الخميس 28 مارس 2024
سياسة

تناسل احتقان الشارع.. عنوان لمطالب مشروعة أم ترجمة لتيار الصعلكة خدمة لأجندة معينة؟

تناسل احتقان الشارع.. عنوان لمطالب مشروعة أم ترجمة لتيار الصعلكة خدمة لأجندة معينة؟ صورة مركبة لاحتجاجات التلاميذ وأحداث دار بوعزة لمواجهة الالترات

توقف أبو وائل الريفي في بوحه المنشور بموقع "شوف تيفي"، عند ظاهرة لافتة تتمثل في تناسل احتجاجات التلاميذ والطلبة والإلترات بشكل مثير. وبرر ذلك بوجود تيار يحترف الصعلكة، لإظهار الدولة المغربية وكأنها ضعيفة للإضرار بصورتها خارجيا، خاصة وأن هذا التيار يتخذ من الأطفال والشباب وقودا مجانيا لإشعال الشارع.

"أنفاس بريس"، تتقاسم مع قرائها تحليل أبو وائل الريفي:

 

فجأة طفت على السطح احتجاجات ضد إجبارية جواز التلقيح ودخل على خط الاحتجاجات صفحات جزائرية وقيادات حزبية وتنظيمات متطرفة ودعوات لاستقطاب جماهير الألتراس. وفجأة، وبعد فضح أمر من يقف وراءها وعزلهم وتوضيح الصورة للمحتجين بنية حسنة انطفأت جذوة تلك الاحتجاجات كأن لم تكن بالأمس. كيف نفسر هذا؟ وما الهدف منه؟

 

مباشرة بعد انفضاح أمر هؤلاء، انطلقت مواجهات بين جماهير الألترات كما حدث في دار بوعزة وغيرها وكأن “البلاد سايبة ما فيها قانون وما فيها احكام”، ومرة أخرى يدفع للواجهة شباب ليس له لا في العير ولا في النفير. من يتلاعب إذن باستقرار البلاد؟ ومن يستثمر في الشباب بهذا الشكل البشع؟ ولمصلحة من؟ وما هي النتيجة التي يريد الوصول إليها؟

 

مباشرة بعد حادث المواجهات الدامية بين الألترات يصبح التلاميذ بداية الأسبوع بشكل مفاجئ وبسرعة تعبوية قياسية على وقع احتجاجات تخريبية ضد مذكرة موقعة في آخر عهد الحكومة السابقة ولم يعمل بها نهائيا وتم إلغاؤها. والمقصود طبعا هو المذكرتان الوزاريتان الصادرتان في 15 شتنبر 2021 حول تأطير إجراء امتحانات المراقبة المستمرة للموسم الدراسي 2020-2021، وفي 16 شتنبر حول الجداول التفصيلية لفروض المراقبة المستمرة الموحدة ومكونات الإشهاد وأوزانها. ومن تاريخ توقيعهما يتضح أنهما في زمن الحكومة السابقة، وأن الوزير الحالي قرر توقيف العمل بهما إلى حين دراستهما والاطلاع على الجدوى من ورائهما كما كان الشأن مع مشاريع أخرى كانت في عهد الحكومة السابقة. وهذا أمر عادي حصل مع مشروع القانون الجنائي وقد يحدث مع مشاريع أخرى ترى الحكومة اليوم أنها لا تتماشى مع برنامجها الذي نالت من أجله ثقة البرلمان. لماذا تم الركوب على مذكرتي المراقبة المستمرة دون مشروع القانون الجنائي مثلا؟ السبب يكمن في الكتلة الجماهيرية القابلة وسهلة التحريك للتمكين لسياسة الصعلكة والتهديد بنظام السيبة و استنزاف المنظومة الأمنية وإشغالها وإنهاكها لأغراض أصبح واجبا البحث عنها وطرحها ومعرفة من يقف وراءها ولمصلحة من.

 

ونفس الأمر مع الاحتجاجات التي تنطلق من حرم الجامعة إلى الشارع ويقودها غير الطلبة لصناعة توتر اجتماعي ضد قرار يمكن تفهم رفضه أو الاعتراض عليه بطريقة متناسبة مع ضرره ولكن لا يمكن تقبل الاعتراض عليه بطرق يتضح يوما بعد يوم أنها هدف في ذاتها للتمكين للصعلكة.

 

لا يمكن للمتابع إلا التساؤل عن السر وراء تحريك هذه الملفات بالضبط في وقت متزامن، وعن السبب وراء استهداف هذه الفئات أساسا، وعن خلفيات السرعة التي تتم بها عمليات التعبئة وأسباب اختيار تلك الوسائط دون غيرها.

