الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الدويهي: على المنتظم الدولي تحمل مسؤوليته الأخلاقية قبل القانونية حول تجنيد الأطفال بمخيمات تندوف

الدويهي: على المنتظم الدولي تحمل مسؤوليته الأخلاقية قبل القانونية حول تجنيد الأطفال بمخيمات تندوف عائشة الدويهي، رئيسة المرصد الصحراوي للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان
ارتبطت ظاهرة تجنيد الأطفال بنشأة جبهة البوليساريو واستمرت معها في مرحلتي التطور والاستمرار. فمنذ إقامة مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، استهدف مسؤولو تنظيم البوليساريو فئات الأطفال والشباب عبر تهجيرهم إلى دول أخرى، حيث خضعوا خلال إقامتهم المطولة إلى إلزامية الاشتغال وأداء الخدمة العسكرية في سن جد مبكرة. 
عمل أيضا مسؤولو تنظيم البوليساريو على حرمان فئة من الأطفال من استكمال الدراسة وإكراههم على العمل العسكري والعمل الشاق كما عمل التنظيم على استغلال المناهج المدرسية والبرامج في تلقين الأطفال العقيدة الإيديولوجية للتنظيم والشحن بالأفكار الداعية للعنف والكراهية والإشادة بالحرب والبطولات العسكرية، وهو ما يتنافى مع مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، التي تحث على التربية على مبادئ وقيم الحرية والمساواة والتسامح بما يعزز انفتاح شخصية الطفل.
ما يقوم به تنظيم البوليساريو هو، بالدرجة الأولى، استغلال سياسي وعسكري في حق آلاف الأطفال داخل مخيمات تندوف وهو انتهاك مباشر لمقتضيات اتفاقية حقوق الطفل وخصوصا المادة الرابعة من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشراك الأطفال في النزاعات المسلحة والتي تنص على أنه «لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلحة المتميزة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية» حيث تم الزج بالأطفال في أعمال البروباغوندا الحربية للبوليساريو، وذلك بإشراك الأطفال في أفعال مستفزة لعناصر البعثة الأممية «المينورسو» بالمعبر الحدودي للكركرات وأعمال تخريب وبلطجة واستعمالهم كدروع بشرية.
البوليساريو اليوم تتحرك دون حرج رغم استغلالها العلني للأطفال، بما يشبه القفز المتعمد فوق هذا الوضع الشاذ والمتعارض مع مبادئ حقوق الطفل والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. مما يدعونا إلى أن نتساءل بحدة حول الفرق بين تنظيم البوليساريو وباقي التنظيمات الإرهابية في واقعة مجاهرتها باستغلال الأطفال وتباهيها بوجود مشتل احتياطي من حملة أفكارها، وهو ما توثق له الفيديوهات التي يتم توظيفها في الدعاية الحربية التي تظهر أطفالا ضمن استعراضات عسكرية وهي المشاهد التي تناسلت أكثر بعد تملص الجبهة من اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1991 وإعلانها الحرب مباشرة بعد تأزيمها للوضع بالمعبر الحدودي الكركرات وعرقلتها لانسيابية حركة مرور السلع والأشخاص بذات المعبر.
للأسف، تواكب هذا الأمر اللاإنساني في حق الطفولة بمخيمات تندوف، غفلة دولية لا تلتفت كثيرا لهذه الفئة عند الحديث عن بشاعة استغلال الأطفال داخل عدد من بؤر التوتر وقد حاولت العديد من التقارير الوطنية لفت الانتباه لهذه الممارسات اللاقانونية واللاأخلاقية، وسط غياب شبه تام لآليات الرقابة الدولية حول ما يجري، وإثارة الاتحاد الأوروبي لهذا الأمر مؤخرا في مساءلة لوزير خارجيته حول هذا الموضوع رغم أنه جاء متأخرا، لكنه يبقى محمودا وبادرة سديدة.
فالمنتظم الدولي يجب أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية قبل القانونية حول إشراك الأطفال في الأعمال العدائية والعسكرية، وكذا الحربية على أساس أنها أعمال محظورة منذ القدم في القانون الإنساني العرفي في أفريقيا، وفي العرف الإسلامي الإنساني، المعمول به في الحروب. كما هي حاضرة من خلال القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 والبروتوكول الاختياري بها. كما أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد عام 1998 يصّنف ظاهرة تجنيد الاطفال ضمن الأفعال اللاإنسانية، ويعتبرها أيضا جريمة حرب سواء كان التجنيد طوعيا أم إلزاميا.
وبصرف النظر عن كيفية تجنيد الأطفال، وعن الأدوار التي توكَل إليهم. فالأطفال الجنود يبقوا ضحايا الآثار الخطيرة على صحتهم الجسمية والنفسية. وغالباً ما يكونون عرضة للأذى ومعظمهم يواجهون الموت والقتل والعنف الجنسي.
فالمجتمع الدولي ملزم الآن بالتدخل لوضع حد لهذه الظاهرة، لأنه يتنافى مع الإنسانية أن يتم السماح للأطفال بالمشاركة في الحروب وتعريض حياتهم للخطر، بدلاً من حمايتهم وتقديم الخدمات التي تعنى بصحتهم ورفاههم البدني والنفسي وإشراكهم في أنشطة إيجابية لمستقبلهم، بما في ذلك التربية والتعليم والتكوين.
كما أن المجتمع المدني مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يكثف من ترافعه ويحسن من جودته وأن ينوع من مبادراته ويكيفها وفقا للممارسات الجديدة التي أضافها تنظيم البوليساريو لسجل جرائمه في حق أطفال مخيمات تندوف، بالترافع تفاعلا مع جميع المنظمات القارية والدولية ذات الصلة عن طريق رفع البيانات والتنديدات والافادات والتقارير واللقاءات والتظاهرات والنداءات العاجلة ورفع الشكاوى والدخول في تشبيكات وتحالفات حول هذا الموضوع الذي يسائل إنسانيتنا بحكم الانتماء وكمدافعين عن القضايا العادلة.
كما أن تغيير المركز القانوني لهذه الممارسات، حيث اننا لم نعد نتحدث عن انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان فقط، بل أن بعضها أصبح يدخل في خانة جرائم حرب وخصوصا قضية تجنيد الأطفال مما يستدعي منا ككل الانتظام لوقف هذه المأساة برفع القضية أمام القضاء وأمام محكمة العدل الجنائية وفتح تحقيق للوقوف على حقيقة هذه المزاعم وتحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة لأنها جرائم لا تسقط بالتقادم.
ونحن كمجتمع مدني نحمل بالدرجة الأولى تنظيم البوليساريو، المسؤول المباشر عن هذه الجرائم والانتهاكات الممنهجة والتي لا زالت، لأزيد من أربعة عقود، مستمرة ومتكررة في حق الطفولة. كما نحمل دولة الجزائر كبلد مضيف المسؤولية الأخلاقية والقانونية تجاه ما يقع من فضاعات في حق أطفال المخيمات، حيث لا زالت آليات إنصافها تنأى بنفسها عن تناول أي ملف يتعلق بانتهاكات مورست ضد ساكنة مخيمات تندوف بما فيهم الأطفال باعتبارها السلطة المناط بها التحقيق في جميع الانتهاكات التي ترتكب داخل نطاقها الترابي وفاء بالتزاماتها الدولية ذات الصلة.