السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

في الحاجة إلى توثيق رقصة المكاحل الحربية الحمرية كتراث لامادي (مع فيديو)

في الحاجة إلى توثيق رقصة المكاحل الحربية الحمرية كتراث لامادي (مع فيديو)

ساهمت جريدتي "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" في النبش و توثيق وإعادة إحياء رقصة المكاحل الحربية الحمرية بمشاركة إحدى فرق "عْبِيدَاتْ اَلرّْمَا"، من خلال إقامة حفل خاص على هامش زيارة "مَشْيَخَةْ" زاوية نْوَاصَرْ اَلْخَنُّوفَةْ، في ضيافة العلام عبد الكريم السايسي وارث سر التبوريدة على يد المرحوم الشيخ لمقدم الحاج الطَّاهَرْ اَلْخَنُّوفِي الناصري الحمري،وكان ذلك بمناسبة مساهمة ثلة من أبناء المنطقة في إعداد برنامج تراثي يعنى بالزاويا وصلحاء منطقة أحمر.

 

لقد كانت الفرصة سانحة للإستمتاع رفقة ثلة من المهتمين والباحثين وضيوف الحفل التراثي بأغاني الخيل والبارود المصحوبة برقصة لمكاحل الحربية، على إيقاع سنابك الخيل وصيحات الفرسان. بالطبع كان هدفنا الأسمى في الجريدة هو رد الاعتبار لموروثنا التراثي بمنطقة أحمر، لأنه يعتبر شكلا تراثيا جماعيا نابعا من أصالة الإنسان المغربي ويتطلب مجهودا من أجل تثمينه وتحصينه ضد النسيان والاندثار.

 

زاوية الخنوفة الناصرية مدرسة "تَارَامِيتْ" التي تخرج منها أشياخ أحمر

 

"تَارَامِيتْ" هي كلمة عامية مصدرها كلمة الرُّماة التي يعتبر مدلولها المغربي مدلولا قديما عريقا يشمل "الرّْمَا"، وهم أشخاصا تعلموا رماية الأهداف وقنص الطرائد وفحص الأسلحة وصناعة البارود والتفنّن في الحركات الحربية وتربية الخيول الأصيلة وحفظ القوانين الخاصة بِـ "تَارَامِيتْ" حفظا وممارسة مع الانضباط للمقدم/ العلام ومجموعة فرسان السَّرْبَةْ التي تشكل كتيبة الخيالة.

يتفق جل الباحثين على أن وظيفة الرماية عند الحمريين بزاوية الخنوفة كانت وظيفة تربوية من أجل ترسيخ الإسلام في النفوس، إذ كان يبدئ امتحان المريد في شؤون دينه بدأ بحفظ القرآن الكريم، وتعليمه مبادئ الوضوء و الصلاة، فضلا عن تدرجه وتمكنه في باقي أركان الإسلام، وبعد اجتياز الامتحان يلازمه شيخه بعض الأيام لاستدراك ما يجب استدراكه مما ينقصه في شؤون الدين والسُّنَّةْ، وإذا اتضح للشيخ أن المريد لا يرغب إلا في الفوز بإذن الرّماية فإنه يُهْجَرُ، ولن يفلح المهجور سواء في الفروسية أو القنص أو صناعة البارود أو التفنّن في الحركات الحربية .

وتفيد بعض الوثائق التاريخية أنه بعد وفاة الشيخين سعيد الناصري وعلي الناصري، توارث الحمريُّون مَشْيَخَتُهُمْ، فكونوا بتجربتهم وممارستهم وخبرتهم مدرسة متميزة للرّماة، نالت تقدير الناس في ربوع المملكة المغربية وشجعها السلاطين من خلال إرسال بعتاتهم (الأمراء) ليأخذ أفرادها أصول ركوب الخيل والرماية عنهم، وكان السلطان المولى إسماعيل أول من سن ذلك، وبعده أوفد المولى عبد الرحمن وفودا للتعليم في زاوية الخنوفة التي ألحقت بها مدرسة الشماعية.

