الخميس 28 مارس 2024
سياسة

في ذكرى رحيله 30.. دلالة عودة صورة عبد الرحيم بوعبيد في أفق مؤتمر الاتحاد

في ذكرى رحيله 30.. دلالة عودة صورة عبد الرحيم بوعبيد في أفق مؤتمر الاتحاد الراحل عبد الرحيم بوعبيد

في الثامن من يناير 2022، ستعود صورة عبد الرحيم بوعبيد إلى صدارة المشهد السياسي والحزبي على ضوء ذكرى رحيله الثلاثين.

 

ما سيجعل الصورة حاضرة بقوة، ليس فقط حجم الخسارة التي مني بها الديموقراطيون بفقدان رجل لم يكن فقط اتحاديا، بل كان رجل دولة ووطن. إن ما سيعطي دلالة خاصة لعودة ذكراه اليوم هو حلولها، هذ السنة، في سياق التجاذب الذي يعرفه حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين أبنائه الاتحاديين تحضيرا للمؤتمر الحادي عشر الذي من المقرر أن ينعقد في أواخر يناير 2022، حيث يتواصل الشد والجذب بين عدة أطراف بعضها يجادل في شرعية الخط السياسي الحالي الذي دفع نحو تراجع شعبية الاتحاد، وفقدان أطره وقواعده، وبعضها يتمسك بصواب ذلك الخط معتبرا أن أشياء كثيرة تحققت وفي مقدمتها بقاء الاتحاد صامدا رغم تحديات المشهد الحزبي الوطني. وبغض النظر عن هذا التجاذب فالمحقق أن استعادة صورة عبد الرحيم بوعبيد اليوم هي استعادة لقيم الرجل النضالية، ولخطه الإصلاحي، ولنزاهته النضالية. وحول هذا تتفق كل الأطراف المتنازعة اليوم في أفق مؤتمرها القادم.

سنحاول هنا أن نبسط هذه القيم، ومعالم ذلك الخط انطلاقا من ثلاثة عناوين:

 

الأول: الوطنية لا الحزبية

نعم لم يكن عبد الرحيم بوعبيد اتحاديا بالمعنى الحزبي الضيق، ولكنه كان وطنيا يقدم مصلحة البلاد على مصلحة الحزب دون التنازل قيد أنملة عن الهوية الحزبية أو النضالية. حدث ذلك أيام الكفاح من أجل تحرير البلاد من ربقة الاستعمار، في حضن حزب الاستقلال، ثم بعد تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي. كان عدوا للفرنسيين لكنه يحاورهم ندا لند، مفاوضا شرسا ومتفهما بهدف جني كل امتيازات الحرية والاستقلال. وكان خصما لنظام الحسن الثاني لكن دون أحقاد ودون قطيعة. بل كان يساند النظام كلما فرضت على الوطن تحديات ما بحيث لا يتردد في الاصطفاف إلى جانب الوطن وملكه. حدث ذلك حين انخرط في ملف الدفاع عن الوحدة الترابية، سواء كمفاوض من أجل شرعية الموقف المغربي المطالب باسترجاع صحرائه، أو كمدعم لقرار المسيرة الخضراء، أو كمشارك في حكومة الوحدة الوطنية في غشت 1984 والتي استقال منها في خضم فعاليات المؤتمر الوطني الرابع. وقد ظل بوعبيد على موقفه المبدئي ذاك حتى حين كلفه السجن رفقة أعضاء من المكتب السياسي سنة 1981، بعد رفض قرار الحسن الثاني تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء المغربية. ومن ثمة الكلمة التي جهر بها أثناء المحاكمة: "رب السجن أحب إلي من أن ألتزم الصمت ، وألا أقول رأيي في قضية مصيرية وطنية ".

 

العنوان الثاني: الوضوح والإصلاح

لقد تميزت فترة قيادته لسفينة الاتحاد منذ 1974، تاريخ تغيير اسم الاتحاد ليصبح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالوضوح المبدئي، حيث ثم القطع نهائيا مع النزوع الراديكالي، ورواد الصعود إلى الجبل لإسقاط نظام الملك الحسن الثاني. وهو ما ترجم عمليا ونظريا في استراتيجيه النضال الديمقراطي التي لها قوام واحد واضح: النضال من داخل المؤسسات تعبيرا عن الإيمان بالشرط المؤسساتي في كل معارك الاتحاد . وذلك ما أقره المؤتمر الاستثنائي للاتحاد سنة 1975 ، حيث أوضح التقرير الإيديولوجي، كما حرره الاتحاديون بإشراف الشهيد عمر بنجلون، اعتماد التحليل العلمي الملموس للواقع الملموس، وبأن المقاربة التاريخية لمعضلة السياسة والفكر لا تقبل القفز على الواقع ، أو مزيدا من المغامرة المذهبية أو السياسية أو التنظيمية.

 

العنوان الثالث: الاختيار الديمقراطي استثمار في المستقبل

لقد كان عبد الرحيم بوعبيد واضحا في اختياراته في السياسة كما في الحياة، حيث كان يردد دائما بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، "لا يعمل فقط من أجل مغرب اليوم، ولكنه يعمل من أجل مغرب الغد، المغرب الحر بمواطنين أحرار ".

إن هذا العنوان الفصيح ليس فقط ترجمة للعنوانين السابقين، ولكنه كذلك تمثلا لرؤية عميقة للعمل الديمقراطي الذي لا يهادن، ولا يتنازل ولا يناور. بل يتخذ القرارات الصائبة حيث يلزم اتخاذ تلك القرارات.

 

من هنا قيمة الرجل وذكراه، وقيمه المثلى من أجل وطن ديمقراطي. وهذه هي الرسالة التي لا بد سيستحضرها الاتحاديون في ذكرى الرحيل الثلاثين بكل تأكيد مهما تباعدت نزاعاتهم أو تقاربت. بل سيستحضرها كل الحزبيين الديموقراطيين الذين يتوقون إلى أن يروا ببلادهم مشهدا حزبيا سليما يقوم بأدواره الدستورية ، بتأطير المواطنين، وبضمان آليات التوازن داخل الحياة الحزبية ، وبالالتزام بدور المنبه اليقظ للسلطات التنفيذية، وبتشكيل كل آليات الوساطة بين الدولة والمجتمع.

 

بهذه الدلالات ستكون استعادة ذكرى عبد الرحيم بوعبيد البوصلة التي تحتاجها السياسة الحزبية المغربية اليوم، ويحتاجها المغرب والمغاربة الآن.