الجمعة 29 مارس 2024
خارج الحدود

أبو وائل الريفي: تسريبات بونويرة تكشف صراع العصابة وعدم اكتراث العسكر بإحراق الجزائر

أبو وائل الريفي: تسريبات بونويرة تكشف صراع العصابة وعدم اكتراث العسكر بإحراق الجزائر قرميط بونويرة يتوسط الجنرالين السعيد شنقريحة (يمينا) وجبار مهنا

قضت تسريبات قرميط بونويرة، السكرتير الخاص السابق لقائد الأركان الراحل قايد صالح، على شنقريحة وتبون وعرت الحقائق التي كان يتداولها الجزائريون همسا في الداخل والخارج. فضحت تلك التسريبات، وقد وصلت حتى الآن أربعة فيديوهات، الصراع بين أجنحة الحكم في الجزائر ولعبهم بالنار وعدم اكتراثهم بإحراق الجزائر وتجويع شعبها مقابل الحفاظ على مصالحهم، وبينت تلك التسريبات التي خرجت من داخل السجن العسكري في مدينة البليدة حيث يوجد بونويرة، أن التسريب ليس عبثيا ولكنه تم بمساعدة جهات أمنية ومخابراتية تريد تصفية حساباتها مع جهات أخرى.

 

اتهامات سكرتير قايد صالح الذي قضى بجانبه 15 سنة ويوصف بأنه "خزانة أسراره"، اتجهت مباشرة للقيادات العسكرية لتحملها مسؤولية حرائق الغابات الصيف الماضي والتي استغلها حكام الجزائر لاتهام المغرب وقطع العلاقات معه بدون سبب، بل إن بونويرة سمى مدبري هذه الحرائق وهما: الجنرال حسان والجنرال جبار مهنا الذي نصب بعد استدعائه من التقاعد على رأس مديرية مكافحة الإرهاب. كما فضحت هذه التسريبات تورط الجنرال توفيق في دعم المجموعات الإرهابية وتوظيفها، وأعطت وقائع حية عن غض الطرف عن انضمام إرهابيين للجيش والتستر على أطر في الجيش رغم المعرفة بقربهم من جماعات إرهابية أو انتمائهم لها قبل دخول الجيش. أما عن فضائح الفساد والنفخ في الفواتير والتهرب الضريبي وتفويت مؤسسات عمومية بمبالغ زهيدة فحدث ولا حرج. ولا نفوت الفرصة للتذكير بأن بونويرة يواجه حكما بالإعدام وتمكن من الفرار إلى تركيا بعيد وفاة قايد صالح سنة 2019 ولكن تم تسليمه من طرف نظام السلطان "العادل والإنساني جدا!!!" بطلب رسمي من الجزائر بعد اتصال هاتفي بين تبون وأردوغان. وطبعا كالعادة لم ينل هذا الموضوع اهتماما حقوقيا من الطوابرية هواة إصدار البيانات والتضامن و"الحادڭين" فقط في استنكار ما يناسب أهوءاهم المريضة. لماذا لم نسمع أصوات أنصار أردوغان يستنكرون هذا التسليم حينها؟ لماذا سكتت هيأة نصرة العدل والإحسان التي يترأسها فتحي الموجودة ابنته في تركيا؟ ولماذا سكت حمداوي مسؤول العلاقات الخارجية للعدل والإحسان المحظورة الوجدي المعروف بقربه من حكام الجزائر؟

 

الآن فقط، يمكن فهم عقدة حكام الجزائر تجاه الملكية في المغرب ومركب النقص الذي يَجُرُّونه معهم تجاه المغرب الذي يسلك طريقه نحو التنمية والديمقراطية مستحضرا ضرورات ومقتضيات الجوار. والآن فقط يمكن معرفة مصدر الأعمال الإرهابية والقلاقل التي تعيشها المنطقة وتلقي بتداعياتها على مناطق أخرى في العالم.