 

بخصوص الاحتجاجات ضد جواز التلقيح، اقتنع الكثير من المحتجين بالخطأ والخطر الذي يتهدد الصحة العامة بعد انتشار الحديث في كل العالم عن مخاطر تعرض العالم لموجة وبائية جديدة، وبعد الاستماع والاطلاع على قرارات دول حول الحجر الصحي المنزلي على غير الملقحين. وها هو يزداد تأكيدا بعد تصريحات المستشار الألماني المقبل أولاف شولتز بأن النواب البرلمانيين سيصوتون مع نهاية العام الجاري على مشروع إلزامية التطعيم ضد فيروس كورونا على أن يكون التلقيح الإجباري ضد الفيروس ساريا في بداية فبراير أو مارس، وبأن هذا القانون يتوجب التصويت عليه نهاية هذا العام. فهل السلطات المغربية ملزمة في كل مرة أن تدلي بصك البراءة من دول أخرى ليقتنع من في قلبه مرض أو شك بصواب قرارها؟ هل الدولة المغربية عديمة الكفاءة إلى هذه الدرجة وقد أثبتت الجائحة صواب مقاربتها وقدرتها على الخروج من الجائحة بأخف الأضرار؟ وهل قدر الدولة المغربية أن تدفع ثمن حسن توقعاتها وقدراتها الاستباقية التي يتضح في أكثر من مناسبة أنها متقدمة على دول أخرى ينظر لها بالريادة؟

 

هناك رغبة في الآونة الأخيرة في إظهار الدولة المغربية فاشلة وعاجزة وضعيفة، كما تتضح الرغبة أكثر في إشعال فتيل الفوضى في كل منطقة ووسط كل الفئات وحول أي موضوع أو قضية. والهدف تصوير البلاد في حالة ضعف وتحلل، والأسلوب الأنجح في نظر من يقف وراء هذا هو التمكين للسيبة والصعلكة.

 

لن تنجح هذه الأساليب في تحقيق هدفها ولن تجعل مؤسسات الدولة تتراجع عما تراه الأصلح لمستقبل المغرب.

وبمناسبة تشكيك البعض دائما في سياسات البلاد وبحثه الدائم عن شهادة حسن السيرة من الخارج، لا يسعني في هذا البوح إلا التذكير بحدث معبر عن العقيدة المغربية الثابتة في التعامل مع قضية فلسطين وحق الشعب الفلسطيني. إنها الرسالة الملكية إلى رئيس اللجنة المعنية المذكرة بحق ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وبالموقف الثابت للمغرب من عدالة القضية الفلسطينية التي يرتبط استقرار المنطقة وإشاعة الرخاء والازدهار فيها ارتباطا وثيقا بإيجاد حل عادل ومستدام لهذه القضية العادلة، وفق حل الدولتين، وعلى حدود الرابع من يونيو1967، وفي إطار قرارات الشرعية الدولية. ولأن المغرب وفي لالتزاماته لم تنس الرسالة الملكية التذكير بمطلب المغرب بفتح باب التفاوض بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين، حيث نصت الرسالة الملكية على تجديد “الدعوة إلى إطلاق جهد دبلوماسي مكثف وفاعل، لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، في أفق التوصل إلى تسوية القضية الفلسطينية، في إطار حل الدولتين، وبناء مستقبل واعد للأجيال الفلسطينية والإسرائيلية”.

 

يتجاهل البعض عمدا هذه المواقف الصريحة للمشاغبة على خيارات الدولة التي ترى مصلحة البلاد في الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل المنتظم الدولي. والمؤسف أنهم ينكرون ذلك على المغرب ويصمتون إن كان الأمر يتعلق بغيره، كما هو الحال مع الزعيم أردوغان الذي أعلن أن بلاده ستتخذ خطوات لتحسين العلاقات مع مصر وإسرائيل، على النحو الذي اتخذته في الأسابيع القليلة الماضية مع الإمارات. أين هو اتحاد علماء الإخوان المسلمين من هذه التصريحات؟ وأين من سارع بالتدوين المسموم للتهكم على المغرب الرسمي في إشارة خبيثة لفصله عن عمقه الشعبي؟ ألا تستحق مثل هذه الخطوات التنديد كذلك؟ يحاول عبثا الكثيرون النيل من خطوات المغرب المتوازنة لخدمة مصالحه وتقوية موقعه دون الإخلال بواجباته تجاه قضايا أمته العربية والإسلامية، والسبب دائما هو حالة الهوس التي تتصور كل نصر للدولة هزيمة لهم. ليتأكد هؤلاء أن المستقبل وفق مقاربتهم هذه الذي ينتظرهم هو الهزيمة تلو الأخرى لأن المغرب القادم هو مغرب الانتصارات في كل ملف وقضية خاضها والسبب أن المغرب لا يخوض معاركه إلا حول القضايا العادلة ولأنه يمتلك من أدوات الإقناع والضغط الكثير كما يملك من آليات التعاون والتنسيق أكثر من الكثير. وهذا الأسبوع كان مناسبة لاختبار قدرات المغرب على هذا الصعيد حين تنازلت ليبيا للمغرب عن ترشيحها لعضوية مجلس الأمن والسلم للاتحاد الإفريقي. للمغاربة أن يتصوروا وقع هذا التنازل على حكام الجزائر، كما لهم أن يتصوروا وقعه على تونس التي عاكست حقوق المغرب في مجلس الأمن على غير العادة وأعلن رئيسها قبل مدة قليلة ترشح تونس إلى هذا المقعد. هذا غيض من فيض وما زال العاطي يعطي لأن لهذه الأرض جاذبية ولرجالها ونسائها بركة ولأنهم صادقون في كل الوساطات والمساعي الحميدة التي يدخلون فيها في كل القضايا وهو ما يعطي للمغرب مصداقية ويجعل الشراكة معه مبتغى الجميع إلا من في “أحشائه الدغل”.

 

شكرا لمن يسوق لصورة المغرب في الخارج وشكرا لمن يخدم المغرب لتكون الصورة جذابة وشكرا لمن يحمي هذا البلد من كل سوء في الداخل والخارج...