الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد امغار: المحاماة، الصحافة ودولة الحق والقانون

محمد امغار: المحاماة، الصحافة ودولة الحق والقانون محمد امغار

ورد في العديد من الأعمدة والتدوينات من بعض الإخوة الصحافيين ما مفاده أن المحامين رفضوا تطبيق قانون حالة الطوارئ الصحية، الشيء الذي يستدعي توضيح بعض النقط الحقوقية والقانونية للجميع لكي تتضح الرؤيا ونسعى جميعا إلى التنزيل الأمثل للمرسوم قانون رقم 292_20_2 المنظم لحالة الطوارئ الصحية وإجراءاتها، لذلك فإن أول ملاحظة يمكن إبداؤها هو أن هذا القانون أسس على مبادى قانونية وحقوقية منصوص عليها في المواد 21 و24 و81 من الدستور، وكذلك المبادئ المنصوص عليها في اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لسنة 2005، هذه المبادئ التي تسعى إلى الحفاظ على حقوق الأشخاص والجماعات من جهة وحماية الصحة العامة من جهة ثانية، وقد كان مشرع مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية المغربي موفقا في ضمان هذا التوازن في هذا النص التشريعي، كما هو واضح من المادة الثالثة من نفس القانون، والذي أعطى الصلاحية للسلطة العامة في اتخاذ كافة التدابير الرامية إلى حماية الصحة العامة بشرط أن لا تحول التدابير المتخذة المذكورة، دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين، لذلك زملائي الصحافيون فإن النقاش الحقوقي القانوني الهادئ هو ما يلي:

أن الدورية الثلاثية إجراء وتدبير من الإجراءات والتدابير الاحترازية المتخذة في إطار المادة 3 من قانون حالة الطوارئ الصحية وليست قانون تشريعي بالمعنى المنصوص عليه في الدستور والذي أعطى هذه الصلاحية للمؤسسة التشريعية، لذلك فإن النقاش الحقيقي هو التالي:

هل احترم هذا الإجراء أو التدبير مقتضيات المادة 3 من قانون حالة الطوارئ الصحية؟

إن الجواب على هذا السؤال يقتضي القول أن مرفق العدالة مرفق عمومي حيوي، يجب تأمين الخدمات التي يقدمها للمرتفقين، وفرض جواز تلقيح دون وضع إجراءات مصاحبة تضمن حقوق وحريات غير الحاملين للجواز هو مربط الفرس هنا، لأن عدم اتخاذ إجراء من هذا النوع فيه مساس بمقتضيات المادة 3 من قانون حالة الطوارئ الصحية، التي ذهبت إلى ضرورة وضع قواعد وإجراءات تراعي التوازن ما بين حماية الصحة العمومية واستفادة الجميع من الولوج إلى العدالة، لذلك فإن عدم إشراك المؤسسات المهنية للمحاماة في التدابير المتخذة هو الذي أدى إلى هذا الوضع، والكل يعرف أن الفقرة 14 من المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشان دور المحامين تنص على أنه يسعى المحامون، لدى حماية حقوق موكليهم وإعلاء شأن العدالة، إلى التمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي وتكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة متيقظة مطابقة للقانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة القانون، لذلك فإن إشراك المؤسسات المهنية في اتخاذ هكذا تدابير، أقول تدابير وليس قانون بالمعنى النص الصادر عن السلطة التشريعية، هو تنزيل لمقتضى اممي الذي ذهب إلى أن الحكومات تكفل للمحاماة القدرة على أداء جميع الوظائف المهنية دون تخويف، أو إعاقة، أو مضايقة، او تدخل غير لائق.

لهذا فإنني شخصيا أتفهم الحالة الانتقالية المرتبطة بتنزيل القوانين المنظمة لقطاع العدالة بعد دستور 2011 الذي أسس تشريعيا لمفهوم استقلال السلطة القضائية، والإشكاليات المرتبطة بالجهة المختصة بتدبير قطاع العدل على ضوء النصوص الجديدة، خاصة وأن القانون المنظم لاختصاصات السادة العمال، أي قانون 1977 والذي أعطاهم سلطة التنسيق ما بين المصالح الخارجية للوزارات والمؤسسات العمومية، لا يمكن تطبيقه على مستوى المحاكم.

إن القراءة المتأنية من السادة الصحافيين العاملين في إطار السلطة الرابعة تقتضي استحضار خصوصيات كل قطاع وكل مؤسسة، وهذا لا يعني أن هناك شخص أو هيئة فوق القانون بل بالعكس فإن الجميع ينبغي أن يخضع للقانون، ويسعى في الوقت ذاته للتنزيل الأمثل لهذا القانون، والأكيد أن للمحاماة أعراف وتقاليد ومبادئ اممية ينبغي للمحامين أن ينضبطوا لها، كما للصحافة والإعلام أعراف وتقاليد ومبادئ أممية تتطلب تحري الدقة في نقل الخبر والعمل على توعية الجميع بحقوقه، إذا أردنا جميعا أن نسعى إلى دولة ومجتمع الحق والقانون...

 

محمد امغار، كاتب مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء، دكتور في العلوم السياسية