الخميس 28 مارس 2024
خارج الحدود

أبو وائل: ما هو الثمن الذي يؤديه شعب الجزائر بعد اختطاف تبون من طرف العسكر؟!

أبو وائل: ما هو الثمن الذي يؤديه شعب الجزائر بعد اختطاف تبون من طرف العسكر؟! مشهد من الحراك الجزائري، والسعيد شنقريحة، وعبد المجيد تبون (يسارا)
"ما حدها تقاقي وهي تزيد في البيض". هذا ما ينطبق حقيقة على حال الجزائر في الآونة الأخيرة. ارتباك وارتجال يقود إلى إخفاق وفشل متواصل على كل الواجهات، وتستر عن الحقائق لفترة ثم ينكشف المستور وتتضح حقائق الفشل الذريع والذي يتسبب فيه نظام لم يعد ينظر إلى ما فيه الجزائريون من معاناة لأنه ركز كل اهتمامه على المغرب. لم يعد أمام حكام الجزائر اليوم طرق أخرى للمناورة وتأجيل إعلان الفشل بعد عقود من الاستقلال كان عنوانها الرئيسي هو فرص ضائعة وثروات مبددة واختيارات فاشلة ورهانات خاطئة. هل بإمكان نظام العسكر إيجاد "لهاية" أو "مشجب" آخر لربح وقت آخر؟ هل مشاكل الجزائر التنموية مجرد أعطاب ظرفية؟ هل معاناة الجزائريين مع نقص المواد الأساسية وليدة ظرفية الجائحة فقط؟ هل ما وصلت إليه البلاد من تنمية وتقدم متناسب مع إمكانياتها ويوازي حجم ثرواتها؟ هل ما يصرح به قادة الجزائر هو الحقيقة؟ وهل يستحق الجزائريون بتضحياتهم هذا النظام العاجز الفاقد للأهلية لإيقاف النزيف الذي تعرفه البلاد؟
قد يتساءل البعض عن سبب طرح هذه الأسئلة المقلقة الآن. والسبب ببساطة هو تصريح للرئيس "المختطف" من طرف شنقريحة بمناسبة اختتام أشغال الملتقى الوطني حول تجديد المنظومة الصحية والذي بين فيه الرجل الأول في البلاد أنه يعيش حالة تخلف زمني حين قال بأن "الدولة عازمة على توفير كل الوسائل للتغلب على جائحة كورونا". هكذا ودون حشمة يخاطب تبون الجزائريين بعد مرور أزيد من سنة على انتشار كوفيد 19 ليطمئنهم ويبشرهم بعزم الدولة توفير الوسائل. المصيبة هي أن هذا الرئيس ذاق مرارة المرض وأصيب في وقت مبكر بالفيروس ونقل للعلاج إلى الخارج. والطامة أن حكام الجزائر حاولوا التستر عن هذه الإصابة لأنها كانت ضربة قاضية للنظام كله وللمنظومة الصحية أساسا ولكن خطورة الإصابة حينها وطول أمد غياب الرئيس ومناورات ودسائس قصر المرادية اضطرتهم للإعلان عن الإصابة. ونتذكر حينها صراعات التموقع الحامية بين أركان النظام التي اضطرت تبون للخروج الإعلامي وهو منهك القوى. الرئيس تبون، وهو مجرد واجهة مدنية ضعيفة لنظام عسكري فاشل، انتبه بعد أزيد من عام على انتشار الجائحة، وهي في موجتها الرابعة، بأن الدولة عازمة على توفير الوسائل للتغلب على الجائحة. انتبه تبون إلى ضرورة توفير الوسائل بعد وفاة أزيد من 6000 جزائري وإصابة أزيد من ربع مليون حسب الأرقام الرسمية المعلنة والتي لا تعكس الحقيقة لأننا فعلا أمام نظام لا يختلف عن كوريا الشمالية في تعاملها مع معطيات هذه الجائحة.
