الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

بوشعيب أمين: هل أصبح حب الوطن يتعارض مع فضح الفساد؟

بوشعيب أمين: هل أصبح حب الوطن يتعارض مع فضح الفساد؟ بوشعيب أمين

أثارت مقالتي الأخيرة على هذا المنبر العتيد، بعض ردود الأفعال الغاضبة على ما جاء فيها، فهناك من وصفني بالمعارض الشعبوي البعيد عن واقع البلد وعن حقائق الأمور، والذي يقفز قفزا على الإيجابيات والمنجزات التي تحقّقت في المغرب، ويركّز فقط على ذكر السلبيات.. ولذلك فأنا -في رأي هؤلاء- لست سوى مرتزق يسخّر قلمه لخدمة أجندات أجنبية معادية للمغرب، وأقحموا عُنوة دولة الجزائر -رغم أنني لم أذكرها في مقالتي ولم أشر إليها لا من قريب ولا من بعيد- واعتبروا أنني أدافع على حكام الجزائر، لمجرد حديثي عن خضوع المغرب لإملاءات البنك الدولي. وهناك من اتهمني في مغربيتي، واعتبرها قد اغتربت بفعل تأثير "اليورو" وسنوات الغربة الطويلة في ديار المهجر، الشيء الذي جعلني لا أرى ما تحقق من أوراش وإنجازات في المملكة الشريفة، وهناك من طالب بعدم نشر مقالي هذا على صفحات هذا المنبر، لأنه لا يستحق النشر، ولأنه لا يعكس مطلقا حقيقة الأوضاع في المغرب، وهناك من.... إلى غير ذلك من التهم الجاهزة والمجانية.

 

لستُ هنا في معرض الردّ على هؤلاء وأمثالهم، لأنني دأبت في مسيرتي الصحفية، ألاّ ألتفت إلى القيل والقال، ولكنّي أريد أن أوضح بعض الأمور رفعا لكل لبس أو خلط:

أنا لستُ معارضا سياسيا لجأ إلى الخارج، كي يهاجم وطنه، وينال منه، بواسطة كتابة مقالات موجّهة ومدفوعة الثمن، أنا مجرد كاتب صحفي، لا يملك سوى القلم وشرف الكلمة، أتابع كل ما يجري على أرض الوطن، عبر وسائل الإعلام، أو عبر التواصل -إما عن بُعد أو مباشرة- مع أفراد الشعب المغربي، وأعبّر عن رأيي بكل حرية، وللإشارة فقبل تفشي وباء كورونا، فقد كنت أزور المغرب أكثر من ست مرات في العام، وما زلت أزوره بعد ذلك كلما سنحت الظروف، وخلال زيارتي له، كنتُ أقوم بالتجول في جميع ربوعه دون خوف أو وجل، لأنني بكل بساطة لم أرتكب أيّا من الجنح الماسة بالأشخاص، سواء عن طريق الادعاء والمس بالشرف، أو عن طريق نشر القذف والسب، في حق وزير أو عدة وزراء من أجل مهامهم أو صفاتهم أو نحو أي  شخص مكلف بمصلحة أو مهمة عمومية موقتة كانت أم مستمرة، ودليلي على ذلك هو أنه لم يسبق لأي أحد أن رفع ضدي شكاية أو دعوى لدى القضاء بهذا الشأن.

كما أن الدستور المغربي واضح، فيما يخص حرية التعبير، فقد أقرّ في الفصل 25 بشكل صريح على: “أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، وفي الفصل 28 بأن: "حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وللجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة".

 

وأنا من خلال ممارستي للكتابية الصحفية، أدرك جيدا أن المسؤولية الملقاة على عاتقي جسيمة وعظيمة، وأن حجمها يزداد كلما اتّسعت دائرة الحريّة، لذلك أجدني -في إطار الالتزام بأخلاقيات المهنة- حريصا أشد ما يكون الحرص على التأكّد من مصادر معلوماتي، وعلى تتبّع الأساليب النزيهة في الحصول على الأخبار والصور والوثائق، وعلى اعتماد التقارير ذات المصداقية، لأن هدفنا في الأخير هو البحث عن الحقيقة قدر المستطاع، وإيصالها إلى الرأي العام دون تشويه.