 

أمام حدة التسريبات ووقعها لم يتأخر رد الفعل كثيرا واتجه منحى متطرفا، حيث صدر في اليوم الموالي لبث التسريبات حكم بالإعدام على بونويرة لتأديب كل من يفكر في فضح المستور، والحكم كالعادة صدر عن المحكمة العسكرية والتهم معروفة "الخيانة العظمى" و"تسريب وثائق رسمية" و"إفشاء الأسرار العسكرية" و"التخابر مع دول أجنبية". وهذه مناسبة أخرى لمتابعة تفاعل أمنستي وهيومان رايت وطوابرية الداخل والخارج والإعلام الحربي الفرنسي "الحادڭ" فقط في توجيه مدفعيته للمغرب مع هذا الحكم ومقارنة تفاعله مع الاستهداف المستمر للمغرب. فينك آ الماتي واصحابك؟ وا فينك آ ماما خديجة ورباعتك؟ وا فينكم آ الطوابرية؟ أليست هذه محكمة استثنائية؟ أليست قوانينها استثنائية؟ أين مطالباتكم بإلغاء حكم الإعدام؟ أين استنكاركم لتسليم تركيا لمعارض مهدد بفقدان حياته؟ أعلم أن لا حياة لمن تنادي، ولكن همي الأساس هو المغاربة ليفهموا أنكم تكيلون بمكاييل وتغلبون دائما الكفة التي تعادي مصالح بلاد أعطتكم بدون حساب وتتنكرون لها في كل فرصة ومناسبة.

 

وعوض التواصل مع الرأي العام وتوضيح الحقيقة وتمكين الجزائريين من حقهم في المعلومة حول حرائق وأعمال إرهابية ذهب ضحيتها جزائريون فضل شنقريحة الصمت. وكعادته كلف تبون، عون التنفيذ الممتاز، بتلميع صورته. وبدون سياق ولا مناسبة، انبرى تبون مدافعا عن العسكر في خطاب من مقر وزارة الدفاع الوطني حيا فيه شنقريحة على ما أنجزه على رأس الجيش (يكاد المريب يقول خذوني!!!)، وأقر فيه تاريخ 4 غشت يوما وطنيا للجيش الوطني الشعبي معتبرا الجيش الجزائري جيشا مسالما يدافع عن الجزائر بشراسة، والويل لمن اعتدى على الجزائر. ولأن الخوف باسط ذراعيه على حكام الجزائر فقد كان لزاما التهديد بسياسة "العين الحمرا". ولذلك لم يفوت تبون الفرصة ليضرب الديمقراطية في مقتل معتبرا أن "لا ديمقراطية مع دولة ضعيفة، ضعفا يحفز الفوضى ومجبرة على التنازل عن المبادئ.. وأن التعليق السياسي وحرية التعبير مضمونان، ولكن بأدب، لأنه لا علاقة لهما بالسب والشتم وكيل الأكاذيب ونشر الباطل ومحاولات تركيع الدولة بأساليب ملتوية". هذه هي حقيقة هذا النظام العسكري الفاشل الذي يتوسل بكل الوسائل، مهما كانت دنيئة، لتأمين استمراره.

 

لم ينتبه كثيرون أن تبون وشنقريحة بقدر تبنيهم للبومدينية سياسيا وعسكريا يتحللان منها اقتصاديا ويتجهان نحو اقتصاد السوق، وإن بطريقة مشوهة، وهو إعلان صريح لفشل خيارات عقود من الزمن أضاعها حكام الجزائر في نظام ريعي تحتكره شبكة مصالح فاسدة. ولذلك قال تبون في خطابه أمام العسكر بأن الجزائر "متوجهة نحو نظام اقتصادي جديد، يرتكز على رأس المال النظيف". ولكم أن تتخيلوا معايير نظافة رأس المال وأسباب ذكرها في هذا السياق!!!.

 

الجزائر تتورط وتنفضح يوما بعد آخر، وانشغالها بالمغرب لن يزيدها إلا حقدا وعمى لن يساعدها على اختيار ما يصلح لها، وتجاهُل المغرب لحماقاتها قرار حكيم، والحكيم يرد على العاقل ولا ينشغل بالأحمق الذي يتقن فقط "التشيار بالحجر" في كل اتجاه. وحين نرى نحن المغاربة ما عليه هؤلاء الحكام نحمد الله أن لنا ملكية راقية ومواطنة وحكيمة وتفكر بمنطق المصلحة وتعطينا "العز" في الداخل والخارج.

 

(عن موقع "شوف تيفي")