"الرّامي/ الفارس" المتخرج من المدرسة الحربية (اَلنَّاصِرِيَةْ)، يجمع بين الحُسنيين، والتبحّر في علوم العصر، مع التمكن من فنون الرّماية، و يبرع أيضا حتى في وزن مواد صناعة البارود، وإتقان شروط القنص. لذلك فإن تاريخ "تَارَامِيتْ" الغني بالأحداث سواء في زاوية الخنوفة أو الزاوية البوسونية تعززه الظهائر والوثائق وتؤكده صورة للمغفور له محمد الخامس لما زار زاوية الخنوفة سنة 1943.

الرقصة الحربية بالمكاحل أو حَرَكَاتْ "اَلتْسَكْوِيطَةْ" الحمرية على صهوة الخيل

 

إن الحديث عن الرّقصة الحربية التي يؤديها فرسان النواصر دو شجون، على اعتبار أن مجموعات "عْبِيدَاتْ اَلرّْمَا" بمنطقة أحمر وخصوصا المنتسبين للطريقة الناصرية (اَلنْوَاصَرْ)، تألقوا ميدانيا في حركات "اَلتْسَكْوِيطَةْ"،والتي ليست ألعابا بهلوانية كما يصفها البعض، بقدر ما هي استرجاع لأحداث تاريخية تحيل على مشاهد الفرسان المجاهدين والشجعان الذينأبهروا العدو، وأربكوه بحركاتهم على متن صهوة الخيول في ساحة الحرب، حيث جسد الراقص المبدع في حركات الَمْكَاحَلْملاحم الشهامة والبطولات خلال اَلْحَرْكَاتْ السلطانية الكبرى لإخماد التمردات والانتفاضات.

 

من المعلوم أن الرقصة الحربية الحمرية التي يتفنن فيها "اَلرّْمَا" ويجيدها فرسانأحمر، تعكس قدرة النّوَاصَرْ المنتسبين للمدرسة الحربية للشّيخين سيدي علي بناصر وسيدي سعيد بناصر، اللذان كانا في زمانهما من تلامذة الشيخ أحمد وموسى بمنطقة تَازَرْوَالَتْ بسوس، وعنه أخذا التَّشَيُّخْ "اَلْمَشْيَخَةْ" في ميدان الرِّماية وركوب الخيل، ثم انتقلا من سوس إلى بلاد أحمر خلال القرن السادس ميلادي ضمن جيش السعديين الذي تصدى للبرتغاليين المتوغلين في الأحواز .

من هذا المنطلق، فلا غرابة أن نجد فرسان أحمر يتوارثون أبا عن جد، طقوس وحركات الطريقة النّاصرية في التعاطي مع ركوب الخيل (فن التبوريدة) بكل حمولتها الرمزية والدلالية، وحيثياتها وتفاصيلها الدقيقة، انطلاقا من حَرَكَاتْ"اَلرَّفْعَةْ" (رَفْعْ اَلْمُكَحْلَةْ)،و"اَلتَّشْوِيرَةْ/ اَلْهَدَّةْ" (تَدْبِيبَةْ اَلْخُيُولْ) ثم "اَلْخَرْطَةْ"التي تترجم التحكم في (اَلِّلجَامْ واَلصُّرْعْ) بالإضافة إلى حركة "اَلْـﯕَرْنَةْ" (حين يضع الفارس رَايَةْ اَلْمُكَحْلَةْ عَلَى صدره) انتهاءبِـ "التَّدْرَاعْ" ثم "التَّخْرِيجَةْ"أي إطلاق البارود عند لحظة الصّفر. علما أن كل هذه اَلْحَرَكَاتْ يجب أن تتم في تناغم وتنساق محكم ومنضبط لتعليمات مقدم السربة / قائد الكتيبة الحربية.

تجدون في العدد القادم من جريدة "الوطن الآن" معلومات أوفى عن الموضوع

 

رابط الفيديو هنا