معاناة الجزائريين مع غياب أسطوانات الأوكسجين لن تنسى بالتقادم، وفقدان الجزائريين للأدوية اللازمة خلال هذه الجائحة كذلك، وتركهم عرضة لمضاربات سماسرة الأزمات ستبقى سبة في وجه نظام العسكر الذي وقف متفرجا وعاجزا عن حماية صحة مواطنيه. ولا نظن السبب هو العجز فقط ولكن هناك مصالح متداخلة مع تجار الأزمات لأن كل أركان هذا النظام لا تفكر إلا في الإثراء على حساب الشعب واستغلال معاناته.
معاناة الجزائريين خلال جائحة كوفيد تكذب ادعاءات تبون بأن بلاده تمتلك أفضل منظومة صحية بأفريقيا. والاستشهاد الخاطئ والمضلل والانتقائي بارتفاع معدل الحياة عند الجزائريين الذي بلغ 77 سنة بعد أن كان في بداية الاستقلال أقل من 54 سنة انتقائية مقيتة كشفت عقدة المغرب الذي يتحاشى تبون وأسياده ذكره بالاسم مكتفين بالدولة الجارة وكأنهم يصابون بمس أو صاعقة إن نطقوا اسم هذا البلد الشامخ الذي اكتشف العالم خلال هذه الجائحة ما يختزنه من كفاءات وموارد جعلته يدبر مرحلة الجائحة بنجاح شهد به المنتظم الدولي كله. هل أحس المغاربة بنقص في الأدوية خلال الجائحة؟ هل شهدت السوق نقصا في الأكسجين؟ هل غابت الدولة لتترك سوق المضاربات في الأدوية والمواد الغذائية تنهش جيوب المغاربة؟ هل الطاقة الاستيعابية للمستشفيات لم تسع كل مرضى الفيروس؟
بالتأكيد، جواب المغاربة وكل المتتبعين سيكون بالنفي. لقد سارعت السلطات المغربية إلى الوفاء بكل التزاماتها الصحية والاجتماعية والأمنية، وشيدت مستشفيات ميدانية متخصصة ووفرت كل الأدوية للمصابين وسارعت لتأمين توصل المغاربة مبكرا باللقاح في عز الخصاص في السوق العالمية، وظل المغرب مصنفا طيلة فترة الجائحة في خانة الدول المتحكمة في انتشار الوباء. كيف أصاب تبون "الخبل" ليقفز على كل هذه الحقائق؟ هل كان جادا وهو يتحدث عن "الدولة الجارة" وتفوقه عليها "بالرغم من أنهم سبقونا إلى الاستقلال ولا أحد يذكرهم في الإعلام والصحافة" على حد قول الرئيس المغيب عن الحقيقة والواقع؟
لم يعد يتذكر تبون عن المغرب إلا سنة استقلاله لأن التاريخ انتهى عنده في ستينيات القرن الماضي وبقي أسيرا لتلك الفترة البومدينية التي قادت الجزائر إلى حالة إفلاس شامل بسبب رهانات اقتصادية واجتماعية وسياسية فاشلة ثار عليها الجزائريون في حراك شعبي أسطوري لم تنفع معه الآلة القمعية العسكرية والأمنية. يريدنا تبون أن نذكره مرة أخرى بمشاكل الجزائريين مع الزيت والحليب والبنان والدقيق. يريدنا تبون أن نذكره بما يتداوله الجزائريون بعفوية عن الفارق بين ما وصل إليه المغرب وبلدهم الذي يتوفر على ثروات وإمكانيات أكثر من المغرب ولكنه يفتقد نظاما يحسن إدارتها وتدبيرها لمصلحة البلاد والعباد. ينسى تبون أن المغرب يسبقه في كل شيء وأن ذكر المغرب صار يصيبه بجنون ويشعره بأنه قزم.
