ المغربي التقليدي بنكهتها الساحرة ومذاقها المتفرد: طبق "اَلطَّنْجِيَّةْ اَلْمُرَّاكُشِيَّةْ" التي برع في تهييئها وإعدادها الرجال بأنفسهم، على اعتبار أن "اَلطَّنْجِيَّةْ" هي الوجبة المفضلة التي يتباهى بها الصناع التقليديون والحرفيون خارج أوقات عملهم، حيث يتعاقدون على ترتيب وإقامة "اَلنّْزَاهَةْ" خلال فصل الربيع الذي يعد فرصة لـ "لمَّةْ" الأحباب.
طبق "اَلطَّنْجِيَّةْ" الراقي والسّاحر، المنسم بتوابله العجيبة، تجاوز الحدود العالمية بدون "جواز سفر أحمر"، حيث يتجول اليوم برائحته عبر أرجاء المعمور، بعد أن استوطن مجال الحوز ومحطيه الاجتماعي، ليمتد باستفزازه للمعدة والجهاز الهضمي ويفرض نفسه على المبطخ المغربي كوجبة تقدم لأعز الضيوف في مناسبات عديدة.
اسم "اَلطَّنْجِيَّةْ" يحيل على آنية أو قِدْرٌ عبارة عن جَرَّةْ من اَلْفَخَّارْ (الطّين) بأحجام مختلفة (صغيرة ومتوسطة وكبيرة)، خصصها الحرفي والصانع التقليدي لغرض إعداد وجبة أطلق عليها المغاربة نفس اسم الإناء/ اَلْقِدْر الطيني (اَلطَّنْجِيَّةْ)، على اعتبار أنه يتحمل درجات الحرارة المرتفعة خلال وضعه وسط رماد الجمر المتبقي من لهيب بيت نار "اَلْفَرْنَاطْشِي" سواء بـ "اَلْفَرَّانْ" أو "اَلْحَمَّامْ" المتواجدين بالحومة (اَلْحَيْ)، فضلا على أن إناء "اَلطَّنْجِيَّةْ" تلعب دورا مهما في تجويد عملية الإعداد والتحضير والطبخ على مهل.
ويعتبر طبق "اَلطَّنْجِيَّةْ" أكلة شهية عريقة، تفنن فيها الطباخ المغربي بصيغة المذكر، بدليل أن الفقيه العلامة محمد بن سعيد المرغيتي ذكرها في منشوره الشعري تحت عنوان: "تحفة المحتاج في حكم أكل الناس للدجاج"، حيث أدرج فيه مجموعة من الأحكام المتعلقة بالطّهي، كما سعى إلى الفصل في نازلة أكل الناس اللحوم التي تطهى في أفران تقليدية .
وقد يكون الإقبال على إعداد وتحضير وطهي هذا الطبق المستفز لشهية المعدة خلال فصل الربيع خاصة، إلا أن الملاحظ أنه في شهر رمضان، تتنافس الأسر المغربية على طهي طبق "اَلطَّنْجِيَّةْ"، ويتسابقون نحو مول "اَلْفَرْنَاطْشِي"، (ضابط طريقة وزمن الطهي) وهو الذي يسهر على مراقبة نضجها وسط رماد بيت النار، من أجل التعاقد معه حول ساعة الصفر التي ستقدم فيها ساخنة للضيوف وأفراد العائلة (مباشرة بعد وجبة الفطور).
وحسب العديد من عشاق طبق "اَلطَّنْجِيَّةْ" فإن الصائم يصفها بـ "الشْهَيْوَةْ" التي تميل لها النفس، وتستعد لها المعدة كوجبة متفردة غنية بالدهون، خصوصا إن تزامن شهر الصيام مع فصل الشتاء الممطر والبارد. فلا يمكن أن تخطئ حاسة شم الصائم تمييز رائحة "اَلطَّنْجِيَّةْ" التي تملئ فضاءات الأحياء الشعبية. تلك الرائحة المغرية التي تحمل معها عطور التوابل التقليدية التي يمتاز ويتفرد بها المبطخ المغربي من (راس الحانوت، وزعفران، والسمن الحار، والحامض لمصير، والثوم، وزيت الزيتون..) إلى توابل أخرى حسب الذوق والجودة و الفعالية.
تُحَضَّرُ "اَلطَّنْجِيَّةْ" المغربية بالأساس بقطع من لحم العجل وخصوصا ما يسمى بـ (اَلْمَلْجْ)، حيث يتم وضع اللحم بداخل قدر الفَخَّارْ، ويضاف إليه مباشرة كميات مضبوطة بمقاييس معروفة من مواد (زيت الزيتون، والسَّمْنْ اَلْبَلْدِي اَلْحَارْ، وفصوص الثّوم وشطائر البصل، ومسحوق اَلْكَمُّونْ، ولِبْزَارْ، واَلْقُزْبَرْ حْبُوبْ (مَدْقُوقْ) والزّعفران، وسَكِّينْ جْبِيرْ واَلْمِلْحْ واَلْفُلْفُلْ اَلْأَحْمَرْ اَلْحُلْوْ وَاَلْمَاءْ. حيث يتم مزج كل المكونات لتنصهر وتتفاعل عناصرها وتمتزج مع بعضها البعض، وبعد ذلك يتم أغلاق القدر الطيني (اَلطَّنْجِيَّةْ) بإحكام بوضع ورق سميك يربط بخيط متين، وتسلم الأمانة لصاحب "اَلْفَرْنَاطْشي" ليقوم بواجبه.
جدير بالذكر أن سحر طبق "اَلطَّنْجِيَّةْ" امتد في إعداده اليوم وتحضيره باستعمال مختلف اللحوم الحمراء، سواء (لحم الغنم، أو لحم الرّاس، أو الدجاج البلدي والديك الرومي، وأيضا بكرعين الغنم (لَكْعَاوِي)...).