 

ليس من مهمّتي كصحفي، أن أمدح وأمجّد، أو أن أبرّر سياسات المسؤولين، والدفاع عنهم، فتشييد المدارس والمعاهد والمستشفيات، وتوفير العيش الكريم لكل المواطنين (وبالمناسبة فأنا لا أنكر المنجزات الكثيرة التي تحققت في المغرب خلال السنوات الماضية) فذلك من أكد واجبات المسؤولين، وتلك مَهمّتهم التي انتُخِبوا من أجلها، لكن واجبي كصحفي، هو تسليط الضوء على مكامن الخطأ وأوجه القصور في ممارسات هؤلاء المسؤولين للمسؤولية، بلا مجاملة أو محاباة لأحد، لأن في ذلك خدمة للوطن ولا شيء سوى الوطن.

 

هناك من يعتقد أنّ أيّ مغربيّ يعيش خارج أرض الوطن، ويقوم بانتقاد الأوضاع السيئة والمسؤولين عنها، هو بالضرورة يخدم أجندات أجنبية "معادية للوطن"، ويتقاضى عن ذلك أموالا ورشى. والحقيقة أن هؤلاء لا يفهمون طبيعة المهام التي يؤديها الصحفي في المجتمع، سواء أكان في الداخل أم في الخارج، لأن النتيجة واحدة: وهي تقديم الحقيقة، وتصحيح المسار.

 

يجب على هؤلاء أن يعلموا بأن الوطن ليس حكرا على أحد، وليس ملكا لأحد، فالوطن لجميع أبنائه، ومهما اختلفت وجهاتُ النظرِ، وتعددت الانتماءات، فلا يحقّ لأي أحدٍ، أن يوزّع صكوك الوطنية على هذا، ويُقصيَ منها ذاك، تحت مبررات واهية ما أنزل الله بها من سلطان.

 

وهنا لا بد أن أتساءل: هل حب الوطن هو السكوت عن الفساد والظلم، والتطبيل للإنجازات الوهمية؟  وهل حب الوطن هو الجلوس والاسترخاء للاستمتاع بالعروض السياسية التي يقدمها المسؤولون الفاسدون، دون محاسبتهم؟ وهل حب الوطن، إذاً يتعارض مع فضح الفساد؟

 

إنّ أخطر ما يتهدَّد الوطن في وجوده هم أعداءُ الداخل: المفسدون الذين ينقضّون على ثروات الوطن ويحتكرونها لأنفسهم وأبنائهم للحفاظ على نفوذهم. لذلك فهم أكثر الناس سعيا إلى خنق الحرية وتكبيل الكلمة الشجاعة، وتكميم الأفواه، ومحاصرة الرأي الحر والتعتيم عليه، بتسخير بعض المأجورين لتشويه صورة المخالفين لهم في الرأي، والتشويش عليهم، بشكل يوحي بأنهم هم من يدافع عن الوطن في مواجهة من يهدد الوطن. ولعمري إنهم لا يدافعون إلا عن أنفسهم ومصالحهم الخاصة.

 

فلاش: أفاد مكتب الصرف المغربي، أن التحويلات المالية للجالية المغربية في الخارج إلى بلدهم الأم قد وصلت حوالي 80 مليار درهم في نهاية شهر أكتوبر المنصرم، لتستمر في وتيرة النمو غير المسبوقة طيلة السنة الجارية. كما أفاد أن هذه التحويلات بلغت 79,6 مليارات درهم في الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية، مقابل 55,5 مليارات درهم في الفترة نفسها من السنة الماضية. وتمثل هذه الزيادة نسبة نمو بحوالي 43,3 في المائة، وهو ما قيمته 24 مليار درهم إضافية مقارنة بالمستوى المحقق خلال سنة 2020. وفي ظل الوتيرة غير الاستثنائية لنمو تحويلات الجالية، يتوقع أن تتجاوز مع نهاية السنة رقم 90 مليار درهم؛ وهو ما يجعل الرقم غير مسبوق في تاريخ المغرب.

 

أيها المزايدون: إن حبّ الوطن لا بدّ له من برهان وتصديق، وتصديقُه يتجسّد في فعلٍ، يعزز لدى الإنسان، القيمَ النبيلةَ التي تتمثلُ في التضحية وبذل الغالي والنفيس، في سبيل الوطن، حتى يكون انتماؤه له حقيقيا، وليس انتماء مبنيا على وعي زائف. وأما الذين ينهبون خيرات البلد، فنحن نعرفهم بسيماهم، وسنفضحهم بإذن الله، ولا نخاف في ذلك لومة لائم.

 

- بوشعيب أمين/ إيطاليا