تقف اليوم الجزائر عند مفترق طرق، ومستقبلُها يترتب على طبيعة نظامها السياسي، والاستمرارُ بنفس النهج البومديني لن يقود البلاد إلا إلى مزيد من الكوارث، وتدبير علاقات الجوار بمنطق العداوة يحرمها من فرص لن تجدها في مكان آخر، وتبنيها لجبهة البوليساريو خطأ تتضاعف تداعياته كلما أصر العسكر على التمادي فيه ولم يمتلكوا شجاعة الاعتراف بهذا الخطأ. معاناة الجزائريين تتصاعد وتتسع ولم يعد ممكنا سترها في زمن الانفتاح، ورمضان على الأبواب بما يعنيه من مضاعفة الاستهلاك اليومي للكثير من المواد الأساسية المفقودة في السوق. وحالة العجز البين للنظام أمام سوق المضاربات لا يمكن تبريرها إلا باستفادة بعض أركان هذا النظام من هذا الوضع اقتصاديا وماليا.
تضيق الدائرة اليوم أمام تبون وشنقريحة وهما مطالبان بتقديم الحساب للجزائريين وتبرير أسباب غياب هذه المواد الأساسية من السوق وسبب حرمان الجزائريين من الاستفادة من جيرانهم المغاربة حيث تتوفر هذه المواد بالفائض. ها هي واحدة من تداعيات إغلاق الحدود وقطع العلاقات من طرف واحد. وكما قلنا في بوح سابق بأن المتضرر هو الجزائر أكثر بكثير من المغرب. كيف سيتلقى المنتظم الدولي قرار وزارة التجارة الجزائرية بمنع بيع الزيت لأقل من 18 سنة؟! ألا يدل هذا أن "السكين وصلت للعظم"؟! من يتضرر الآن من هذا القرار المتسرع وغير المبرر وغير المدروس حول إغلاق الحدود وقطع العلاقة مع المغرب؟! وحدهم الجزائريون يملكون الجواب الصحيح، أما الطغمة الحاكمة فغارقة في سبات ومغيبة عن الواقع لأن محركها هو الحقد على المغرب وليس مصلحة الجزائريين.
يدفع الجزائريون اليوم ضريبة قرارات ارتجالية وشعارات تعود إلى السنوات الأولى لاستقلال الجزائر. اتخاذ قرار عدم الاستيراد دون وضع مقومات الإنتاج يجعل السوق في أزمة والشعب في معاناة ويوسع سوق المضاربات وخاصة إن كان النظام عاجزا وضعيفا. كم هو حجم المواد الأساسية التي تذهب لمخيمات البوليساريو؟ ومقابل ماذا؟ وهل ما يزال نظام العسكر يحلم بانتصار أطروحة الانفصال بعد كل هذه الهزائم المتتالية؟
حين نرى ما تتخبط فيه الجزائر وهي عاجزة عن توفير المواد الأساسية لشعبها نحمد الله كثيرا أننا دولة غير بترولية لأن ذلك جعلنا نستثمر في أشياء أخرى، ونحمد الله كذلك لأنه وهبنا نظاما حكيما تبنى خيارات استراتيجية منذ فجر الاستقلال ويملك رؤية مستقبلية وسمعة دولية وقدرة وقوة تفاوضية في المنتظم الدولي أعطت لهذا البلد ما يستحق من احترام عالمي ولم تجعل أمنه الغذائي موضوع مساومة بسبب تقلبات السوق الدولي.
أكاد أنفجر من الضحك وأنا أرى نظاما عسكريا يعطي الدروس للمغرب في الحريات وحقوق الإنسان وهو حديث عهد بعشرية دموية سوداء صال فيها العسكر وجال ونكل بجثث معارضين. لقد أصدرت محكمة باب الوادي حكما بعقوبة سالبة للحرية على فتحي غراس زعيم الحزب اليساري للحركة الديمقراطية والاجتماعية بتهمة إهانة الرئيس الجزائري. هذه هي الحريات في الجزائر، وهذا هو احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير. وهذا الحكم وحده يكفي الماكينة الدعائية العسكرية لتكف عن تقديم دروس ومواعظ للغير، أما التاريخ الدموي لهذا النظام فقد تأتي مناسبات ونتحدث عنه بتفصيل.
 
عن موقع "شوف تيفي"